كتاب خط في الرمال.. من جنى على العرب الإنكليز أم الفرنسيون؟

2020.04.17 | 07:24 دمشق

kht_alrmal.jpg
+A
حجم الخط
-A

يقر كتاب "خط في الرمال.. بريطانيا وفرنسا والصراع الذي شكل الشرق الأوسط " للكاتب البريطاني جيمس بار، يقرُّ أن الإنكليز كانوا يعطون الوعود والعهود المتناقضة لثلاثة أطراف في ذات الفترة تقريباً.. 

ملك عربي مقابل للخليفة العثماني

للعرب عبر مراسلات الشريف حسين مكماهون، عام 1915، والتي وعدوا فيها الشريف باستقلال المنطقة العربية التي تقع في قارة آسيا من جبال طوروس وإقليم كيليكيا في الشمال حتى بحر العرب في الجنوب، تحت حكمه، مقابل تأييده لهم في الحرب العالمية الأولى، وكسر شوكة الخليفة العثماني، الذي كان البريطانيون يخافون من إعلانه الجهاد وتأثر المسلمين بذلك، خصوصاً في الهند، لذلك وجدوا ضالتهم في الشريف حسين، كي يعلن الجهاد ضد الخليفة العثماني تحت مظلة الإنكليز، وبالتالي يتم تشتيت المسلمين عبر إعلانين متضادين للجهاد. لم يكذب الشريف حسين خبراً وأعلن الجهاد ضد العثمانين، في بدايات الحرب العالمية الأولى وأيده في ذلك الكثير من القوميين العرب، فقد كانت حاجة الإنكليز لهذا الشيخ العربي كبيرة، رغم أنهم لم يكونوا يريدون إزالة الدولة العثمانية، فأن تبقى ضعيفة يتحكمون فيها كيفما يريدون، خير من تكلفة إزالتها.. كيف لا وهم الذين قاتلوا الروس في حرب القرم التي شنوها ضد العثمانيين عام 1853، وبالتالي انتصر العثمانيون، ولكن العثمانيين تحالفوا في الحرب العالمية الأولى مع الألمان، الذين وقعوا معهم سابقاً الكثير من الاتفاقيات منها خط سكة حديد الحجاز، وكان إلى جانب هاتين الدولتين إمبراطورية النمسا، هذا التحالف الثلاثي سمي تحالف دول المركز، مقابل دول الحلفاء، التي هي بريطانيا وفرنسا وروسيا، قبل أن تنسحب الأخيرة من كل الحرب، عقب قيام الثورة البلشفية فيها عام 1917، وهي التي سربت أخبار اتفاقية سايكس بيكو.

وعودٌ للفرنسين واليهود على حساب العرب

هكذا ..لم يطل الوقت كثيراً على الوعود التي قطعها الإنكليز للشريف حسين، حتى بدؤوا يتنصلون منها رويداً رويداً، عبر الاتفاقية السرية: سايكس بيكو التي سميت باسم الدبلوماسيين البريطاني مارك سايكس والفرنسي جورج بيكو اللذين أشرفا على إعدادها، وهي التي يعتبر العرب أنفسهم ضحيتها، وأنها سببٌ لتقسيم المنطقة العربية الواقعة في آسيا كمناطق نفوذ بين الإنكليز والفرنسيين، ومن ثم تثبيت هذه الحدود إلى يومنا هذا، فقد قسم الإنكليز والفرنسيون المنطقة، بكل أريحية وكأنهم يرسمون خطوطاً في الرمال.

الوعد الثالث الذي قدمه الإنكليز هو وعد بلفور، الذي قدمه وزير خارجية بريطانيا آرثر بلفور عام 1917 إلى ليونيل دي روتشيلد أحد كبار التجار اليهود وعضو المجلس الصهيوني البريطاني بإقامة وطن قومي لليهود على أرض فلسطين، رغم أن فلسطين كانت في اتفاقية سايكس بيكو منطقة خاضعة للنفوذ الدولي.

الإنكليز جيدون عكس الفرنسيين!

بالعودة إلى الكتاب صحيح أنه يقر أن الإنكليز كانوا يخدعون الجميع، ولكنهم كانوا جيدين!، والسيئون هم الفرنسيون، حسبما يصور الكاتب، فهم الذين راودوا مارك سايكس حتى يتنصل من الوعود التي قطعتها حكومته عبر المندوب السامي البريطاني في مصر السير هنري مكماهون، وهم أي الإنكليز ظلوا دائماً إلى جانب العرب، وحقهم بإقامة دولتهم، بينما وصف الدبلوماسي الفرنسي جورج بيكو العرب بالقبائل المتنازعة الذين لا يمكن أن تقوم لهم دولة!.

والعرب كلهم - حسب رأيه- يفضلون البريطانيين على الفرنسيين الملاحدة، الذين يطمحون لاستعادة أدوار وأماكن نفوذ الصليبيين، وفي ثنايا كتابه يذم كثيراً بالشخصيات الفرنسية ومنهم رئيس حكومة فرنسا الحرة في المنفى، شارل ديغو، حيث عنون جيمس بار أحد فصول الكتاب التي تتكلم عن دو غول بـ " عنيد بالكامل ووقح".

