في ذكرى الاحتلال الروسي لسوريا

2021.09.27 | 06:44 دمشق

hmymym.jpg
+A
حجم الخط
-A

أيام قلائل، وتكون روسيا قد بدأت عامها السابع في احتلال سوريا. تدخلت بذريعة محاربة الجماعات الجهادية، وإنقاذ النظام من بين فكيها. طيلة أعوام تدخلها، دمرت المدن والقرى، وقصفت المستشفيات والأسواق، وهَجرت ملايين السوريين. دعمت التدخل البري الإيراني والميلشيات الطائفية، التي هي مجموعات جهادية شيعية، ومقادة من الحرس الثوري الإيراني. ربما أنقذت النظام عسكرياً، ولكنها جعلت منه تابعاً ذليلاً لها، وضعيفاً إزاء إيران، وغير ذلك فرضت عليه مئات الاتفاقيات الاقتصادية ونهب ثروات سوريا، وشمل ذلك المطارات والموانئ والشركات الصناعية القديمة، ووضعت يدها على أغلبية فوسفات سوريا، وتطمح لوراثة أميركا والسيطرة على سلة سوريا من النفط والغاز والزراعة. عدا ما ذكرت، أصبحت روسيا مهيمنة على المفاصل العسكرية والأمنية للنظام.

استدعى قاسم سليماني الاحتلال الروسي للتدخل في سوريا. أيضاً، طلبت منه ذلك كل من السعودية والإمارات، وبالطبع وافقت أميركا وإسرائيل على ذلك. إذاً هناك توافق إقليمي ودولي واسع على اجتثاث الثورة، وإعادة تعويم النظام. إن شذوذ تركيا وأميركا عن التسليم الكامل لروسيا، "فرمل" سرعة الاجتثاث تلك، وكذلك رداءة قوات النظام، وكثرة الفصائل الرافضة له، وامتدادها على أغلبية الأرض السورية. الاستعصاءات الأخيرة، أجبرت روسيا على الاعتراف بدورٍ لتركيا وأميركا، وهذا اضطرها على الاستمرار في التحالف مع إيران في سوريا، وبدأت الخطط الاستراتيجية للتخلص من الثورة؛ فكانت الحكاية السمجة لخيار الأستانا وسوتشي واللجنة الدستورية، وتمّ تفريغ القرارات الدولية المناهضة للنظام من قوتها، وهمشت اتفاقيات جنيف، ولجنة التفاوض، وبالمثل شُطِب المجلس الوطني واستبدل بمؤسسة هزيلة، ونقصد الائتلاف الوطني لقوى لثورة والمعارضة. المسارات المتعددة هذه، تحكمت بها روسيا، واعتمدت عليها لإنهاك الفصائل والثورة، وبالوقت ذاته لم يتوقف طيرانها عن التدمير والتهجير والقتل والتخريب واستعراض القوة أمام تركيا وإيران خاصة، وتحوّل السوريون وممتلكاتهم إلى ساحاتٍ لتجريب الأسلحة الروسية الجديدة.

كان مسار أستانا، للإمعان في السيطرة على الثورة وسوريا والمعارضة، ولم يكن بقصد التقريب، وإيجاد الحلول

تعاملت روسيا مع سوريا كدولة لا خيارات وطنية لأهلها فيها، ولم تمارس أية ضغوط جادة للتقريب من وجهات نظر النظام والمعارضة. وكان مسار أستانا، للإمعان في السيطرة على الثورة وسوريا والمعارضة، ولم يكن بقصد التقريب، وإيجاد الحلول. روسيا المُغطاة بدولٍ إقليمية وعالمية لتدخلها لم تقترح تسوية للوضع السوري، وعكس ذلك راحت تأخر الحل السياسي، وتمتن من وجودها العسكري، وترهن مستقبل النظام وسوريا بها، وذلك عبر الاتفاقيات الاقتصادية الكثيرة.

لم تتدخل روسيا ضد الثورة مع الطلب الإقليمي والدولي لاحتلالها. لا، كانت روسيا تدافع عن النظام دبلوماسياً وعبر مجلس الأمن الدولي وهيئات الأمم المتحدة منذ 2011. ورفع فيتويات عديدة "16"، تناهض بها مصالح الشعب السوري ولصالح النظام. إذا هناك رفض جذري لفكرة الثورة السورية، وغير السورية. الرفض الروسي للثورات أصبح معروفاً، حيث تقرن الثورات بأميركا وأوروبا، وكأنّ الشعوب لا تثور، وإن ثارت يجب اجتثاث ثوراتها! مشكلتنا مع روسيا أنها تجاهلت من استدعاها لإنقاذ النظام، ورفض المسارعة إلى التسوية. روسيا تريد سوريا خالصةً لها إذاً، وهذا هو مخططها منذ 2011، وليس مع لحظة تدخلها العسكري 30 أيلول 2015.

روسيا لا تثق بأميركا وأوروبا، اللتين تدخلتا في ليبيا، وأنهتا صديقها معمر القذافي. وعدا ذلك، روسيا ترفض فكرة الثورات منذ أن انتصرت الثورات الملونة في محيطها، واستقلت بذاتها، وأدارت الظهر لموسكو، واتجهت نحو واشنطن أو أوروبا. عدم ثقة روسيا بالشعب السوري وبمن طلبها لاحتلال سوريا، هو ما يدفعها نحو انتهاج طريق خاص لفرض هيمنتها على سوريا.

