قبل أن تتحوّل خريطة سوريا إلى رقعة محميّات

2021.12.04 | 04:57 دمشق

thumbs_b_c_e0bca2830d790228c7ca6fc85b170bd7.jpg
+A
حجم الخط
-A

تحكُمُ  الجنوب السوري معادلات جيوسياسية شتى يكاد يكون الجوار الإسرائيلي - بالمفهوم الأمني الخالص- أكثرها تأثيراً وتأثراً؛ وما القوات الأميركية التي ترابط في قاعدة التنف إلا الحارس الأمين لهذه المعادلة. القوات الأميركية منتشرة أيضاً في شرق الفرات ولن تنسحب منه في المستقبل القريب، ليس لتمكين تأثيرها ونفوذها في سوريا وحسب، بل وفي العراق أيضاً في منطقة حدودية استراتيجية بين البلدين.

في واقع الأمر، تريد أميركا أن ترى انسحاباً كاملاً لإيران من سوريا دون مقايضات؛ فوضع إيران الداخلي المضطرب، والدولي المعزول، لا يسمحان لها الآن بأي مناورات أو مساومات. السيناريو الأقرب للواقع جاء نتيجة  تفاهمات روسية - إسرائيلية - أميركية على الخريطة المقبولة للأطراف المعنية صاحبة القول الفصل على مساحة هذه المنطقة، والتي من المتوقع أن تنتهي بإقامة منطقة عازلة Buffer Zone على الحدود مع إسرائيل، وإعادة تطبيق المعاهدات والشروط المرعية في العام 1974.  

فما الذي في يد المعارضة الآن من أوراق رابحة حتى تتمكن بمعونة من تبقّى لها من أصدقاء - على ندرتهم – من القيام بمحاولاتها الأخيرة في البحث عن العلاج الإسعافي للجسم السوري العليل؟

لا بد لنا في هذا المنعطف السياسي والأمني الخطير من سبر الأسباب وتحديد الأعراض. وبالنظر إلى الحالة السياسية الداخلية نستطيع أن نختصر المشهد السياسي السوري في المؤشرات التالية:

  • نظام أمني بوليسي متمسك بالمركزية المفرطة بينما تنهار حوله كل الثوابت المتعلقة باستقلال القرار والسيادة ووحدة الجغرافيا.
  • مشهد من انتشار السلاح والفوضى الفصائلية، تقابلها فوضى ميليشياوية من جهة النظام وحليفه الإيراني.   
  • نفوذ سياسي معزَّز بانتشار عسكري على مختلف المستويات لقوات متعددة الجنسيات لروسيا وإيران وتركيا والولايات المتحدة.
  • هشاشة أمنية مرافقة مع انتشار السلاح الفردي، والثقيل ونصف الثقيل، في مناطق غدت محدودة حالياً إثر تنفيذ خريطة المناطق منخفضة التوتر  De-Escalation Zones.
  • أجندات سياسية متضاربة وخرائط للنفوذ بنيت على أساس تغيير ديمغرافي جرى عن طريق التهجير القسري الممنهج.
  • انكفاء  أميركي (غير معلن) عن دعم المعارضة ما عدا حليفتها قوات سوريا الديمقراطية في الشمال الشرقي، وإحالة قيادة الدفة إلى روسيا التي بدأت تطبق إجراءات مناطقية، ناهيك عن الاستفراد بالحل عن طريق تجزئة المجزأ.

أما على المستوى الإنساني فالحال ليس بأفضل على الإطلاق ويتمثل في المعضلات التالية:

  • أزمة لجوء ونزوح غير مسبوقة في التاريخ الحديث وكل ما ترتب عليها من غياب شروط الحياة الإنسانية في حدها الأدنى، ولا أقول الطبيعي.
  • أزمة تغييب قسري واعتقال عشوائي ممنهج من جهة النظام والميليشيات الطائفية العابرة للحدود المتعاونة معه، ومن طرف الجماعات المتطرفة في آن.
  • أزمة خدمات صحية وتعليمية وحاجات يومية أساسية دفع ثمنها على الأغلب الجزء الأضعف في المجتمع السوري وهو المرأة والطفل السوريان (ما يزيد على نصف المجتمع السوري).
  • أزمة ثقة بين أطراف الشعب السوري من جهة، وبينه وبين أطراف المعارضة من أخرى، وبينه وبين القوى الدولية والأممية التي تخلت عنه في أحلك الظروف وعن حماية مدنييه.
  • انهيار النقد السوري وما ترتب عليه من تضخم وغلاء السلع والحاجات اليومية بحدها الأدنى للفرد المحدود الدخل.

في ظل ما تقدّم سيكون تأجيل الحل السياسي مجرد إتاحة الزمن اللازم لاقتسام الأرض السورية بين الدول النافذة، والجيران الأقوياء، بحيث تتحول سوريا إلى محميات تعيش هدنة دائمة برعاية الأمم المتحدة في المناطق منخفضة التوتر التي ستتحوّل بدورها تدريجياً إلى جزر أمنية تحت النفوذ الإسرائيلي في الجنوب، والأميركي في الشمال الشرقي، والتركي في عموم الشمال، والروسي في المركز الدمشقي والساحل. أما إيران فسينحسر دورها العسكري والسياسي ليعود ويتموضع على شكل استثمارات كبرى بوساطة Proxy من رجال أعمالها والوسطاء الذين لا تلاحقهم العقوبات الأميركية.

اتقّاء لتلك النهايات المظلمة علينا نحن السوريين مجتمعين أن نبتكر مخرجاً وطنياً سورياً خالصاً يملي على مجلس الأمن، مباشرة ودونما تأجيل، وضع الآليات اللازمة لتطبيق القرار رقم 2254 الذي هو مسؤولية أممية تجاه ملايين من السوريين طالت معاناتهم وما زالوا يواجهون حتى الآن مصائر مرعبة من الحصار والتهجير والاعتقال التعسفي. المخرج المرتقب لن يكون إلا سورياً بامتياز، وباجتماع السوريين كلهم على كلمة سواء طال انتظارها إثر سنوات من الفرقة والشرذمة أودت بنا إلى مصير مجهول الملامح.