قراءة في مشهديات الفصل الأخير للصراع على المسرح السوري

2023.05.11 | 05:40 دمشق

قراءة في مشهديات الفصل الأخير للصراع على المسرح السوري
+A
حجم الخط
-A

رغم كونه في أحد وجوهه يؤشر لنبرة تصعيدية في مواجهة نظام أسد، فإن تصريح جاويش أوغلو الذي استبق فيه اجتماع موسكو الرباعي الأخير الذي من المفترض انعقاده غدا في العاشر من أيار – مايو الجاري والذي قال فيه إن تركيا لن تنسحب من سوريا قبل أن يصبح النظام قادراً على إحياء وتنفيذ اتفاقية أضنة، إلا أنه في الوجه الآخر له يرسم ملامح مآل الأحوال في مناطق الشمال السوري إذا ما قدم النظام فعلا ضمانات مقنعة لأنقرة بسيطرته على المناطق الحدودية وضمان أمنها بما لا يسمح باختراقها لتهديد الأمن القومي التركي.

ذلك أنه لا يمكن تصور إمكانية ضمان أمن المناطق الحدودية السورية التركية دون سيطرة كاملة لقوات النظام السوري عليها بما يكفل التزامه بمضامين اتفاقية أنقرة التي تطالب تركيا بإحيائها وضمان حسن تنفيذ مترتباتها قبل اتخاذها قرارا بسحب قواتها من الأراضي السورية.

فالمطالبة هنا بتفعيل وحسن تنفيذ اتفاقية أضنة من قبل النظام السوري قبل الحديث عن انسحاب القوات التركية من الأراضي السورية والذي قلنا إنه تصعيد في مواجهة النظام في أحد وجوهه يقصد منه تماما رفضا مؤقتا لمطلب النظام الملّح بتقديم تركيا جدولا زمنيا لانسحاب قواتها من الشمال الغربي لسوريا لا أكثر، بمعنى أنه سيكون هناك التزامات متقابلة تتم صياغتها عبر مسار طويل من المفاوضات يفضي لالتزام النظام السوري بضمان أمن الحدود الجنوبية لتركيا مقابل جدول زمني واضح ومحدد لانسحاب القوات التركية.. واستطرادا فإن تنفيذ الشق الأول من تلك الالتزامات المتقابلة يقتضي بالضرورة تمكين أو عدم ممانعة وصول قوات النظام وسيطرتها على تلك المناطق، والسؤال هنا عن السبيل الذي سيتم به تنفيذ ذلك، هل سيكون بتفكيك الفصائل المختلفة وتسليم سلاحها عبر صفقة شاملة لتجنيب المنطقة مواجهات عسكرية دامية أم سيتم بوسائل قتالية تسمح ببسط سيطرة قوات النظام السوري نهائيا على كل مناطق سيطرة الميليشيات المختلفة، وهل سيكون ذلك مقتصرا على شمال غربي سوريا أم سيكون شاملا لمختلف مناطق الشمال شرقيها وغربيها معا؟!!!.

لعل في مسعى الجولاني وميليشياته للسيطرة والتحكم في أوسع نطاق جغرافي ممكن ضمن مناطق نفوذ الميليشيات الأخرى في الشمال، محاولة لأن يحجز لنفسه مقعدا على طاولة الحل والتسوية مع النظام

أعتقد أن الصورة وإن بدت أكثر تعقيدا لكن في الحقيقة أفترض أن الأطراف سيلجؤون لتفكيك الحلول وتجزئتها وهو سلوك لطالما برع فيه النظام وحلفاؤه خلال مراحل إدارة الصراع في مناطق أخرى، حيث شاهدنا ابتداء - بدلا من الوصول لحل شامل على مختلف مناطق السيطرة – كيف تمت صناعة ما سمي بمناطق خفض التصعيد وتم إسقاطها واحدة تلو الأخرى بحسم عسكري أو باتفاقات تسوية أفضت لتصفية الحراك الثوري بكليته وتجويف الصراع العسكري وتخميده، تم ذلك في حلب والغوطة ودرعا وأرياف حمص ولا شيء يمنع تكراره في مناطق الشمال الغربي أولا خصوصا أن جبهات المواجهة باردة وسبطانات الأسلحة لا تسخن إلا في مواجهات بينية لفرض فرص توسيع – مؤقت - لمناطق نفوذ وسيطرة الميليشيات المتنازعة التي تعطلت وظيفتها الوطنية في المواجهة مع النظام – وغالبا  لم تكن لها مثل تلك الوظيفة أصلا – لصالح الاستثمار والإثراء في اقتصاد الحرب بالنظر لإدراك الجميع أن وظيفتهم بالصراع مؤقتة وشارفت على نهاياتها.