توماس إدوارد لورانس الذي عرف لاحقاً بلورانس العرب، حسب الكاتب هو شخصية طيبة وقريبة من الناس، فهو عالم آثار عاش فترة من حياته في وادي الأردن ولبنان، وكان يعيش بين العرب الحضر منهم والبد حتى أتقن لهجاتهم، وعرف طباعهم، على عكس الدبلوماسي الفرنسي المتعالي جورج بيكو الذي كان يشمئز من حلب، التي لم يجد فيها لحماً طرياً يصلح للأكل، وفقاً لما قاله جيمس بار.

الإنكليز دعموا الثورات العربيةّ!

كان لورانس العرب مدافعاً صلباً عن العرب وحقوقهم في كل المحافل الدولية، وخصوصاً مؤتمر باريس الذي أعقب انتهاء الحرب العالمية الأولى، والكتاب يصور أن كل ما قام به الإنكليز من نكث للعهود مع العرب إنما قاموا بذلك مكرهين، ويتكلم كثيراً عن دعمهم للعرب سواء في سوريا، عبر دعم الثورة السورية الكبرى وقائدها سلطان باشا الأطرش، وإقامة معسكر تدريب لجنوده في شمال فلسطين، أومن ثم محاولتهم الدفاع عن الأمير فيصل بن الحسين، أمام الجنرال الفرنسي الصليبي هنري غورو.

فضلاً عن إصرار الإنكليز على تسليم فيصل حكم العراق، ثم بعد ذلك إقامة إمارة شرقي الأردن لأخيه عبد الله من أجل حماية الدولة اليهودية التي ستنشأ فيما بعد، كما قال الكاتب.

تبرؤ من الجناية

جيمس بار المؤلف البريطاني لعدد من الأعمال التاريخية حول الشرق الأوسط ، في كتابه الذي يتكلم عن الفترة الممتدة من بداية الحرب العالمية الأولى حتى نكبة فلسطين عام ثمانية وأربعين من القرن الماضي، كأنه يحاول أن يبرئ الإنكليز مما جنوه على العرب، واتهام الفرنسيين بذلك، فهو يرى أن بني قومه و رغم إعطائهم وعداً لليهود بإقامة وطن قومي لهم، إلا أنهم كانوا حريصين على حقوق كل مكونات فلسطين بالتساوي، ومن ثم بعد الثورة العربية في فلسطين بين عامي 1936 و1939، أصدرت لجنة بيل قراراً بمنع الهجرة اليهودية إلى فلسطين، وكانت بريطانيا العدو الأكبر للعصابات الصهيونية الإرهابية الشتيرن والأراغان، التي لم تكن فقط تستهدف العرب، بل حتى اغتالت عام ستة وأربعين وزير الدولة البريطاني في الشرق الأوسط اللورد موين إضافة إلى عشرات الضباط الإنكليز في تفجير فندق الملك داوود الذي كان مقراً لسلطات الانتداب الإنكليزي، في حين كانت فرنسا تقدم الدعم لهذه العصابات، حسبما يقول الكاتب.

وبعد هذه العملية أصبحت باريس هي المكان الذي تخطط فيه العصابات الصهيونية لعملياتها الإرهابية، سواء في فلسطين أو حتى خارجها بما في ذلك استهداف الشخصيات البريطانية، وكانت فرنسا هي الدولة التي يجتمع فيها اليهود من أجل نقلهم إلى فلسطين عبر ميناء مرسليا البحري.

الشريف وأبناؤه موظفون عند الإنكليز

لا يذكر المؤلف أية شكاية أو امتعاض من قبل الشريف حسين وأبنائه على تنصل الإمبراطورية التي لا تغيب عنها من عودها، موضحاً أنَّ السبب هو أنهم كانوا يتقاضون راتباً من الإنكليز. لا بد من الإشارة إلى أنه لا بد أن يكون لهذا الكتاب نسخة مقابلة من كاتب فرنسي، يوضح الرؤية الفرنسية لما جرى في القرن الماضي، والذي ما زال العرب يتجرعون ويلاته إلى الآن. فكل ماجرى من مكائد ومؤامرات حتى بين الحلفاء أنفسهم، كانت السياسة ميدانه الأول.. سياسة في المفهوم الحديث هي فن الممكن، والأمهر فيها هو من يحقق مكاسب أكبر لأمته بمعزل عن الأخلاق، فالغاية دائماً تبرر الوسيلة حسب المفهوم الميكيافيلي.

بالختام فإن الترجمة الصادرة عن دار الحكمة في لندن لم ترتقِ لمستوى هذا المؤلَّف الثري، فسعد الله الجابري هو سعد الله الجبري، وشرقي الأردن هو ترانس الأردن، وغيرها العديد من الأخطاء، التي تسيء لأهمية الكتاب.