كليتشدار أوغلو – أوزداغ: "الكوميديا الإلهية"!

2023.05.26 | 17:15 دمشق

آخر تحديث: 26.05.2023 | 17:15 دمشق

كيليشدار أوغلو – أوزداغ: "الكوميديا الإلهية"!
+A
حجم الخط
-A

قرر أوميت أوزداغ رئيس حزب النصر القومي دعم زعيم المعارضة كمال كليتشدار أوغلو في الجولة الثانية للانتخابات الرئاسية التركية. قبل عام كان يردد بأن وصول كليتشدار أوغلو إلى الرئاسة "يفتح الأبواب أمام حرب أهلية في تركيا"، وهو ما دفع المتحدث باسم وزارة الداخلية التركية للإعلان أن الوزارة سترفع دعوى قضائية ضد أوزداغ بسبب تصريحاته هذه.

قرار أوزداغ يأتي بعد نقلة استراتيجية نفذها زعيم المعارضة التركية كليتشدار أوغلو باتجاه توسيع دائرة بيكار تحالفاته السياسية والحزبية، وقبل أيام من ذهاب الناخب التركي للتصويت في جولة الإعادة للانتخابات الرئاسية. وبهذا يكون حزب الشعوب الديمقراطية قد استرد زمام المبادرة والإمساك ببيضة القبان ليكون هو مقرر مصير كليتشدار أوغلو، قبل أن يعلن ذلك منافسه الرئيس رجب طيب أردوغان مساء الأحد المقبل. قيادات "الشعوب" لم تخيب آمال حزب الشعب وتتخلى عن كليتشدار أوغلو رغم انضمام أوميت أوزداغ اليميني القومي المتشدد إلى صفوف الداعمين له. فالرئيسة المشاركة للحزب برفين بودان أعلنت ظهر الخميس أن حزبها سيدعم مرشح المعارضة، كما فعل في الجولة الأولى "لإزاحة حكم الرجل الواحد" حسبما ذكرت. خطورة أن يفقد كليتشدار أوغلو مخزون البرغل في البيت وهو في الطريق لحصاد الأرز في دمياط، كما يقول المثل الشعبي التركي، موجودة حتما. لكن المعارضة ما زالت تعول على أن فوز كليتشدار أوغلو في مواجهة الإعادة قد يقربه أكثر من "العز للرز والبرغل شنق حاله".

سنعرف مساء الأحد المقبل من الذي سيحقق أحلام مناصريه، لكنها لن تكون مشابهة لما دار في ذهن أليغيري، لأن هناك من سيحاول مواصلة نقل الحطب إلى جهنم وسط كل هذا الشحن والتعبئة السياسية والحزبية

يبدل كليتشدار أوغلو قراراته بين الساعة والأخرى من أجل الفوز في معركة الرئاسة التركية. لو كان هناك جولة ثالثة لكان بحث عن وسيلة لكسب صوت المجنسين العرب في تركيا حتى ولو كان اللاجىء السوري ورقته الانتخابية الأولى التي يلعبها هذه المرة. الغاية تبرر الوسيلة كما يقول مكيافيللي. لكن حليفه الجديد أوميت أوزداغ يذكر أكثر بملحمة دانتي أليغييري الكوميديا الإلهية بعدما كثر الحديث قبل أيام من الذهاب إلى صناديق جولة الإعادة في الانتخابات الرئاسية، عن إغلاق أبواب جهنم أو نقل الحطب إليها على خط التحالفات والاصطفافات السياسية والحزبية الجديدة. خط جهنم والمعبر المطهر قبل الانتقال إلى الجنة السياسية هو ما تعول عليه المعارضة التركية. سنعرف مساء الأحد المقبل من الذي سيحقق أحلام مناصريه، لكنها لن تكون مشابهة لما دار في ذهن أليغيري، لأن هناك من سيحاول مواصلة نقل الحطب إلى جهنم وسط كل هذا الشحن والتعبئة السياسية والحزبية.

حاول كليتشدار أوغلو أن يصل إلى ما يريد من خلال تحالف الأمة والطاولة السداسية فخاب أمله. ذهب يغازل "الصوت الكردي" فلم يتمكن من الفوز في الجولة الأولى لانتخابات الرئاسة. فهل يجد ضالته عند رئيس حزب النصر أوميت أوزداغ؟ ساعات ونعرف إذا ما كان كليتشدار أوغلو قد نجح في مهمة مستحيلة تقوم على الجمع بين أصوات أحزاب الطاولة السداسية وأصوات حزب الشعوب الديمقراطية ثم أصوات حزب النصر الذي يقوده أوزداغ في صندوق انتخابي واحد.

