في مهب قانون قيصر

2020.06.21 | 00:00 دمشق

2020-04-02-12.52.46.jpg
+A
حجم الخط
-A

قد يكون هذا الرأي نشازاً في احتفالات مؤيدي "قانون قيصر" بهذا القانون، على الرغم من أنه يؤيده، فإنه حذر في تأييده له ومتوجس، وعلى الرغم من أنه من القائلين بأن نقاش القانون ليس له معنى الآن من زاوية خطأ إقراره أو صوابه، فهو قد أقر أولاً، وقد أصبح ساري المفعول ثانياً، ثم إن خطواته العملية على الأرض قد بدأت؛ لذلك إن ما يهم الآن هو نقاش حال السوريين وسوريا في ظل هذا القانون وتداعياته وإلى أين يرمي.

يحق للسوريين أن يفرحوا لأي أمر يهدد عائلة الأسد ومن يقف معها، وهي العائلة التي أذاقتهم المرَّ طوال نصف قرن، فكيف إذا كان هذا الأمر يدفعهم إلى الحلم بما هو أكبر من التهديد، وأقصد حلم أن تطوى صفحة هذه العائلة من حياتهم. لكن، هل يكفي الحلم لكي نغمض أعيننا عن حقائق الأرض، وهل تكفي الرغبات لكي ندير ظهرنا لما يناقضها، وربما لما يجعلها محض وهم...؟

مبعوث وزير الخارجية الأمريكي الخاص إلى سوريا، جيمس جيفري، يجيب عن تساؤلنا كسوريين، إن كان الهدف من قانون سيزر إسقاط النظام أم لا، بقوله: إن "الولايات المتحدة لا تسعى إلى تغيير النظام في سوريا، ولكنها مهتمة بتعديل سلوكه أولاً وقبل كل شيء تجاه شعبه".

ولقد أضاف جيفري خلال مقابلته مع وكالة "نوفوستي": إن "الشعب السوري هو من يقرر من سيقوده، وما هي الحكومة التي سيحصل عليها، ونحن لا نسعى إلى تغيير أي نظام، ولكن نسعى إلى تغيير سلوك هذا النظام، أولاً وقبل كل شيء، نحو مواطنيه ثم نحو جيرانه ثم نحو المجتمع الدولي".

وبعيداً عن تصريح جيفري، وبقراءة سريعة لظروف إصدار القانون العتيد، تبرز حقيقة أن من غير المنطقي تجاهل جملة حقائق متعلقة بالسياسة الأمريكية حيال الملف السوري، سواء أكانت في عهد الرئيس السابق أوباما، أم في عهد الرئيس الحالي ترامب.

أولى هذه الحقائق، هي: أن ما سمي بقانون حماية المدنيين السوريين، كان من المنطقي صدوره بعد وصول الشاهد "قيصر" مع وثائقه إلى أميركا وعرضه لصوره، لكن ماذا تصرفت الحكومة الأميركية حينها؟ ولماذا ترك هؤلاء المدنيون ست سنوات كاملة للموت بكل فظاعاته وبكل وسائله؟

ثاني هذه الحقائق، هي: أن هذا القانون- بصيغته الحالية- لا يزال يتيح المجال للنظام للتحايل عليه، عبر إجراءات تبدو ظاهرياً، كأنها استجابة لهذا القانون، مع أنها في جوهرها ستكون موافقة على شروط سرية لا بد أن تفرض عليه، ولا بد أن يقبلها لترتيب الحل الذي ترتئيه الأطراف الخارجية لتحقيق مصالحها وترتيبها وفقاً لقدرات كل طرف، بغض النظر عن مصلحة الشعب السوري وعن قبوله ورفضه، وماذا يعني اشتراط إطلاق سراح المعتقلين في الوقت الذي ليس هناك ما يثبت عدد هؤلاء المعتقلين، أو حتى اعتقالهم، وما معنى أن يطلب من حكومة النظام محاكمة مجرمي الحرب الذين هم منها؟

ثالث هذه الحقائق، هي: ما يتعلق بما تفعله أميركا في منطقة الجزيرة السورية من فرض صيغة سياسية لم يتخذ رأي الشعب السوري بها، التي قد لا تكون – وهي على الأغلب كذلك – في مصلحته، ولا تتوافق مع ما يكرره الأميركيون دائماً حول حرصهم على وحدة الأرض السورية، وعلى مستقبل السوريين.

