في يوم المرأة العالمي.. كفى تمثيلاً!

2020.03.09 | 23:02 دمشق

almrat_alswryt.jpg
+A
حجم الخط
-A

يصادف يوم المرأة العالمي في الثامن من آذار؛ اليومَ المشؤوم لدى السوريين، يوم انقلاب البعث (1963) على الحكومة السورية المنتخبة ديمقراطياً برئاسة خالد العظم، والرئيس ناظم القدسي. والرابط بين المناسبتين جوهريٌّ ومهمّ، وذلك لأنّ النظام العسكريّ الشُموليّ هو التجسيد الأعنفُ للذكوريّة، وهو -بالتالي- الإقصاءُ الأعنف للمرأة وحقوقها ولكلّ نزعة نسائيّة ونِسْوية.

إن المعاناة التي كابدتْها المرأة السورية منذ سنوات ما قبل الحرب؛ لا يمكن أن تقارن بمعاناة الرجل، ولا بمعاناة نساء كثيرٍ من البلدان الأخرى. فالمرأة السورية تولد وتعيش وتموت في سجن، مكبّلةً بآلاف القيود. تخيّلْ أن تسيرَ في الشارع وتأخذ المواصلات العامة وأنظارُ الناس تحاصرُ جسدكَ من الأمام والخلف، والألسُن ترشُقكَ بتعابير سُوقية وتعليقاتٍ جنسية، وأيدي البعض تبحثُ في كلّ ازدحامٍ أو فوضى عن فرصة لانتهاك جسدكَ باللمس! تخيّلْ أن تكون سُمعة العائلة وشرفها وعارها مرتبطين بطريقة ملبسك ومشيتك وسلوكك، وبمدى خضوعك الذليل -ضدّ نفسكَ وطبيعتك- لعاداتٍ اجتماعية بالية، صارت مقدّسة بحُكم الجهل والتخلّف. تصوّرْ أن تكون أعمال المنزل كلها على عاتقك، وتربية سبعة أطفال وتدرسيهم، بالإضافة إلى العمل خارج المنزل. تخيّلْ أن يكون لأخيكَ الصغير أو ابنكَ الصغير سلطةٌ عليك؛ فقط لأنه من جنس الذكور!

وبعد تحوّل الثورة إلى حرب مفتوحة في معظم المناطق، تضاعفت آلام المرأة السورية، فالحربُ تجسيدٌ شنيع للعنف الذكوري، والحربُ تجعل من المرأة والطفل الفئتين الأضعف في المجتمع، فيسهلُ استغلالهما وانتهاك حقوقهما. مئاتُ الآلاف من النساء خسرنَ أزواجهنَّ ومعيل أسرتهنّ، وصرنَ في حاجة ماسة لتأمين أبسط متطلّبات الحياة. لكن أين؟ في بلدٍ تمزّقه الحرب، ويتحكّم فيه وحوشٌ بأعناق الناس. آلافُ النساء تعرّضن للاغتصاب داخل المعتقلات وخارجها، وآلاف النساء أجبرتْهنَ الظروف القاهرة على العمل في مهنٍ غير أخلاقية. وفوق ذلك، هنالك مَن تعرّضنَ للاستغلال الجنسيّ مقابل الحصول على عمل، أو مقابل عدم الطرد من العمل. وهنالك من تعرّضنَ للابتزاز الجنسي مقابل الحصول على سلّة غذائية، حسب تقارير للأمم المتحدة.

في مناطق سيطرة النظام، بات الرجالُ عملة نادرة، فأغلبهم سِيقَ إلى الحرب أو هرب منها

في مناطق سيطرة النظام، بات الرجالُ عملة نادرة، فأغلبهم سِيقَ إلى الحرب أو هرب منها. وفي ما سُمّي "المناطق المحرّرة"، كانت التنظيماتُ المتشدّدة تفرض أجندتها الظلامية على السكّان، فتتدخّل في ملبسهم ومأكلهم ومشربهم وتجثُم على أنفاسهم. وعلى الجانبين، كان على النساء أن يقُمنَ بمهامٍ جِسَام، وبواجبات كثيرة، دون أنْ تكون لهنَّ من الحقوق ما يوازي نصفَ أو ربعَ ما عليهنَّ من الواجبات.

في الأجسام السياسية المعارضة التي تشكّلت بعد 2011، لاحظتُ أن تمثيل المرأة وتمثيل الشباب فيها؛ كانا تمثيلاً شكلياً فقط، دون وجود ثقلٍ أو دورٍ حقيقيّين لهما. ولاحظتُ من خلال عملي مع المنظمات الإنسانية بين عامي 2013 و2015؛ انحسارَ العنصر النسائي منها شيئاً فشيئاً، لصالح ذكورية مطلقة. ترافق ذلك مع انسحاب الطابع المدني لكثير من المنظمات والمجالس، لصالح توجُّه إسلامي واضح. ولا ضرورة لأنْ يسأل سائلٌ بعد ذلك: "لماذا فشلنا في كل شيء؟" فكيف ستنجح بعدما أقصيتَ أكثر من نصف المجتمع من العمل السياسي والمدني، ومن المشاركة في صنع القرار؟!

