قانون قيصر وعشاق الديكتاتور

2020.07.09 | 23:59 دمشق

2239b7dfa2755bf88edec5c0a300c93b_xl.jpg
+A
حجم الخط
-A

أسئلة بسيطة وجارحة وجهها المخرج السوري هيثم حقي إلى إخوتنا السوريين الذين اعتبروا قانونَ قيصر مؤامرةً صهيو أميركية على "الشعب السوري". منها: هل هناك تكذيب من قبلكم لما سرَّبه "قيصر" من صور ألوف الجثث لمواطنين سوريين قُتلوا في معتقلات الأسد تحت التعذيب؟ لِمَ لا تسعون، على الأقل، للتحقق من صحتها؟ ألا يوجد بين الذين يقتلهم النظام يومياً تحت التعذيب بعضُ أهلكم؟ وما هو شعوركم عندما تتأكدون من وجود صورة لأحد أحبتكم بين المقتولين؟

يستطيع جميع السوريين أن يجيبوا عن هذه الأسئلة ببساطة، ووضوح، شريطة أن يكون الواحدُ منهم مختلياً بنفسه، لا تخرج إجاباتُه إلى العلن فيُسَاءَل لأجلها، ويُلام، ويُعاقب، وقد يصبح مصيره، إذا باح بأي حرف، شبيهاً بمصير الضحايا الذين وثقهم قيصر.

إن مجموع الأسئلة التي طرحها المخرج هيثم حقي، والتي يطرحها المواطن السوري المختلي بنفسه، تضعنا أمام حقيقة مؤلمة

في معرض الإجابة عن تلك الأسئلة، يقول هذا الإنسان لنفسه: أولاً، النظام السوري نعم، ديكتاتوري، قبل قيصر وأثناءه وبعده، يَعتقل ويُعذب ويُميت تحت التعذيب، وثانياً، إنه نظام داشر، دائم الإفلات من العقاب، لذلك يشعر بأنه حر في أن يعترف بقتل المعتقلين أو ينكر وجودهم لديه أصلاً، والضحايا الذين وثقهم قيصر بين عامي 2011 و2013 ليسوا سوى قلة قليلة من السوريين الذين تعمد النظام قتلهم دون أن تدري يسراه بما ارتكبت يمناه.. وثالثاً، هل صحيح أن أميركا تعادي الشعب السوري؟ يا سيدي أميركا ليست حبابة، ولا طيوبة، ولا مسالمة، قل إنها دولة حقيرة إذا شئت، ولكن كم هو غريب أن تضع الشعب السوري في عقلها وتعاديه وحده استثناءً من شعوب الأرض كلها! ولماذا تعاديه؟ يرد أحد إعلاميي النظام على الفور: تعاديه لمصلحة إسرائيل! طيب، عظيم، سأتفق معك على أن إسرائيل تعادي الشعب السوري، ولكن، هل يعقل أن يوجد أحد على وجه العالم قادرٌ على خدمة إسرائيل أكثر من نظام دمر 40% من البنية التحتية لبلاده، وقتل من شعبه ستمئة ألف إنسان، وهَجَّر منهم سبعة ملايين؟ سيقول ذلك الإعلامي لكي يحرجك: أأنت تريد أن تبرئ التنظيمات الجهادية الإرهابية من التخريب والقتل والتهجير؟ قل له: أبداً، لا أبرئها، ولا أكف عن إدانتها، وأرى أنها أطالت في عمر النظام، وأجهضت ثورة الشعب السوري، وزادت في آلامه، ولكن ألا تعلم أن أبناء سوريا الذين صَوَّر قيصر جثثهم، وعددهم 11000، قُتلوا في أقبية النظام، حين لم تكن تلك التنظيمات موجودة على سطح الأرض؟   

إن مجموع الأسئلة التي طرحها المخرج هيثم حقي، والتي يطرحها المواطن السوري المختلي بنفسه، تضعنا أمام حقيقة مؤلمة، وهي أننا نحتاج إلى مماحكات طويلة عريضة مع بعض أهالينا لنقنعهم بأشياء بديهية! تقول لبعضهم، مثلاً: إن الخشب يطفو على وجه الماء، وإن هذه حقيقة علمية، فيرد عليك بأنك إذا ثَقَّلْتَ الخشب بكمية مبحبحة من الحديد لا بد أن يرسب في قعر الماء على طريقة الشاعر ابن الرومي الذي زعم أنه لو أُلقي في البحر برفقة صخرةٍ لبلغ القاع قبل الصخرة!