يدافع أوزداغ في الساعات الأخيرة أمام الشاشات التي كانت تستبعده لسنوات، عن اتفاقه مع كليتشدار أوغلو لكنه يدافع أكثر عن مواقفه وسياساته. بين ما يريده أوزداغ عند جلوسه أمام طاولة القرار السياسي في حال فوز كليتشدار أوغلو بالرئاسة، أن يلزمه بمراجعة الاتفاقيات الموقعة بين أنقرة وبروكسل قبل 8 أعوام حول موضوع اللجوء والهجرة لأنها خدمت الطرف الأوروبي أكثر من إعطاء تركيا ما تريد كما يقول. لكنه يريد أيضا تجميد مشاركة تركيا في اتفاقية أوتاوا لنزع الألغام وحظرها وهي الاتفاقية التي صدّقت عليها أنقرة ودخلت حيز التنفيذ عام 2004. والهدف هنا هو تجاوز كل جهود وخطط حكومة العدالة والتنمية وما تعلنه حول أن أمن حدودها يتم عبر أبراج كهروضوئية، وكاميرات حرارية، وأنظمة إضاءة، وأسلاك شائكة، وأدوات تكنولوجية حديثة، وطائرات بلا طيار، وجدران خرسانية. فما هو رأي حلفاء الطاولة السداسية الذين قبلوا انضمام أوزداغ إليهم، في طرح تجميد تركيا لمشاركتها بتنفيذ بنود هذه الاتفاقية؟

هو يقول أيضا إن خطوته الأولى ستكون تأمين عودة المقيم داخل الأراضي التركية بطريقة غير شرعية. ثم تسهيل إعادة مئات الآلاف من السوريين القادمين من مناطق نفوذ النظام. وبعدها تأتي خطوة إعادة مئات الآلاف إلى مناطق شمال سوريا. المطلوب من أجل كل ذلك التفاهم السياسي والأمني السريع مع النظام في دمشق. يتحدث عن ضرورة عرقلة مخطط بناء "بيشاور" جديدة على الحدود التركية الجنوبية. ويرفض خطط تشييد المساكن داخل الأراضي السورية من دون موافقة الدولة هناك. التفاهم مع الأسد هو وسيلة الحل الوحيدة للتخلص من الجهاديين في إدلب الذي سيشكلون خطرا أمنيا كبيرا على تركيا كما يرى أيضا. يضيف أن تركيا تتحمل سنويا 30 مليار دولار أعباء الملف السوري في الداخل والخارج. 180 مليارا أنفقت حتى الآن. الإقامة المؤقتة تنتهي عند انتهاء أسباب منحها. الحل هو بالمصالحة والتفاهم مع النظام في دمشق. "لو لم يتحرك حزب النصر لكنا في تركيا نناقش مسألة سبل إبقاء اللاجئين بدلا من البحث في أسباب تسهيل عودتهم". هي كلها رسائل سياسية واجتماعية واقتصادية يوجهها أوزداغ إلى حلفائه الجدد لكنها تنتظر مواقف وسياسات واضحة من قيادات حزب العدالة والتنمية في حال انتخاب أردوغان من جديد.

هناك 3 نصوص تعهد كليتشدار أوغلو بتنفيذها وهي متضاربة متناقضة في الكثير من موادها فكيف سيجمع بين كل ذلك وأي التزام سينفذ؟ ما قاله لشركاء الطاولة السداسية؟ أم ما قدمه من وعود لقيادات حزب الشعوب الديمقراطية؟ أم نص البروتوكول الذي وقعه مع أوميت أوزداغ قبل أيام؟

يفرح اللاجىء السوري أن أوزداغ ليس في البرلمان التركي هو وحزبه. لكنه يقلق لإحتمال فوز كليتشدار أوغلو وتنفيذ وعده بإشراك زعيم حزب النصر في الحكومة التي سيشكلها عند فوزه

يحاول كليتشدار أوغلو الرقص فوق أكثر من حبل على حلبة السيرك السياسي الذي أعده منذ أشهر: إقناع قيادات الطاولة بقبول ودعم ما يقول ويفعل، وكسب المزيد من الأصوات عبر التفاهم مع أوزداغ، وإبقاء "الصوت الكردي" إلى جانبه في الجولة الثانية لمعركة الرئاسة، والتواصل مع محرم إنجة لإقناعه بتغيير موقفه وقبول دعمه، ثم إقناع قواعده الحزبية أن ما يقوم به هو من أجل الحزب ووصوله إلى السلطة في النهاية. يفرح اللاجىء السوري أن أوزداغ ليس في البرلمان التركي هو وحزبه. لكنه يقلق لاحتمال فوز كليتشدار أوغلو وتنفيذ وعده بإشراك زعيم حزب النصر في الحكومة التي سيشكلها عند فوزه واحتمال تسليمه وزارة الداخلية الأكثر احتكاكا بملف اللجوء، قبل الحل السياسي في سوريا.

سنكون صباح الإثنين أمام خارطة مشهد سياسي وحزبي جديد في تركيا وهي ستحمل الكثير من المتغيرات والمفاجآت من خلال إزاحة العديد من الأسماء والشخصيات وإبعاد غالبية الأحزاب الصغيرة عن الساحة. من الصعب على سنان أوغان مرشح الرئاسة الثالث وبعد قرار الوقوف إلى جانب الرئيس أردوغان في المعركة الرئاسية، قيادة الجبهة القومية في تركيا كما كان حلمه قبل أيام. فهناك عقبة دولت بهشلي وميرال أكشينار. لكنه قد يكون سياسيا الفائز من خلال قراره هذا لأن حليفه الأسبق أوميت أوزداغ قد يبقى في ثبات أحلامه التي أشرك كمال كليتشدار أوغلو بها.