أوضحنا أنها تسيطر على النظام، والأخير أصبح طوع بنانها. مشكلة روسيا الفعلية مع بقايا الأماكن الخارجة عن النظام ومع تركيا وأميركا وإسرائيل وإيران؛ فلكل من هذه الدول مصالح في سوريا، ولها -باستثناء إسرائيل- جيوش، ولتحقيق هيمنتها الكاملة، تحتاج إلى مفاوضات مستمرة، لتتمكن من ذلك. مشكلة روسيا ليست في المفاوضات، التي تنعقد، ومنذ 2015 مشكلتها أنها تريد تعويم النظام ورأسه، وهنا الخطأ الأكبر لديها. حيث لا أميركا ولا أوروبا ولا تركيا راغبة بذلك، ولكن هذه الدول غير راغبة كذلك في الضغط على روسيا لتتقدم بتسويةٍ، تنقذ الوضع المعقد، الذي وصلت إليه سوريا، نظاماً ومعارضة. القضية لا تكمن في ضعف تلك الدول، بل في استفادت تلك الدول من الوضع المتأزم والمعقد، وبالتالي تعمق من وجودها ودورها في مستقبل سوريا. لقد صار لتركيا مصالح أكبر الأن مما كانت عليه حينما كانت داعمة للفصائل، وكذلك لأميركا مصالح، فهي تسيطر على منطقة غنية بأهم ثروات سوريا، وإيران أيضاً أصبح لها مصالح كبرى في سوريا، وأن أيّة تسويّةٍ لا يكون الشعب السوري فيها هو المقرّر، ويطالب بإخراج إيران بشكل كامل، وإجبارها على دفع تعويضات للتضرر الواسع الذي عاناه السوريون بسبب دعمها لنظام القتل، ستكون تسوية مناهضة لمصالح السوريين، وضامنة لمصالح إيران ولا سيما الاقتصادية!

الوضع السابق، يقول إن روسيا لم تتمكن من فرض استراتيجيتها بعد ست سنوات، وأصبحت الدول المتدخلة أقوى في سوريا، وأية تسوية تتطلب أخذ مصالح تلك الدول، وعدا كل ذلك إن مصالح روسيا ووجودها سيكون عرضة للتدهور والرفض والملاحقة القانونية لما فعلته بالشعب السوري، والآن يفترض أن تُرفع الدعاوى القضائية ضدها وملاحقة قادتها أمام المحاكم الدولية! إن قوة الروس في سوريا تتعلق بالتوكيل الدولي والإقليمي لها باحتلال سوريا، وضعف الروس، يتعلق بسوء استراتيجيتهم منذ 2011، وفشلها الآن.

الفشل ذاك، يوضحه محاولات روسية الدؤوبة لعقد الصفقات بخصوص سوريا مع الإدارة الأميركية، والتشاور المستمر مع تركيا، واستمرار الوجود الإيراني، والتدخل الإسرائيلي المستمر. تعد روسيا الآن أكبر المتحكمين في النظام، وأكثر من يُصادر مستقبل السوريين، ولكنها ومعها إيران تعدُّ أكثر الدول مكروهة من أغلبية الشعب السوري. هذا الشعب، الذي ينتظر أية صفقة، ليعيد ترتيب أولوياته، واستراتيجياته، والبدء باستنهاض مجتمعه، وهذا سيؤدي مباشرة إلى إعادة التوزان في علاقاته مع الدول، وأوّلها المُحتلة لسوريا، وترتيب خروجها، وإعادة النظر بكل الاتفاقيات التي وقعتها مع النظام الحالي، الفاقد لكل شرعية وأقلها منذ 2011.

روسيا ستخسر مع أيّة تسوية قادمة، وأوهامها عن انسحاب أميركي لن تتحقق من دون شروط تتعلق بتغيير في النظام أو طرد إيران

في الذكرى السادسة، لم يعد الثائر متضرّراً من ذلك الاحتلال بل وحتى الشعب الرمادي والمؤيد. إن الأخير أصبح يترك بالأشهر الأخيرة سوريا وبآلاف الأفراد، وهذا سيُعقد المشهد المستقبلي أكثر فأكثر، حيث ستكون عودة السوريين مرتبطة بالضرورة بتغييرٍ كبير في النظام السياسي، وباتفاقياتٍ تحدّ بصورةٍ كبيرة من التدخلات الإقليمية والدولية. إن الوضع السوري، وكمية الدمار والقتل والتهجير، تقتضي بالضرورة تسوية تنطلق من بيان جنيف الأول، وتشكيل هيئة حكم انتقالي مستقلة، وشطب أغلبية قيادات النظام، السياسية والعسكرية والأمنية.

روسيا ستخسر مع أيّة تسوية قادمة، وأوهامها عن انسحاب أميركي لن تتحقق من دون شروط تتعلق بتغيير في النظام أو طرد إيران، ولن تتمكن من فرض الأمر الواقع على تركيا في الاجتماع المقبل بين بوتين وأردوغان في 29 أيلول الجاري، واستمرار تحالفها مع إيران، لن يساعدها في فرض هيمنة مطلقة على السوريين وثرواتهم ومستقبلهم.

أميركا ستظلُّ لاعباً أساسيّاً في الشأن السوري، وإسرائيل لن تسمح باستمرار إيران في سوريا، وهذا عكس الرؤى التي تتعامل مع ذاتها كمسلمات، وأن النظام السوري قُبِل في المحيط الإقليمي ويعاد تعويمه دوليّاً كذلك. ستتقلص شعبية روسيا أكثر فأكثر، وبالتالي ستكون اتفاقياتها ومصالحها على طاولة الرفض الشعبي مع أوّل تسويةٍ ستجري. وهذا سبب مركزي لتأجيلها إجراء تسوية سياسية، وجميع أشكال التغيير التي أحدثتها منذ 2015، لن تشرع وجودها لدى الشعب السوري، المعارض أولاً، والمؤيد ثانياً.