قوة روسيا.. واقع أم وهم!

2022.04.26 | 05:23 دمشق

2022-02-25t124723z_511788916_rc2yqs9dntbj_rtrmadp_3_ukraine-crisis-fighting.jpg
+A
حجم الخط
-A

استطاعت الحرب الروسية في أوكرانيا أن تفرض واقعاً جديداً على المستوى الدولي، وأن تفرز تحالفات وإرهاصات يمكن لها أن ترسم تضاريس الاستراتيجيات الدولية للعقد المقبل، هذه الاستراتيجية التي تحدث عنها كثيرون ما بعد انتهاء الحرب الباردة ولم تتحدد معالمها بشكل حاسم وواضح بعد، والتي يمكن لها أن تعيد تشكيل الكثير من التوازنات والمصالح الدولية.

لم تضع هذه الحرب أوزارها بعد، وسترتسم الاستراتيجيات بشكل أوضح بناء على نتائجها، وتطرح هذه الحرب ومسارها مجموعة من الأسئلة المهمة، وأحد تلك الأسئلة يتعلق بقوة روسيا الحقيقية، السياسية والعسكرية في هذا العالم، وما هو الواقعي وما هو الوهمي في هذه القوة.

في حرب أفغانستان التي استمرت عشر سنوات ونيّفاً، تكبّد جيش الاتحاد السوفياتي خسائر كبيرة، وسقط للروس نحو 15 ألف قتيل وعشرات آلاف الجرحى والمفقودين

استطاعت موسكو عبر عقود طويلة أن تصنع حول قوتها العسكرية هالة كبيرة وضخمة، ولن نخوض في تعداد ما لدى الجيش الروسي من أسلحة، وإنما سنتناول الأمر من وجه نظر مسار الحروب التي خاضتها روسيا خارج أراضيها خلال العقود الأخيرة، وهذا المسار يُشكك في حقيقة هذه القوة، فقد كشفت حروب روسيا في أفغانستان ومن ثم في سوريا والآن في أوكرانيا أن هذه الدولة العظمى تُعاني تدنياً في مستوى أداء جيشها، وأنها دولة ليست بالقوية عسكرياً بقدر ما تحاول أن تُظهر، ويبدو أن اطمئنان روسيا إلى أن قيام حرب أو عمليات حربية على أرضها أمر مستبعد ولا يمكن أن يخطر على بال، أدّى إلى استرخاء عسكري، والاكتفاء بـ "بعبع" امتلاك قوة نووية موروثة من زمن الاتحاد السوفييتي.

في حرب أفغانستان التي استمرت عشر سنوات ونيّفاً، تكبّد جيش الاتحاد السوفياتي خسائر كبيرة، وسقط للروس نحو 15 ألف قتيل وعشرات آلاف الجرحى والمفقودين، واضطرّت روسيا للهروب من الوحل الأفغاني، رغم أنها استخدمت العنف المفرط والعشوائي، والعديد من أسلحة الدمار الشامل التي تمتلكها، وقد كانت هذه الحرب أحد مفاصل التاريخ الدموي للجيش السوفياتي، إذ قتل الجيش السوفياتي نحو مليون أفغاني وفق بعض التقارير، وتسبب في تشريد نحو خمسة ملايين أفغاني، ودمّر مئات البلدات والقرى، وحوّل أفغانستان إلى دولة مُهشّمة، ولم تستطع روسيا ربح الحرب.

أما في سوريا، فمنذ تدخلها العسكري المباشر في سبتمبر/ أيلول عام 2015، أفرغت روسيا كل مخزونها من الأسلحة القديمة والبالية والغبية فوق رؤوس السوريين، ووفق تقارير حقوقية دولية، قامت بتدمير مشافي ومدارس وأسواق وبُنى تحتية كثيرة في سوريا، وهي لم تستطع حتى الآن أن تربح الحرب، فمحافظتها على النظام السوري دون سقوط حتى الآن لا يعني انتصارها في الحرب، ولا استقرار النظام الذي تُحارب من أجله، بل ما زالت تُستنزف روسيا في سوريا حتى الآن، ولو حصلت المعارضة السورية على دعم عسكري دولي طفيف، لكان الروس الآن قد غادروا سوريا كما فعلوا في أفغانستان.

اليوم، في أوكرانيا، يبدو أن خسائر روسيا أكبر بكثير مما توقّعَت، ولم تظهر أية نتائج لأسلحتها المتطورة والنوعية و"الذكية"، فلم نر في أوكرانيا سوى تدمير همجي عشوائي، حرب تعتمد سياسة الأرض المحروقة فقط، كما في حربها في سوريا، ويُخيّل للمراقب أن روسيا تُكمل إفراغ ما تبقى في مستودعاتها من أسلحة قديمة فوق رؤوس الشعب الأوكراني، وهذه الحرب التي توقعها الروس أنها ستدوم أياماً، دامت أسابيع طويلة، ولا يبدو أنه سيكون لها نهاية قريبة، ويبدو أنها لن تستطيع ربح هذه الحرب حتى لو اقتطعت مؤقتاً جزءاً من ذلك البلد، لأن ما ستواجهه سيزيد من خسائرها وسيستنزف طاقاتها وقدراتها.

ثلاثة حروب في فترات زمنية متلاحقة، قد تكون مؤشّراً لقوة روسيا الحقيقية، السياسية والعسكرية، وتعُطي استنتاجاً بأن روسيا غير قادرة على المحافظة على نفسها كقوة عالمية مُهابة

وفي الجانب السياسي، وبعد كل حرب من هذه الحروب، كانت الخسائر السياسية الروسية كبيرة، فقد نتج عن حرب أفغانستان تمزق الاتحاد السوفييتي وانهياره، ونتج عن حرب سوريا قناعة دولية بأن روسيا دولة تسعى لاستعادة أمجاد دولة قيصرية على حساب قتل البشر، وصارت بنظر المجتمع الدولي دولة شر، ودولة ديكتاتورية داعمة للديكتاتوريات، وفي حرب أوكرانيا، تعرضت روسيا لأكبر عقوبات تتعرض لها دولة في التاريخ، ولعملية نبذ سياسي واسعة جداً.

ثلاثة حروب في فترات زمنية متلاحقة، قد تكون مؤشّراً لقوة روسيا الحقيقية، السياسية والعسكرية، وتعُطي استنتاجاً بأن روسيا غير قادرة على المحافظة على نفسها كقوة عالمية مُهابة، خاصة أن روسيا في حربها الأخيرة لم تجد ما تستعرض به قوتها العسكرية سوى التهديد باستخدام أسلحة نووية.

يمكن أن يكون أمام روسيا طريقان، الطريق الأول أن تعترف بمأزقها وضعفها، وتُقرر صياغة استراتيجية بديلة لاستراتيجية التدخل العسكري والاحتواء بالقوة، وتتوقف عن حلمها التوسّعي، ومن ضمنها إعادة النظر في دعم الديكتاتوريات، وهذا سيسهم في استعادة الأمن والاستقرار إلى بعض مناطق العالم وخاصة الشرق الأوسط وسوريا من ضمنه، والطريق الثاني أن تستمر في غيّها واعتمادها على قوتها المشكوك فيها، وسيزيد الحاقدون عليها، وقد نجد روسيا في يوم قريب تخوض حربين أو ثلاثة في آن واحد، ولن يكون الجيش الروسي مكشوفاً فقط، بل سيتعرض لسحق وتفتيت، وهو ما سيتسبب بخلل - غير مرغوب به - في كل الاستراتيجيات الدولية للمستقبل القريب والبعيد.