"قسد" وحسابات ما بعد أفغانستان

2021.09.05 | 06:12 دمشق

10201926174358881.jpg
+A
حجم الخط
-A

تبدو قيادة "قوات سوريا الديموقراطية" (قسد) منشغلة كثيرا بالانسحاب العسكري الأميركي من أفغانستان، التي بقيت على مدى عشرين عاما بؤرة الاهتمام العسكري الأميركي، وكلفت الولايات المتحدة بشريا وماديا على نحو باهظ. ووصل القلق الذي يستبد بالحليف الكردي في الحرب ضد داعش إلى أروقة الإدارة الأميركية منذ عدة أشهر، وبدأ ينمو تدريجيا بعد أن اتفقت الولايات المتحدة مع الحكومة العراقية على أجندة زمنية لسحب قواتها المقاتلة، تبدأ في نهاية هذا العام.

الولايات المتحدة لن تغير خططها في شمال شرقي سوريا، إلا أن هذه الخطط تبقى مرتبطة بالحرب على داعش، ولا صلة لها بأي حل سياسي ممكن في سوريا

وكشفت صحيفة "واشنطن بوست" في مطلع هذا الأسبوع الحالي، عن أن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن سعت في الأشهر الأخيرة، إلى طمأنة قائد "قسد" مظلوم عبدي وقادة آخرين، فأرسلت قائد القيادة المركزية الجنرال كينيث ماكنزي، ومساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأوسط جوي هود، إلى المنطقة للتحدث معهم. ونقل مسؤولون أميركيون وآخرون من "قسد" عن الإدارة الأميركية قولها إن الشراكة مع "قوات سوريا الديمقراطية" لا تزال قوية، وإن الجنود الأميركيين لن يغادروا. ولكن ذلك لا يقدم طمأنينة كاملة للطرف الكردي، وعليه نقلت الصحيفة عن عبدي قوله إنه يتوقع استقراراً نسبياً في شمال شرقي سوريا "إذا وفت الولايات المتحدة بتعهداتها"، مضيفاً "نشعر الآن أن لدينا دعماً سياسياً وعسكرياً أقوى، أكثر مما كان لدينا من الإدارة السابقة".

ومن المرجح حتى الآن أن الولايات المتحدة لن تغير خططها في شمال شرقي سوريا، إلا أن هذه الخطط تبقى مرتبطة بالحرب على داعش، ولا صلة لها بأي حل سياسي ممكن في سوريا. ولأن الأمر بات مقلقا جدد جوي هود في مقابلة مع قناة الحرة يوم الخميس الماضي التطمينات الأميركية، وقال "أريد أن أقول بشكل لا لبس فيه إن أفغانستان ليست العراق ولا سوريا، بينما مهمتنا في أفغانستان اكتملت". وأضاف "مصالحنا في العراق ستستمر مع الوقت، وهذا لا يشمل الأمن فقط إنما أيضاً مساعدة قوات الأمن العراقية وقوات سوريا الديمقراطية لهزيمة داعش بشكل نهائي وهذا سيأخذ وقتاً".

ومن الواضح هنا أنه باستثناء تفاهمات الحرب على داعش ليس هناك أي ضمانة لـ "قسد" في ما يتعلق بالمستقبل، الذي يبقى مرهونا بصيغة الحل الشامل في سوريا. والنقطة الأساسية التي لا تزال إشكالية بالنسبة للتنظيم هي موقف الإدارة الأميركية الجديدة من الوضع في سوريا، ذلك أن إدارة الرئيس بايدن لم تعلن عن سياسة رسمية نهائية حتى الآن، وهناك تصريحات تؤكد على أن واشنطن "لا تسعى لتغيير الأسد" على حد تعبير هود، وهذا ما يضع "قسد" في دوامة القلق حول مصيرها، ولهذا فإن قيادتها تحركت في أكثر من مناسبة من أجل التفاهم مع النظام السوري برعاية روسية، كما حصل في أكتوبر/تشرين الأول 2019 عندما سحبت إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب قسما من قواتها التي كانت ترابط في المنطقة، وكانت نتيجة ذلك قيام تركيا وحلفائها من فصائل المعارضة السورية بالتقدم والسيطرة على مدينتي تل أبيض ورأس العين، من دون أي رد فعل من جانب روسيا التي تنتشر قواتها في تلك المناطق. وفي الوقت الذي تقرر أميركا مغادرة المنطقة، فإن الطريق الوحيد أمام "قسد" هو الذي يؤدي إلى النظام، وبشروطه.

من المعروف أن النظام كان يمكن أن يقدّم هذا التنازل إلى "قسد" قبل عملية "نبع السلام"، ولكنه غيّر قواعد اللعبة بعد أن أدرك هشاشة "قسد" من دون مظلة أميركية

وتطمح "قسد" إلى بناء علاقة مع النظام على أمل أن تكسب سياسياً، من خلال التفاهم على حل في المنطقة التي تسيطر عليها، وعرضت أكثر من مرة، على النظام صفقة تقوم على تسليم المنطقة، مقابل تخفيف القبضة المركزية والاعتراف بالخصوصية الكردية. ومن المعروف أن النظام كان يمكن أن يقدّم هذا التنازل إلى "قسد" قبل عملية "نبع السلام"، ولكنه غيّر قواعد اللعبة بعد أن أدرك هشاشة "قسد" من دون مظلة أميركية.