في حيثيات المواقف من التطبيع مع الأسد

2021.11.15 | 05:24 دمشق

_121524581_gettyimages-1236462756.jpg
+A
حجم الخط
-A

أثارت الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الإماراتي إلى دمشق في التاسع من شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري ولقاؤه بشار الأسد، ضجيجاً إعلامياً وسياسياً، وبالرغم من أنها جاءت تتويجاً لمسار تطبيع مع نظام الأسد بدأته الإمارات منذ مدّة، وفي وقت يتسارع فيه قطار التطبيع العربي مع النظام.

وتباينت حيثيات المواقف الدولية والإقليمية حيالها، وهي بالمناسبة مجردة من أي بعد أخلاقي أو إنساني ومحكومة بالمصالح والتوجهات، حيث أكدت الولايات المتحدة الأميركية على عدم دعمها لأي جهود للتطبيع مع نظام الأسد أو لإعادة تأهيله، مع الدعوة إلى النظر في الفظائع التي ارتكبها "الديكتاتور الوحشي"، لكن بالرغم من إبدائها بعض القلق من الزيارة، إلا أنها في الوقت نفسه لم تظهر أي رفض أو اعتراض على خطوات للتطبيع العربي مع النظام، لذلك لا مانع لديها من ذهاب الراغبين من مسؤولي الأنظمة إلى دمشق، إذ ما يزال موقفها هو نفسه الذي أبدته حيال مبادرة الملك عبد الله الثاني، التي حاول تسويقها في واشنطن منذ بضعة أشهر، وتنهض على معادلة أن النظام باق في السلطة، والأفضل التطبيع معه بدلاً من تركه على حاله. ووفق هذا التفضيل طالب أنظمة الدول بأن تكون "ناضجة في تفكيرها".

جاءت المواقف العربية المؤيدة للزيارة من طرف مسؤولين في الأنظمة العربية التي ركبت قطار التطبيع مع نظام الأسد

وعلى منوال الموقف الأميركي نفسه تقريباً، جاءت مواقف بعض الدول الأوروبية، وخاصة بريطانيا غير المؤيدة للخطوة، وفرنسا التي اعتبرتها شأناً سيادياً لا تتدخل فيه، لكن اللافت هو عدم صدور أي موقف علني من طرف ساسة موسكو حيال الزيارة، مع أنهم أسهموا في دفع الخطوات التي قامت بها الإمارات حيال نظام الأسد منذ إعادة فتح سفاراتها عام 2018، ولم يكفوا عن مطالبة الأنظمة العربية وغيرها بالتطبيع مع نظام الأسد، وحثها على مساعدته وعلى الإسهام في إعادة الإعمار وعودة اللاجئين.

وجاءت المواقف العربية المؤيدة للزيارة من طرف مسؤولين في الأنظمة العربية التي ركبت قطار التطبيع مع نظام الأسد، حيث سارع وزير خارجية الجزائر، رمطان لعمامرة، إلى الترحيب بالزيارة ومباركتها، مع تجديد الدعوة إلى مشاركة النظام في القمة العربية المقبلة، وإلى ضرورة عودته إلى حضن الجامعة العربية، وذلك تماشياً مع الموقف الذي اتخذته بلاده منذ بداية الثورة السورية بالوقوف إلى جانب نظام الأسد، الذي لا يفترق كثيراً في طبيعته العسكرية والأمنية عن النظام الجزائري، وبالتالي ليس مستغرباً أن يلتقي الموقف الجزائري مع الموقف الإيراني الذي عبّر عنه وزير خارجية إيران، أمير عبد اللهيان، لنظيره الإماراتي، واعتبرها خطوة إيجابية، وموضع ترحيب لدى نظام الملالي في طهران، كونها تأتي في سياق فك العزلة عن نظام متهم، وفق تقارير أممية ودولية، بارتكاب شتى أنواع جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية ضد الشعب السوري.

