في زمن الكورونا.. أين زر ترامب الأكبر والأقوى؟

2020.05.12 | 00:01 دمشق

thumbs_b_c_5b915bf56698e97a59158ca28d28209e.jpg
+A
حجم الخط
-A

قطعاً، لم يكن يخطر ببال السيد دونالد ترامب أنه لن يستطيع استخدام زره الأحمر الأكبر والأقوى ولا أي زر آخر وهو يشهد تساقط الآلاف من الأميركيين موتى كل يوم؛ رئيس الولايات المتحدة الأميركية -الدولة الأقوى على وجه الأرض- لم يفوت يوماً مناسبةً ليذكرنا ويذكر العالم بأن لديه فائضا من القوة والاقتصاد وأن بلاده تصل في الفضاء الخارجي إلى أبعد مدى، وأنه يملك من الجرأة ما يجعله يتباهى بأن على مكتبه ما يمكّنه من أن يدمر الكوكب كله أو أي جزء منه، ويسحق من عليه وفي أدراجه ما يمكنه من حل مشاكله ومشاكل العالم لو شاء.. إلا هذه!

نعم، لقد تسمّر دونالد ترامب وقادة العالم جميعا لا حراك لهم أمام الجائحة وأسقط في أيديهم، حلولهم وقدراتهم وكل إمكانياتهم اليوم لن تحول دون انتشار الوباء "كوفيد-19" الذي ينتشر في العالم غير آبه بالحدود أو الدروب الطويلة، وغير مكترث للأزرار الحمراء الكبيرة والقوية، ليضع البشر أمامه صفا واحدا على سوية واحدة متشابهين، متباعدين مكممين مطأطي الرؤوس، يبحثون في أماكن آخرى عن حلول. أماكن بعيدة عن الترسانات العسكرية الهائلة ومصانعها ومكاتب الأمن القومية والمقرات الفاخرة للساسة أو المستشارين أو الاقتصاديين، الوباء حشرهم خلف الشاشات الصغيرة منها والكبيرة، ينتظرون ما سيقوله العلماء والباحثون والأطباء وهؤلاء بدورهم لا معلومات كافية لديهم.. لكننا اكتشفنا فجأة أنهم الأهم لحياتنا.

لم نكن كذلك من قبل ولم نتغير طوعا وكل ما كان محل نكران قبل أشهر أصبح واقعنا ومحور اهتمامنا لأننا أيضا بشكل مفاجئ تعرضنا لما يهدد بقاءنا "كلنا"، نحن الذين كنا نثق بأن البيوت تقي، والقصور الفارهة تحمي والأنظمة الصحية الاستثنائية وشركات التأمين ومخابر العلاج وغيرها من مكتسباتنا تساعد، والأهم أننا كنا كأي جزء من هذا البشرية يعول على القوة في وجه من يهدد حياتنا، شرط أن يكون العدو مثلنا من جنسنا أو نعرفه، مدرَك ومعروف نواجهه.. لكن ماذا لو كان شيئا غير حي صغيرا مجهريا مجرد فيروس متناه في الصغر لا يرى بل تحس أثاره.. ماذا سنفعل حياله؟

لا بد أن نتكاتف وتتضافر جهودنا لننجو معاً، هي إذن الوصفة السحرية التي لا بد منها ولا بد من إدراكها بأننا "لن ننجو إلا معا"، وما كل الاتهامات المتبادلة والمكابرة والتشفي وتصفية الحسابات إلا مؤخرات للنجاة ومعطلات لها.. فكيف ذلك؟

ذلك أن الخطر داهم والعدو واحد ولا يميّز بيننا لا عرقيا ولا دينيا ولا طبقيا، وكلنا ضحاياه وأهدافه، وحقبته التي نعايشها يجمع الخبراء أنها فاصلة في حياتنا، سابقاتها من يومياتنا لن تكون كلاحقاتها، هي حدود الطبيعة الجديدة التي سيكتب عن وقعها في سيرتنا والتي ستُعرّف أجيال بها. ثمة من عايش حقبة الكورونا وثمة من لم يعايشوها.

"حقبة الكورونا" الاسم الذي أصبح معروفا ومتداولا على ألسنة الخلق خوفا وتحسبا، حقبة استثنائية وكثيرة هي النواحي الاستثنائية فيها، نحن سكان الأرض نرقد في البيوت أو ما بقي منها، نجاور الفراغ والفزع ونحاذي الأمل، ننتظر، لا أعمال ولا أسواق ولا حركة في شوارعنا ولا ضجيج في حياتنا ولا حروب..

استثنائية الظرف الحالي ليست فقط في عزلتنا الإجبارية بل في تجمعنا أيضا. نحن اليوم عالم واحد للمرة الأولى تقريبا، نخاف كلنا، ننتظر معا ونحاول معا ونتحد لإيجاد مخرج ينجينا معا، كلنا فرض على نفسه تباعدا يقيه، وكلنا اقترب أكثر من الآخر ينتظر سلامته ليسلم، مدركين أننا قطيع واحد وأن السلامة عامة كما الموت عام، والفيروس الحقير لم يفرق بيننا متساوين أمامه وهذه أيضا من استثنائيات زمن الكورونا، فما من شيء ولا حدث استطاع سابقا أن يساوي بين غنينا وفقيرنا، قوينا وضعيفنا، حاكمنا ومحكومنا.. كأسنان المشط، إلا هذا الفيروس.

تمر يومياتنا مع الجائحة وننتظر كل خبر يأتي من أي مكان. محكومون باليقين ما إن يصل أياً كان للحل سنصل كلنا وموقنون أيضا أن الإفلات ليس فرديا، أولنا دونالد ترامب صاحب الزر الأكبر والأقوى الذي كان يهدد الآخرين ساخرا، يعرف أن النجاة جمعية ويعرف أن فردا مصابا في أقصى مجاهل أفريقيا يعني أن بلاده ما تزال بخطر. ما جمع هؤلاء الناس سوى العسر بعد أن فرقهم اليسر والأمنيات تبقى بأن يزول العسر باليسر.. واليسر في وحدتنا كبشر وإيماننا دائما بأننا سننجو معاً.

كلمات مفتاحية