في قلة فهم الإدارة الذاتية الكردية

2021.09.13 | 06:07 دمشق

183955154_1596987393824525_4562725117413827075_n.jpg
+A
حجم الخط
-A

تتخوّف الإدارة الذاتية الكردية من انسحابٍ أميركي مفاجئ؛ فعلتها أميركا في أفغانستان وقد تكرّرها في سوريا. قلة فهم هذه الإدارة المدللة أميركيا أن حساباتها ضيقة للغاية، فبدلاً من أن تستجيب للأميركان بالتصالح مع المجلس الوطني الكردي، وإنهاء أية صلة مع حزب العمال الكردستاني، وإشراك العرب في تلك الإدارة، والتخلص من وصم العرب بالداعشية، وتحكيم العرب في المناطق التي بها هم أكثرية، تماطل وتتلاعب وتتجاهل كل ذلك. السخف يكمن في أنها تُكثِرُ من الكلام عن المسائل السالفة الذكر، وزادت منها أخيراً برغبتها بالانفتاح على الائتلاف الوطني، وتشكيل جهاز أمن خاص للتخفيف من سطوة حزب العمال ضمن أراضيها، وسوى ذلك. واقعياً لا شيء من ذلك.

تحاول دائماً تقديم ذاتها وكأنّها تمثل دولة؛ فتتواصل مع روسيا وأميركا وإيران ودول كثيرة ومنظمات كثيرة، وترفض تركيا محاولاتها. هي بذلك تقول إنها الممثلة الوحيدة للإدارة الذاتية، وسوى ذلك يمكن البحث فيه أو تجاهله، وعلى الأطراف الداخلية في أرض تلك الإدارة "الديموقراطية جداً" أن تُخفض من شروطها السياسية للسماح لها بالعمل والحركة، أي عليها أن تصبح أحزاباً هامشية "المجلس الوطني، والعرب عليهم الصمت والتمثل الهامشي في الإدارات، وسوى ذلك".

خافت الإدارة الذاتية من الانسحاب الأميركي، حيث تحققه سيظهرها نمراً من ورق، سيما هناك دول كبرى تستعد لملء ذلك الانسحاب؛ تركيا وروسيا وإيران والنظام السوري، وبالطبع ستفتك بها تلك الدول. قوّة الإدارة الذاتية أنها ليست مقطوعة الصلة مع إيران أو النظام السوري، وتتمتع ببراغماتية كبيرة، تسمح لها بالعودة إلى طاعة دمشق، إن لم نقل أن كثيراً من قياداتها الفاعلة مرتبطة بالعاصمة، ولن نتكلم هنا عن تنسيقٍ عالٍ بين الإدارة ودمشق طيلة عشر سنوات، أعوام الثورة وضدها.

زيارات الدبلوماسيين الأميركيين إلى القامشلي والحسكة، لا تطمئن كثيراً، فَهُم يؤكدون أن أميركا لا تفكر حالياً بالانسحاب من سوريا، ولكن دون أن يحسموا بموضوع الانسحاب بشكل كامل

أيّة تحركاتٍ بين أمنيي النظام في دمشق وتركيا تراه الإدارة موجهة ضدها، وهذا ليس خاطئاً، ولكنه كذلك ليس صائباً، فهناك مشكلات كبرى بين النظام في دمشق وأنقرة، والخلافات بينهما عميقة، وتتصل بملف كل المناطق الخارجة عن سيطرة النظام في إدلب وبعض أرياف حلب، وبالطبع المنطقة التي يسيطر عليها أكراد قسد، وهناك روسيا التي لها مواقف ضاغطة نحو تلك التحركات، والدافعة نحوها، وبالتالي يفترض بتلك الإدارة التنسيق مع روسيا بصفة خاصة. التنسيق مع الأخيرة معقد، ولهذا ترتبك الإدارة، والتعقيد قادم من اعتماد الإدارة بشكلٍ كامل على أميركا بينما روسيا تريد من قسد ومسد أن تنتقل إلى تحت جناحيها، وحينها ستحميها من النظام أو تركيا، ولكن ذلك غير ممكن.

زيارات الدبلوماسيين الأميركيين إلى القامشلي والحسكة، لا تطمئن كثيراً، فَهُم يؤكدون أن أميركا لا تفكر حالياً بالانسحاب من سوريا، ولكن دون أن يحسموا بموضوع الانسحاب بشكل كامل، وهذا يتعلق بالرؤية الانكفائية لتياراتٍ قويّة في الإدارات الأميركية المتعاقبة. رغم ذلك ليس من انسحابٍ مفاجئ من سوريا، وحسابات سوريا تختلف عن أفغانستان؛ ففي الأخيرة هناك رغبة أميركية بتوريط أطراف إقليمية ودولية بمشكلات كبرى، بينما في سوريا هناك إسرائيل والنفط والوجود المركزي للأميركان بالخليج، وهناك أطراف إقليمية ودولية متورطة، بينما الوجود الأميركي في سوريا هامشي للغاية. إذاً هناك أسباب كثيرة ترجئ الانسحاب حالياً من سوريا.

