فيتو ثلاثي حرم الأسد من المشاركة في قمة الجزائر.. ما أطرافه؟

2022.09.09 | 06:49 دمشق

ا
+A
حجم الخط
-A

على الرغم من تزايد المؤشرات والدلائل على قرب دعوة نظام الأسد إلى قمة الجزائر، والحماس الجزائري لإعادة تعويم الأسد ونظامه عبر محيطه العربي ومنظومة الجامعة العربية، إلا أن الموقف الجزائري الذي أعلنت من خلاله الجزائر عدم دعوة نظام الأسد إلى القمة، جاء مخالفا لكل التوقعات، لا سيما أنه صدر مما كان يتولى كبره والعناية بمشروع التعويم والتطبيع، أي الحكومة الجزائرية.

بصرف النظر عن المبررات التي ساقتها الجزائر على لسان وزارة خارجيتها من أن لعمامرة اتصل بنظيره المقداد الذي أخبره أن دمشق "تفضل عدم طرح موضوع استئناف شغل مقعدها بجامعة الدول العربية" خلال القمة العربية التي تحتضنها الجزائر مطلع تشرين المقبل، وفق تعبيرها، من دون الإشارة إلى عدم الإجماع العربي على ذلك، وهو ما يعني أن نظام الأسد لن يحضر اجتماع مجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة. فإن الجزائر أعلنت إجراءها مشاورات شملت الملف السوري، بعد يوم من تأكيدها أن نظام الأسد لن يحضر القمة العربية المرتقبة في الجزائر "بناء على رغبته" من منطلق مسؤولياتها بصفتها البلد المضيف للقمة.

الفيتو الأول كان بلا شك عربيا بامتياز، مع وجود مواقف واضحة من قبل بعض الدول العربية، وفي مقدمتها قطر والسعودية الرافضتان لإعادة تعويم الأسد عبر الجامعة العربية نظرا لانتفاء الأسباب الداعية لذلك، على الرغم من فك الطوق السوري من دول الجوار "الأردن ولبنان والعراق" لعزلة الأسد واستعادتها للعلاقات الدبلوماسية معه بطرق وأساليب متباينة، لكن الموقف العربي "الخليجي تحديدا" ممثلا بالدوحة والرياض ظل مصرا على رفض التطبيع لانتفاء مبرراته، متأثرا فيما يبدو باستمرار الرفض الدولي الغربي تحديدا لهذا المسار، وعليه انضمت مصر إلى قافلة غير المتعجلين لدعوة الأسد إلى قمة الجزائر. لكن ورغم هذا الموقف العربي فإن الجزائر كانت تراهن على أقل الخسائر في علاقاتها العربية من ضعف التمثيل أو حتى المقاطعة، في أسوأ الأحوال، مقابل تحقيق ما عجز عنه الآخرون من استعادة نظام الأسد لمقعد سوريا في الجامعة العربية، وظلت تراهن على تليين المواقف حتى اللحظة الأخيرة، لا سيما في اجتماعاتها الثنائية والجماعية في بيروت وغيرها من العواصم العربية.

الفيتو الثاني الذي حال دون دعوة الأسد إلى قمة الجزائر، كان غربيا "أوروبيا – أميركيا" على الرغم من المواقف والتصريحات الصادرة من العواصم الأوروبية وواشنطن وبوادر "ليونة" غير متفهمة على صعيد الزيارات، ومنها زيارة القائم بأعمال بعثة الاتحاد الأوروبي إلى سوريا، دان ستوينيسكو، الشهر الماضي، إلى سوريا في بعثة مشتركة بين الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة إلى كل من حلب وحمص وحماة  لتفقد المشاريع التي يمولها الاتحاد الأوروبي، على الرغم من العقوبات والعزلة الأوروبية المفروضة على نظام الأسد، ومحاولة واشنطن التواصل مع الأسد لتأمين الأفراج عن الصحفي الأميركي أوستن تايس واستئناف جهود الوساطة للإفراج عنه، وهو ما يخالف الموقف الأميركي المعلن من الأسد ونظامه. وأيضا لم تكن الجزائر لتلقي بالا للموقف الغربي (الأوروبي الأميركي) من دعوة الأسد نظرا لتسول أوروبا الغاز الجزائري في ظل أزمة موارد الطاقة وحاجة العواصم الأوروبية إلى البديل عن الغاز الروسي الذي يشتد خناقه مع قرب فصل الشتاء.