لكنْ، في مقابل الطابع الذكوريّ الإسلامي الذي وسَمَ الثورة والمعارضة السوريّتين؛ كان قسمٌ من النساء السوريات يعملن لمساعدة بعضهنّ بعضاً، ولتعزيز موقع المرأة في المجال الاجتماعي والسياسي. كثيرةٌ هي المنظّمات والحركات التي حملتْ تسمياتٍ وشعارات نسائية ونِسْوية، بحيث يصعب تعدادُها أو معرفةُ أوجه نشاطها أو مدى التطابق بين أقوالها وأفعالها. منها ما اشتغلتْ على التمكين الاقتصادي من خلال مشاريع يدوية صغيرة، تشارك فيها النساء ويستفدن منها. ومنها ما اشتغلت على تقديم الرعاية الصحية، وأُخرى قدمتْ مشاريع تعليمية. ومنها ما اشتغلت على التوعية الاجتماعية والسياسية من خلال ورشات ومحاضرات مباشرة أو عبر الإنترنت.

التمثيلُ الذي ينبغي أن نسعى إليه، في حدود المتاح، أن يُمثَّــلَ المواطنون -نساءً ورجالاً- على أساس الانتساب لا النَّسَب

إنّ التمثيل الشكلي للمرأة في الأجسام السياسية المعارضة، أو في الحركات التي تدّعي تمثيل المرأة؛ هو لا يعني شيئاً في الواقع، فطالما أنّ هنالك امرأةٌ تمثّل نساءً أُخريات، بوصفها امرأةً وبوصفهنّ نساء فقط؛ فهذا يعني أننا لم نخرجْ من التمييز ضدّ المرأة. إنّ هذا النوع من التمثيل الذي تتبجّح به بعضُ مَنْ يصفنَ أنفسَهنّ بـ "النسويّات"، يختصر المرأة في بُعدها البيولوجي فقط، أي بكونها ولدتْ أنثى. كما أنّ تمثيل جماعة بشرية على أساس الولادة (نساء، رجال، عرب، كرد، مسيحيين، مسلمين...) هو تمثيلٌ يقوم على انتماءات ما قبل الدولة، أي انتماءات ما دون السياسة. أما التمثيلُ الذي ينبغي أن نسعى إليه، في حدود المتاح، فهو أن يُمثَّــلَ المواطنون -نساءً ورجالاً- على أساس الانتساب لا النَّسَب، أي على أساس توجّهاتهم السياسية وانتماءاتهم لأحزاب ومنظمات مجتمع مدني. ولنأخذْ مثالاً لتوضيح ذلك: هل تُـمثِّـل أنغيلا ميركل نساءَ الحزب الديمقراطيّ المسيحي بوصفهنَّ نساءً؟ أم تُمثِّـلُ مسيحيّيه بوصفهم مسيحيّين؟ أم تُمثّل جِرْمَانَهُ بوصفهم جِرْمَاناً؟ ...، لا أعتقد شيئاً من ذلك، بل هي تمثّل أيديولوجيا الحزب من حيث المبدأ، وتمثّلُ برنامجه السياسي المتغيّر في كلّ مرحلة.

وفي الحقيقة، ما زال أمام السوريين -نساء ورجالاً- نضالٌ طويل على الصعيد الاجتماعي والقانوني والسياسي، لكي تنال السُّوريّة حقوقها كغيرها من النساء، وكنظيراتها من الأوروبيّات اللواتي نلْنَ حقَّ الاقتراع بعد السُّورية. ومن هذي الحقوق المساواة الكاملة مع الرجُل أمام القانون، ما يعني تعديل قانون الأحوال الشخصية، وتطبيق اتفاقية "سيداو" 1979م. وكذلك المساواة الفعلية بين الجنسين، أي ألّا تكون هنالك مهنٌ ووظائفُ ومناصب خاصّة بالرجال وأُخرى بالنساء، وألا تكون هنالك أعمال موصُوفة بـ "الرجالية" وأخرى بـ "النسائية". وكذلك، ضرورةُ المعاقبة القانونية والمجتمعيّة على كلّ خطاب يذُمّ الآخر على أساس جنسه أو لونه أو عرقه أو دينه أو مذهبه. وفي النهاية؛ ينبغي الخروجُ من فكرة تمثيل المرأة على أساس أنها امرأة (الجنس البيولوجي)، والتحوُّل إلى فكرة أنْ يُمثِّـلَ المواطنون -رجالاً ونساءً- بعضَهم بعضاً، على أساس التوجُّه الفكري والسياسي والاجتماعي.