كورونا.. الهشاشة والتعاون والإنفاق العسكري

2020.04.09 | 00:02 دمشق

2020-04-08t171744z_906518238_rc2h0g90ltf6_rtrmadp_3_health-coronavirus-usa-new-york.jpg
+A
حجم الخط
-A

ألزم فيروس كورونا كثيرين بارتداء القناع الطبي أو الكمامة خوفا من انتقال العدوى، لكنه في ذات الوقت رفع القناع عن الكثير من الأمور التي كان ينظر إليها على أنها مسلمات أو كيانات كان ينظر إليها على أنها كيانات قوية إلا أنها في الواقع كانت أكثر هشاشة من المتصور عنها.

هشاشة الاتحاد الأوروبي

وأول هذه الكيانات هو الاتحاد الأوروبي حيث كشفت الأزمة مدى الهشاشة وعدم التماسك بين دوله، وفي الحقيقة حتى نتجنب عدم الدقة فقد كانت هناك عوامل خلاف كبيرة داخل الاتحاد وأحد قصصها قصة بريكست، والخلاف بين إيطاليا وفرنسا حول ليبيا، وبين فرنسا وألمانيا على الزعامة في أوروبا، وغيرها. ولكن أزمة كورونا فضحت هذا العالم الليبرالي الذي عجزت دوله عن التضامن فيما بينها وهذه رسالة إلى شعوب منطقتنا التي كانت تأمل أن تتضامن معها دول الاتحاد الأوروبي، وبدلا من ذلك رأينا هذه الدول تستولي على شحنات المواد الطبية القادمة لجيرانها، وعلى سبيل المثال استولت دولة التشيك على شحنة من المعدات الطبية أرسلتها الصين إلى إيطاليا. كما قامت إيطاليا بالاستيلاء على شحنة قادمة لتونس. وبينما تعتبر إيطاليا أكثر الدول الأوروبية تأثرا بفيروس كورونا مع أكثر من 137 ألف حالة مصابة، وأكثر من 17 ألف حالة وفاة شعر الإيطاليون بتخلي حلفائهم وجيرانهم الأوروبيين عنهم، وردا على هذا الأمر قام العديد منهم بإحراق علم الاتحاد الأوروبي في إشارة رمزية على الشعور بالترك وعدم التضامن، ولم يقتصر الأمر على مواطنين عاديين بل قام مسؤولون رسميون بأعمال مشابهة للتعبير عن الاستياء.

ربما يشهد العالم استعراضات صحية بدلا من الاستعراضات العسكرية

وقد حذر رئيس الوزراء الإيطالي جوسيبي كونتي الاتحاد الأوروبي من أنه "قد يفقد سبب وجوده" في حال ارتكابه "خيارات مأساوية" في مكافحة فيروس كورونا، وتنبأ بحالة كساد غير متوقعة قد تغرق أوروبا. ولكن على الرغم من كل التصريحات وسط الأزمة سوف يبقى الاتحاد الأوروبي في المدى القريب من خلال العمل على محاولات علاجية وتضامنية خاصة في الجانب الاقتصادي، فإن الفيروس سيقوي عوامل تفكك الاتحاد التي تتصارع من عوامل ترابطه.

العالم لا يريد أن يتعاون

لا يهدد وباء كورونا إيطاليا أو الولايات المتحدة أو إسبانيا أو دولا أو أعراقا بعينها، فالعدوى لاتحابي أحدا، وكان من المفترض أن تتحد دول العالم في مواجهة الفيروس الذي يعتبر تهديدا عالميا، لكن بدلا من ذلك رفع الفيروس مستوى التنافس بين الدول، وحاولت كثير من الدول استغلال قضية الفيروس في صراعاتها القديمة القائمة وليس هناك مثال أفضل من الحرب الباردة الأمريكية الصينية حاليا، وتعتبر أحد تجليات هذا الخلاف إعلان ترامب أنه يدرس "تعليق" المساهمة المالية الأميركية  (120 مليون دولار سنويا) في منظمة الصحة العالمية بعد ما وصفه بـ"فشلها" في دق ناقوس الخطر حول فيروس كورونا المستجد، في وقت أبكر. وكان ترامب قد غرد على تويتر قائلا إن "منظمة الصحة العالمية أفسدت الأمر حقا، لسبب ما ورغم التمويل الأميركي الكبير لها، ما زالت تركز كثيرا على الصين، سننظر في هذا الأمر جيدا".

وعدا الحرب الأمريكية الصينية، هناك المعركة مع إيران، والمعركة المستمرة بين الحوثيين والسعودية، وهجوم حفتر المستمر على طرابلس، والحصار على قطر، وغيرها وكلها صراعات لم تستطع أطرافها أن تقرر استغلال تفشي الوباء لإيقافها.

القوة ليست في المجال العسكري فحسب

حسب التقرير السنوي لموقع غلوبال فاير باور احتفظت الولايات المتحدة بالمرتبة الأولى في ميزانيات الإنفاق العسكري خلال العام الجاري 2019، متقدمة بفارق كبير على بقية دول العالم، حيث وصلت موازنتها العسكرية لهذا العام إلى 716 مليار دولار.

وحلت الصين ثانيا على مستوى ميزانيات الدفاع العسكري لهذا العام، حيث وصلت موازنتها العسكرية إلى 224 مليار دولار، بينما حلت السعودية في المرتبة الثالثة بموازنة بلغت 70 مليار دولار. ولو نظرنا إلى قائمة أكثر الدول إنفاقا في المجال العسكري سنجد الهند، وألمانيا وبريطانيا وروسيا وفرنسا.

ولعل هذه الدول أيضا من أكثر الدول إنفاقا في المجال الصحي وعلى رأسها الولايات المتحدة لكن ظهرت هناك مشاهد لا تنسجم مع هذا الأمر ففي الولايات المتحدة كانت الممرضات في مستشفى بمانهاتن يرتدين أكياس القمامة لعدم توفر ملابس الحماية، فضلا عن نقص الكمامات الطبية حيث تبين وجود نقص استراتيجي في هذه المواد، وحسب بعض التقارير الواردة فإن شركات الأدوية والتأمين هي من تحصل على نسب كبيرة من ميزانيات هذه الدول.

سيركز المواطنون والدول على ميزانيات الصحة وبشكل مفصل لاحقا وعلى التدابير الصحية وربما يشهد العالم استعراضات صحية بدلا من الاستعراضات العسكرية، ويقف قادة العالم وزعماؤه في منصات أمام الإسعافات المتطورة وغرف العزل التي تدار عن بعد.

بالتأكيد هناك أمور كثيرة كشف عنها هذا الفيروس الصغير الحجم وأهمها قصور النيوليبرالية والتي كانت متراجعة بالأصل وربما كما

ذكر بعض الباحثين إعلان مقتلها ولكن هذا لا يعني بأي حال من الأحوال نجاح الدكتاتورية حتى لو تجاوزت بعض أنظمتها المعركة مع الفيروس.

كلمات مفتاحية