أما الفيتو الثالث، وربما الأهم والحاسم في عدم دعوة الأسد إلى قمة الجزائر، فقد يبدو غير واضح المعالم للوهلة الأولى، لكن سبر أغواره يكشف عن دوره الحاسم في ذلك، وهو الفيتو التركي!

أما الفيتو الثالث، وربما الأهم والحاسم في عدم دعوة الأسد إلى قمة الجزائر، فقد يبدو غير واضح المعالم للوهلة الأولى، لكن سبر أغواره يكشف عن دوره الحاسم في ذلك، وهو الفيتو التركي! لقد فجرت التصريحات التركية الرسمية للمسؤولين الأتراك جدلا كبيرا على المستويين السوري والعربي وحتى الدولي حول مقاربة جديدة مع نظام الأسد لتحقيق أهدافه في سوريا من دون التنازل عن مكتسباتها فيها، عبر إبداء ليونة أو انفتاحا جزئيا على نظام الأسد بضمانات روسية "بوتينية" تحديدا، من أن الأسد سوف يسير في المسار ذاته، إذا ما أعلنت أنقرة رغبتها، لكن موقف النظام السوري "المتعالي" وخطابه "الخشبي" حول "الانعطافة التركية" دفع الأخيرة وربما مع موسكو، إلى تضييق الخناق على الأسد المعوّل على التعويم عربيا قبل إتمام نظيره على المستوى الإقليمي ودول الجوار، لا سيما مع تركيا، فكان الموقف الجزائري أكثر تفهما وتقبلا للفيتو التركي الهادف إلى دفع الأسد إلى الاهتمام أكثر بملف العلاقات الثنائية مع أنقرة، وتأجيل الحديث عن تعويمه عربيا إلى حين إتمام الملف الأول.

لكن.. ما الذي يدفع الجزائر إلى الاستجابة إلى هذا الفيتو دون غيره؟

تشهد العلاقات الجزائرية التركية حراكا لافتا في السنوات الأخيرة على جميع الأصعدة، ساهمت فيها اتفاقية الصداقة والتعاون الموقعة بين البلدين عام 2006، وزادت زخما منذ تولي عبد المجيد تبون رئاسة الجزائر نهاية 2019 وتوجت بزيارة الرئيس الجزائري للعاصمة التركية تلبية لدعوة نظيره التركي أردوغان، وشهدت علاقات التعاون الاقتصادي بين الجزائر وتركيا، طفرة خلال السنوات الـ16 الأخيرة، حيث أصبحت أنقرة أول مستثمر أجنبي خارج قطاع المحروقات بالجزائر.

وبحسب بيانات رسمية، فإن أكثر من 1300 شركة تركية تنشط في البلاد، الأمر الذي ساهم في خلق ما يزيد عن 30 ألف وظيفة. وشهدت الفترة ذاتها إقامة شركات تركية لأحد أكبر مصنعين للتصدير في الجزائر. كما جددت شركة "سوناطراك" للمحروقات الجزائرية عقود توريد الغاز المسال إلى تركيا عام 2018، بكميات تصل 5 مليارات متر مكعب سنويا، بحسب ما نقلته وكالة الأناضول.

لعل العامل التركي غير الواضح للوهلة الأولى كان أكثر حسما في "تأجيل" تعويم الأسد، من دون التقليل بطبيعة الحال من الموقفين العربي والدولي الرافض لذلك، وربما كان الإعلان الجزائري "المفاجئ" جرس إنذار لنظام الأسد لإعادة ترتيب أولوياته وأنه ربما كان طريقه "الطويل" إلى إعادة تعويمه عربيا وإقليميا ودوليا يمر عبر البوابة التركية التي واربت أبوابها مؤخرا بضغط روسي لا يخفى على أحد، فكيف سيكون رد فعل نظام الأسد على الخذلان الجزائري؟ وهل ستستمر الجزائر في مساعيها بغية كسب "رصيد" تعويم الأسد في نهاية المطاف؟