لعل في مسعى الجولاني وميليشياته للسيطرة والتحكم في أوسع نطاق جغرافي ممكن ضمن مناطق نفوذ الميليشيات الأخرى في الشمال، محاولة لأن يحجز لنفسه مقعدا على طاولة الحل والتسوية مع النظام، يعزز من ذلك ما يقوم به من تواصل وتنسيق استخباري مع الأميركان والأتراك وحتى مع الروس والنظام لاستئصال شأفة بعض القوى والأدوات الأكثر تطرفا وربما رفضا لمثل تلك التسويات ولعل حملة التصفيات والملاحقات والاعتقالات الأخيرة لعناصر من حزب التحرير ما يعزز هذا الاستنتاج.

أما القوى والفصائل الأخرى كالحمزات والعمشات وغيرها من قوى التهريج العسكري المسيطرة في شمال غربي سوريا، فهي - ومع وجود آلاف ملفات النهب والقتل والإثراء غير المشروع لقادتها - أكثر مطواعية وامتثالا لأي حلول تقررها أنقرة بشأنها.. وبالتالي – وكما أشرت في غير مقال سابق – فأعتقد أن الصفقة ستكون مشابهة تقريبا لصفقة درعا وسيتم إدماج تلك الميليشيات ضمن المنظومة العسكرية والميليشيوية للنظام وسيبسط النظام مجددا سيطرته في تلك المناطق، وأما أولئك القلة من الرافضين فستتم تصفيتهم أو إخراجهم من المشهد بشكل أو بآخر.

قرار الجامعة العربية الأخير بإلغاء تجميد عضوية سوريا فيها ومعاودة النظام إشغال هذا المقعد أريد منه ليس فقط منح زخم جديد للأسد ونظامه، بل وإطلاق الرصاصة الأخيرة في صدغ الثورة السورية

لا تنطبق تلك المقاربة بطبيعة الحال عما يمكن الحديث عنه في مناطق شمال شرقي سوريا لأن ثمة فاعلا أميركيا فيها لا بد من قبوله بصفقة تلبي بعض مطامح "قسد" وميليشياتها فيما يشبه حكما محليا موسعا لا يحول دون حضور النظام ورموز أو أدوات سلطته ولا يستعدي تركيا أو يؤسس لحالة انفصالية أو كيانية تفتح شهية بعض أكراد تركيا.. ولا بأس بعد ذلك من التضحية ببعض رموز المذبحة السورية وتغييبهم عن المشهد العام، وإشراك بعض الشخصيات المعارضة في "حكومة وحدة وطنية" تكون العنوان النهائي للحل الذي يقبل به النظام وحلفاؤه من الروس والإيرانيين وبذلك يكون قد قدم للمجتمع الدولي حلا للأزمة مصنوعا بأياد سورية!!!.

سيراهن البعض على رفض أميركي لهذا الحل أو ما يشبهه، واسمح لي سيدي أن أقول إن رهانك خاسر سلفا، فطوال عقد كامل راهن السوريون على موقف أميركي حازم وقطعي ونهائي تجاه النظام ودائما ما خاب فألهم، وسقط رهانهم، فمن يتدثر بلحاف أميركي سيصحو عاريا تصطك أسنانه من البرد بلا لحاف يستر عورته.. ألم يراهن الجمهوريون سابقا في إسبانيا على موقف أميركي مناهض للجنرال فرانكو ديكتاتور إسبانيا الذي رغم دعمه للنازية وهتلر تمت إعادة تأهيله وتبنيه وعندما فتح الجمهوريون قبضاتهم وجدوها خاوية لم تقبض إلا الريح!!!