قيصر ونظام الأسد: الانتقال أو الاختناق

2020.06.16 | 00:01 دمشق

hswn18_0.jpg
+A
حجم الخط
-A

يجادل كثيرون في أنّ العقوبات لم تغيّر يوماً من سلوك الأنظمة حتى وإن كانت الولايات المتّحدة هي من يطبّقها، وأنّ نسبة نجاحها إلى الحالات التي تمّ تطبيقها فيها تعدّ منخفضة للغاية. واستنادا إلى هذه المقدّمة، يستنتج البعض أنّ قانون قيصر لن يقدّم أو يؤخّر شيئاً فيما يتعلق بدفع النظام إلى إحداث تغيير جوهري في البلاد، وأنّ المتضرّر الوحيد سيكون المواطن السوري فقط لا غير. في حقيقة الأمر، هناك من بدأ يروّج أنّ سبب معاناة السوريين الاقتصادية هي هذا القانون، بالرغم من أنّه لم يُطبّق بعد!

يتجاهل هذا الاستنتاج أنّ قانون قيصر هو أداة وليس غاية وأنّه يأتي في ظروف صعبة جداً بالنسبة إلى نظام الأسد سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، وأنّ السوريين عانوا لعقود طويلة من هذا النظام ويعانون منه بشكل رهيب دون أن يكون القيصر أو قانونه في المعادلة أًولاً، وأنّه ما لم يتم تغيير النظام، فإنّ معاناة السوريين ستفوق المعاناة المحتملة التي قد تنجم عن أي أضرار جانبية ناجمة عن أي عقوبات على النظام.

أمّا في التفاصيل، فقانون قيصر لا يستهدف المدنيين السوريين ولا تعاملاتهم، وإنما النظام والمتعاملين معه وعلى رأسهم روسيا وإيران وأي فرد أو جهة تساعد النظام على أن يعزز من قدرته على قمع الشعب السوري في أي مكان في العالم. كما يُثبّط القانون من عزيمة أي جهة تحاول التطبيع مع نظام الأسد، أو شرعنته، أو استغلال الوضع من أجل إطلاق عملية إعادة إعمار تثبّت أركانه، وذلك من خلال فرض عقوبات اقتصادية ومالية قاسية وفعّالة.

لفترة من الزمن، اعتمد نظام الأسد على الدعم الروسي – الإيراني الاقتصادي والمالي، واعتمد كذلك على لبنان الذي يسيطر عليه حزب الله كبوابة خلفية له

لفترة من الزمن، اعتمد نظام الأسد على الدعم الروسي – الإيراني الاقتصادي والمالي، واعتمد كذلك على لبنان الذي يسيطر عليه حزب الله كبوابة خلفية له. لكنّ هذه الأطراف لم تعد قادرة على التمويل. نظام الأسد يعاني اقتصادياً منذ مدّة، ومع تدهور أسعار النفط مؤخراً إلى مستوى غير مسبوق، فقدت روسيا قدرتها على الإنفاق الخارجي وأصبحت مهتمّة بتحصيل ما يترتب على النظام من ديون لها وذلك على شكل عقود اقتصادية وصفقات تملُّك مجانيّة لمنشآت ومرافق حيوية لعقود طويلة من الزمن.

أمّا بالنسبة إلى إيران، فبفضل حملة "الضغط القصوى" الأميركية التي طبّقها ترامب، فإنّ طهران بالكاد تجد من الدولارات ما يكفيها، ولذلك لم تعد قادرة على دعم وكلائها الإقليميين بالشكل الذي كان قائماً ويشمل ذلك بطبيعة الحال حزب الله والأسد. وفيما يتعلق بلبنان، فالبلد انهار مالياً واقتصادياً، وقد أدى ذلك أيضاً إلى خسارة نظام الأسد رئته الاقتصادية إلى العالم الخارجي وإلى تدهور أسعار سعر صرف العملة المحليّة في البلدين.

الغاية الأساسية من قانون قيصر هي رفع التكاليف إلى درجة لا تطاق ليس على النظام فقط بل على داعميه أيضاً. فإذا رغبت إيران في خوض هذا الاختبار ربما لا تكون روسيا مستعدة له، ففي نهاية المطاف، موسكو في سوريا للاستفادة من الوضع وليس لدفع تكاليفه. وعليه، فإنّ القانون قد يُعمّق في مكان ما من الفجوة في المواقف بين الأسد وروسيا وإيران، كما أنّه سيزيد من التناقضات في المصالح ومن الشكوك بين هذه الأطراف من إمكانية ذهاب أحدهم إلى تسوية دون إطلاع الطرف الآخر.

القانون قد يُعمّق في مكان ما من الفجوة في المواقف بين الأسد وروسيا وإيران، كما أنّه سيزيد من التناقضات في المصالح ومن الشكوك بين هذه الأطراف من إمكانية ذهاب أحدهم إلى تسوية دون إطلاع الطرف الآخر.

في هذه الظروف، فإنّ قانون قيصر يعتبر إحدى أهم أدوات الضغط الممكنة على النظام وحلفائه روسيا وإيران. وبالرغم من القوّة التي يمتلكها، فإنّه يَبقى منفتحاً على تسوية لكي يترك لنظام الأسد مخرجاً إذا ما أراد الخروج من الأزمة.  أمّا شكل هذه التسوية وعناصرها ومخرجاتها فهي أمور لم يتم التطرق إليها بعد، لكن من المتوقّع أن تتعلق بالوجود الإيراني وتوابعه في سوريا.

وإذا ما استبعدنا أي تسوية، فإنّ الخيار الوحيد الذي سيكون مُتاحاً أمام نظام الأسد حينها، إمّا أن يُسهّل بنفسه عملية انتقال سياسي في البلاد وفقا لقرارات الأمم المتّحدة واتفاق جنيف وتنتهي بإخراجه من السلطة، وإمّا أنّ يتم خنق النظام اقتصادياً حتى الانهيار التام.

وفي السيناريو الأخير، فإنّ حلفاء النظام لن يستطيعوا مساعدته في وضعهم المالي الحالي، ولذلك فإذا قرر نظام الأسد أن يرفض الانتقال السياسي فهذا معناه أنّه يريد أن يراهن على الوقت على أمل أن يتم تغيير الرئيس الأميركي ترامب مع نهاية العام، أو أن يتم التوصل إلى صفقة أميركية- إيرانية تتيح لطهران أن تستعيد قدراتها المالية. لكن، في نهاية المطاف، لا أحد يستطيع أن يضمن للأسد بأنّ هذا المسلك أو الطريق سيُنجّيه هذه المرة.