السياسة الأميركية في سوريا منفتحة على الروس، وعلى الأتراك كذلك، ومتشدّدة نحو النظام وإيران. الانفتاح هذا وصل إلى لحظة متقدمة، حيث سمحت بإعادة تشغيل خط الغاز المصري وعبر الأراضي السورية وإلى لبنان، ودخول المساعدات الإنسانية من أراضي النظام وإلى إدلب وبالعكس، ولكنه لا يصل إلى السماح بتطبيع علاقات النظام مع الدول الإقليمية أو السماح بإعادة الإعمار، وسمي هذا الانفتاح بسياسة "الخطوة خطوة" وبالتالي تنتظر أميركا خطواتٍ من الروس، تنتهي بـ "إصلاح" النظام في النهاية، وبما يطيح بقادته الأساسيين. الفكرة الأخيرة بالتحديد غير محددة بين دبلوماسيي البلدين، وهي ما تعني أميركا وإسرائيل، وفيها بالتحديد تتغير المعطيات في سوريا، حيث ستسمح بإخراج القوات الإيرانية، وكذلك الأميركية، وحينها على الإدارة الذاتية أن تتخوف على مستقبلها.

فكرتنا الأخيرة لا تطمئن الإدارة الذاتية أبداً، وعكس تحليلنا أعلاه، فقد تتقدم أميركا بخطواتٍ جديدة تقلص من مناطق الإدارة، وتحشرها في مناطق ضيقة، وحينها لن يكون بمقدورها المراوغة واللعب كما تفعل حالياً. لم يتبن الائتلاف الوطني لقيادة الثورة والمعارضة موقفاً سياسياً يتصف بالواقعية إزاء حقوق الأكراد، وقسد بدورها لم تذهب نحو التلاقي مع الائتلاف، وهناك صعوبة كبيرة في ذلك؛ فإذا كانت قسد لا تتمتع بمرونة للتحالف مع المجلس الوطني الكردي، فهل ستكون قادرة على ذلك مع الائتلاف الوطني! الأخير بدوره، وعدا عن تبعيته الكاملة للخارج، فهو لا يمتلك عقلية سياسية براغماتية كبرى للتنسيق مع الأكراد، وبالتالي تتعمق الخلافات، كما أنه ليس هناك أية اجتماعات أو لقاءات أو تواصل بين ممثلي الجماعتين. العلاقة بين الإدارة والنظام أقوى وأسهل، وفيها سيطرة للأخير، وهذا طبيعي نسبة للتوافقات بينهما منذ 2011، وانسحاب النظام من القامشلي والحسكة وتسليم مناطق بأكملها للاتحاد الديموقراطي. طبعاً اتسعت الخلافات بين الإدارة والنظام، ولكنها ليست حادة، ويمكن طيّها، والأميركان يدفعون بالإدارة للتصالح مع الروس، وإلى حد ما مع النظام. مشكلة الإدارة في ذلك أنها ترى نفسها هامشية، ويمكن أن تتقلص إمكانياتها على المراوغة أكثر فأكثر، وربما تجد نفسها بلحظة مستقبلية طريدة تركيا وروسيا والنظام.

الإدارة معنية بإعادة تشكيل صلات موضوعية وواقعية "وأخلاقية" مع الأحزاب الكردية، والائتلاف الوطني، وقطع العلاقات مع حزب العمال، وتمكين العرب من مناطقهم

الإدارة الآن تسيطر على مناطق واسعة، بينما الأطراف العربية المعارضة ليست كذلك، وسيطرتها تلك، نقطة ضعف وقوّة بآن واحد، وكلما تصاعدت "الخطوات السياسية" بين روسيا وأميركا تميل الكفة نحو الضعف. يقع على الإدارة الذاتية مسؤوليات كبرى كي لا تتهمش، وهي ستتهمش بكل الأحوال، ونقصد ألا يتم شطبها، فعدا عن أعداءٍ كثر يتربصون بها، هناك الرفض الكردي السياسي لها، وهناك الرفض الشعبي لها من قطاعات من أكراد سوريا. الإدارة معنية بإعادة تشكيل صلات موضوعية وواقعية "وأخلاقية" مع الأحزاب الكردية، والائتلاف الوطني، وقطع العلاقات مع حزب العمال، وتمكين العرب من مناطقهم، وهي تتعدى مدينة الرقة وتصل إلى الحسكة، وليس بعض أريافها.

هل تستطيع الإدارة تجاوز قلة الفهم، وحرتقة بعض السياسيين العرب، وكأنهم يمثلون العرب فيها أو يمكنها التسلط على العرب من خلالهم. وقائع الحياة اليومية تقول عكس ذلك، وكما أوضحنا أعلاه؛ الإدارة متخوفة من أميركا ومن تركيا ومن النظام السوري ومن الأكراد المخالفين لها، ومن العرب الذين تتسلط عليهم، فهل من قلّة فهمٍ أكثر من ذلك في لحظة التخوّف من الانسحاب الأميركي؟