هناك مشكلة أخرى بالغة الأهمية، هي أن بعض أهلنا يكرهون ديكتاتوراً معيناً، ويسكتون عن غيره، خوفاً من بطشه، أو حباً به.. وحقيقةً أن الإنسان الخائف لا يُلام، ونحن لا نطلب من أهلنا أن يذهبوا بأرجلهم إلى التهلكة، ولكن؛ أنْ يحب الإنسانُ المظلوم الديكتاتورَ الذي يكتم أنفاسه ويقتل أبناءه فهذه مسألة تستحق التأمل والدراسة..

إن حب ديكتاتور معين يُبنى، غالباً، على اعتبارات طائفية، فالرجل الطائفي الشيعي يبغض صدام حسين ويسعى إلى إدانته وإبراز مساوئه، ويحب الولي الفقيه وحافظ الأسد وبشار الأسد وحسن نصر الله، ويخفي مساوئهم. والطائفي السني يقع على الطرف المقابل تماماً، يهجو حافظ الأسد وأشباهه ويمجد صدام حسين وأمثاله. وفي كلتا الحالين ترى هؤلاء الناس يتآلفون مع الحالة الديكتاتورية وكأنها ضرورة تاريخية محتومة، أو أنها نوع من "القدر" الذي لا رادَّ له، أو النصيب الذي يصيب الإنسان فيكلبشه..

ولكن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة هو: لماذا يكون نصيبنا، نحن السوريين، أن نعيش مسحوقين، منهوبين، مذعورين، نتفقد أبناءنا صباح كل يوم لنتأكد من أن أحداً منهم لم يُقتل في الليل أو يعتقل ثم يرمى في قبو سحيق إلى أجل غير مسمى؟.. ما هي الحكمة في أن يتزامن انقلاب البعث العربي الاشتراكي في الثامن من مارس 1963 مع إعلان حالة الطوارئ، وأن تبقى هذه الحالة في تصاعد وتغول إلى ما لا نهاية؟

السؤال الذي يطرح نفسه بقوة هو: لماذا يكون نصيبنا، نحن السوريين، أن نعيش مسحوقين، منهوبين، مذعورين، نتفقد أبناءنا صباح كل يوم لنتأكد من أن أحداً منهم لم يُقتل؟

عبر الأديب الراحل عبد الكريم أبازيد عن غرابة مفهوم "الطوارئ" السوري، قائلاً إن الإنسان يدخلُ دائرةً حكومية لتوقيع معاملة ما، فيقال له إن المدير خرج لأمر "طارئ" وسيعود بعد ساعة، ولكن هل صادف مرةً أن قالوا له: خرج المدير لأمر طارئ وسيعود بعد نصف قرن؟!

قانون قيصر، إذا أردت الحق، يؤثر على الشعب السوري، وعلى الشعب اللبناني أيضاً، ولكنه وُضع وأقر ليكون تغيير هذا النظام الفاشي محتوماً، لأن العقوبات لا تطال النظام وحده، بل إنها تقيد الداعمين الأساسيين له، إيران وروسيا، ولأن روسيا هي اللاعب الأساسي الآن، فقد أصبحت، بموجب هذا القانون، مرغمة على القبول بإجراء التغييرات المطلوبة لتطبيق القرار 2254، وإلا فلتنقع هذا النظامَ وتشرب من مياهه الآسنة.

لا ننس، أخيراً، أن الذين أعدوا قانون قيصر وتابعوا عملية إصداره المعقدة هم ناشطون وحقوقيون سوريون ناجون من الموت المحتوم لدى النظام السوري، والذين يرون، كما يرى كل من يفكر بعقله، أن نهاية هذا النظام ستكون البداية لعملية التغيير الذي نأمل أن يكون باتجاه الديمقراطية التي تراعي حق الشعب السوري بالحياة وبالحرية وبالتقدم.