كورونا يعزز عولمة الموت.. العالم عقل خائف

2020.04.23 | 00:00 دمشق

2020-04-22t162256z_2075842137_rc2s9g9fvvjh_rtrmadp_3_health-coronavirus-britain.jpg
+A
حجم الخط
-A

لا يهدم فيروس كورونا الخلايا في جسم الإنسان فقط بل يتجاوز ذلك إلى المفاهيم التي اعتدنا العيش من خلالها وأيضا النظريات. لم يكن العالم صغيرا كما هو الآن رغم حدوده وأجوائه المغلقة، التي فرضها الوباء، والذي يمكن اعتباره أحد تجليات عولمة الموت. لا شيء مؤكد يمكن استشرافه من الأزمة الحالية، فمازال الإنسان كـ كائن سياسي تحكمه الغريزة مجهولا في بعض زواياه. كما هو واضح اليوم يمحو كورونا الحدود الحضارية من خلال طريقة التعامل ومواجهة الوباء المفاجئ، فلم يعد العقل من سمات الغرب والقلب والعواطف من خصائص الشرق بحسب المستشرقين، كما لم يعد الحديث عن عقل غربي وآخر عربي أو عقل مسلم فعالاً في ضجيج الأزمة الراهنة، فما يجمعنا في هذه المرحلة التاريخية عقل واحد؛ هو عقل خائف! يخاف من الموت ومن عقاب الدولة، يظهر ذلك جليا من خلال إجراءات العزل المتبعة والتسابق المحموم لاكتشاف لقاح يقضي على كورونا و"ينقذ البشرية"، في سياق ذلك يتطور العقل التجاري أو ما يمكن تسميته العقل الرأسمالي الذي أنتج أسباب ما نعانيه حالياً، وسينتج ما سنعاني منه لاحقاً.

الشرق كما روجه الغرب ليس الشرق نفسه، إنما هو شرق أنتجه الفكر الاستشراقي على صورته "ملائما للثقافة السائدة الطاغية" وهي "الثقافة البرجوازية المسيطرة" كما يوضح مهدي عامل في نقده لاستشراق إدوارد سعيد، إذ يبدو أن هذه المقولة الاستشراقية قد سقطت بفعل كورونا "العدو الخفي".

 

الفيروس ليس حياديا لكنه انتقائي!

برأي المفكر الأميركي نعوم تشومسكي، فإن الأزمة الراهنة هي أزمة حضارية، ووصف تشومسكي الغرب في هذه المرحلة بأنه مدمر في حديث يحذر فيه من "ما بعد كورونا" والتداعيات الاقتصادية الاجتماعية على البشرية، في مقابلة بثها DiEM25 TV.

يتعامل "العقل الغربي" مع الوباء كما يتعامل "العقل العربي" بخوف وهلع، دون أن ينسى التفكير بطريقة نفعية لاستثمار الوباء وهو ما سيظهر في المرحلة اللاحقة، هنا لم يعد تكوين العقل وبنيته أساسيا للخروج من المعضلة، في حين أصبحت أداة العقلين واحدة. التمايز بين العقلين كما طرح كثير من الباحثين والمفكرين تنمحي حدوده وربما تسقط مقولاته. ماذا تضيف الثقافة الغربية في موضوع الوباء عن الثقافة العربية؟ حين يضعف العلم -كما في الأزمات- يتوهج الدين في العالم.

الإجراءات العالمية لمكافحة كورونا التي ركزت على العزل الاجتماعي والإغلاق الاقتصادي، ستضع شريحة واسعة عمرية وطبقية أمام سؤال يقول كيف يمكن أن يبقى الفقراء والمرضى والكبار في السن أحياء؟ الأثرياء وأصحاب المدخرات المالية وبعض من لم تتوقف أعمالهم غادروا إلى مناطق ريفية أو جزر معزولة هربا من فيروس كورونا، أو التزموا منازلهم مستفيدين من الخدمات والإمكانات التي توفرها شبكة الإنترنت للعمل، في حين أن الهروب ليس خيارا متاحا أما طبقة واسعة وشريحة عمرية كبيرة في العالم وخاصة في أوروبا ودول تشهد صراعات عسكرية، وهو ما يجعل الفيروس انتقائيا في تحديد ضحاياه لإخراجهم من سياق الحياة. يعزز هذه الرؤية مناصرو نظرية مناعة القطيع التي لا تنفصل عن سياقها الاقتصادي والاجتماعي، فالعلم ليس حيادياً أو مستقلا وأعني بذلك المؤسسات التي تنتجه. فبدلا من تحصين المجتمع من الأمراض والفيروسات لنترك الناس تموت والأقوى سيبقى ليشهد المرحلة القادمة!. وكأن التاتشرية عادت إلى الحياة على يد رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون الذي أصابه الفيروس بعد تصريحات أقل ما يمكن وصفها بالمرعبة، في حين لم تر دول أخرى مثل ألمانيا -التي لا يحكمها المحافظون- أن مناعة القطيع هي حل لوقف تفشي وباء كورونا.

 

القرية لم تكن صغيرة

يَجمع الناس في "القرية الصغيرة" -كما روج لها رواد العولمة- موت واحد في مرحلة كورونا، في حين فشلت العولمة في فرض نظام سياسي واقتصادي واجتماعي ومعرفي متماثل في هذه القرية، فما يوجد في "الحارة" السورية على سبيل المثال لا وجود له في "الحارة" الفرنسية أو في الشارع الألماني.. العولمة في جانبها الاقتصادي اختارت بلدانا دون غيرها للاستثمار، لذلك لم تكن تستهدف العالم أجمع، كما لم تبلور ثقافة عالمية تتجاوز التراثات الثقافية المحلية والوطنية وتعبر القارات مثلما فعل رأس المال. فرغم كون فيروس كورنا منتجا طبيعيا إلا في حال أثبتت التحقيقات العكس، ربما نحتاج لدراسته وفهمه كـ"ظاهرة اجتماعية" ترتبط بشكل مباشر بالنظام العالمي، في وقت يسرع فيه الفلاسفة والمفكرون لمحاولة بناء هيكل متخيل للعالم ولطبيعة العلاقات الناظمة له بعد القضاء على فيروس كورونا أو انحساره، اعتمادا على الواقع، الذي يوضح أن العالم لم يكن يوما قرية صغيرة بل سجنا بلا حدود تحكمه أقلية.

كلمات مفتاحية