وبالاستناد إلى هذه الحقائق وغيرها، يمكن القول بلا تردد: إن ما تهدف إليه أميركا من قانون قيصر، قد يخيب أمل المحتفين به كثيراً، لكن أملها هي لن يخيب، وهدفها منه ستسعى إلى تحقيقه بجهود خدمها السوريين الذين يعرفون والذين يجهلون والذين يطمعون. وهو الهدف الذي يمكن تلخيصه باستعادة الخيوط التي تحرك الملف السوري كلها إلى اليد الأميركية؛ لأنها تركت أطرافاً عديدة خلال سنوات عديدة تصول وتجول في الساحة السورية عن سابق تخطيط وإصرار وتعمد، وها هي الآن توقف اللعبة؛ لتنقلها إلى شروط جديدة، الشروط التي تعيد إلى أميركا الملف السوري لإمساكه بكلتا يديها وبأنيابها كذلك.

لكن- مع ذلك- لنحاول رؤية نصف الكأس الممتلئ: إذاً، هل سيساعد- قانون سيزر- السوريين على الاقتراب من حلمهم بانتهاء هذه الحرب، وهل سيساعدهم على استعادة بلدهم وحقوقهم وعلى طوي صفحة الاستبداد؟

قد تكون الإجابة بالغة الصعوبة؛ إذ ما من مرتكزات راسخة إلى الحد الذي يمكن البناء عليه، وما يعزز غياب هذا الرسوخ المرغوب، هي السياسة غير الثابتة التي تتعامل بها الأطراف الفاعلة في سوريا، التي هي بالكامل أطراف خارجية، هي نفسها ليست ثابتة بأي مقياس، وليست مصدر اطمئنان للسوريين بأي مقياس كذلك، وبالتالي: إن الطرف الأضعف في هذه المعادلة هو الشعب السوري الذي سيدفع الثمن الأكبر لأي تفاهم بين هذه الأطراف.

نعم، يمكن الاستفادة من قانون قيصر، ويمكن تجييره لخدمة السوريين؛ فيما لو كان للسوريين صوتهم الواضح والقادر على اللعب في التناقضات بين مصالح الأطراف الممسكة بالملف السوري، لكن بغياب هذا الطرف السوري يصبح الاحتمال الأكثر احتمالاً، هو: أن يكون هذا القانون سبباً في زيادة معاناتهم وقهرهم وبعثرتهم، هم وأرضهم.

وبناء على ما سبق، ليس من الحصافة ألا نقرأ تجربة العراق، وأن ندير ظهرنا لتجربة حصاره وحجم الكارثة التي تسبب بها الحصار، وإلى أين أوصل هذا الحصار العراقيين، وألا نخاف على أهلنا في سوريا من آثار هذا القانون.

وليس من الحصافة أيضاً، ألا نرى أن العراق واليمن وليبيا وسوريا ومصر إلى حد ما، تشترك كلها في أنها تمضي إلى مستقبل مجهول، ملامحه الأولى تشير إلى دول فاشلة وإلى خراب يحتاج إلى عقود وعقود للخلاص منه، وأنها- أي هذه الدول- تشترك في أن قواها السياسية كانت بلا أي فعالية، فهل يمكننا اليوم في سوريا أن نتشارك كسوريين في الداخل والخارج لبلورة صوت وطني جامع يمكنه الدفاع عن مصيرنا كشعب وكوطن؟

لقد أضاءت مظاهرات السويداء قليلاً على أهمية هذا الصوت السوري، وأعطت دفقة من الأمل للسوريين، وتتسارع اليوم شخصيات وجهات سورية لبناء ما يمكن أن يكون نواة لانطلاقة جديدة للسوريين، انطلاقة ترتكز على دروس عقود من الصراع مع عائلة الأسد في سوريا، وبالأخص على دروس السنوات العشر الأخيرة من عمر هذا الصراع.

ثمة تباشير عدة تظهر هنا وهناك، فهل نستطيع أن نبدأ كسوريين مرحلة جديدة في نضالنا من أجل وطننا الذي نحلم به.

إنه السؤال الذي لا يفقد حرارته ولا راهنيته ولا أهميته قبل سيزر وبعده.