ووفق هذا السياق كان من الطبيعي أن يحتفل حزب الله اللبناني بالزيارة، ويعتبرها أمينه العام "اعترافاً بانتصار بشار الأسد"، وانتصار لأنظمة الممانعة وميليشياتها الطائفية، بالرغم من أنها لاقت صداها المطمئن في تل أبيب، وجاءت من طرف نظام بات يحظى بأفضل العلاقات مع إسرائيل بعد أن قام بالتطبيع الكامل معها.

وإن كان نظام الأسد سعيداً للغاية بالزيارة، التي اعتبرها دلالة على صواب موقف الإمارات وموضوعيته، إلا أن تعدد المواقف العربية حولها لا شك في أنه يعود إلى وجود حيثيات وأسباب خاصة بكل دولة عربية، بمن فيها تلك التي تهرول مسرعة باتجاه التقارب مع نظام الأسد. وقد يبدو مناسباً أو مفهوماً استغلال وزير خارجية الأردن، أيمن الصفدي، الزيارة من أجل تبرير الدور الذي تقوم به بلاده في تحريك ملف التطبيع مع نظام الأسد، وإرجاعه ذلك إلى "غياب أي استراتيجية فعالة لحل الصراع السوري"، مع أنه لم يخفِ وجود أسباب داخلية دفعت النظام الأردني إلى لعب هذا الدور، لكنه لجأ إلى لغة مخاتلة والتذرع بوجود 1.3 مليون لاجئ سوري، في حين صمت عن حيثيات طلب الملك عبد الله الثاني، خلال زيارته الأخيرة إلى واشنطن، من الرئيس الأميركي جو بايدن، استثناء الأردن من عقوبات قيصر، من أجل صفقة توريد الغاز المصري والكهرباء الأردنية إلى لبنان عبر الأراضي السورية.

اللافت أن الزيارة تبعتها خطوة إماراتية أخرى للتطبيع مع نظام الأسد على المستوى الاقتصادي، وذلك بالإعلان عن اتفاق يقضي بإنشاء محطة توليد كهرضوئية في ريف دمشق. وهي خطوة من المفترض أن تصطدم بقانون "قيصر" الأميركي، لكن يبدو أن الإدارة الأميركية الحالية ليس في وارد تطبيقه حيال خطوات التطبيع، وسبق لها أن قدمت استثناءات منه للأردن ومصر ولبنان في إطار صفقة توريد الغاز والكهرباء إلى لبنان، وقبلها تغاضت عن فتح الأردن لمعبر جابر/ نصيب الحدودي وسوى ذلك.

تحاول الإمارات أن تلعب دوراً محورياً في ملفات المنطقة، وأن تظهر نفسها بوصفها لاعباً إقليمياً محورياً يمكن الاعتماد عليه أميركياً وروسياً

ولا تبتعد حيثيات التطبيع الإماراتي مع نظام الأسد عما يجري من تحولات في منطقة الشرق الأوسط، بحيث يمكن القول إنها تندرج في سياق بحث حكام الإمارات عن سبل تقوية تموضعهم الجيوسياسي الجديد فيها، وذلك بالتزامن مع محاولات جميع دول الإقليم إشغال الفراغ الذي سيخلفه الانسحاب الأميركي منها، والذي بدأ في كل من أفغانستان والعراق، وقد يمتدّ قريباً إلى سوريا، لذلك تحاول الإمارات أن تلعب دوراً محورياً في ملفات المنطقة، وأن تظهر نفسها بوصفها لاعباً إقليمياً محورياً يمكن الاعتماد عليه أميركياً وروسياً، وربما ليس مصادفة أن تسبق زيارة الوزير الإماراتي انعقاد جولة جديدة من المحادثات الاستراتيجية حول الملف السوري، بين مسؤول الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي الأميركي بريت ماكغورك"، والمبعوث الرئاسي الروسي إلى سوريا "ألكسندر لافرنتييف".

بالمقابل، لاقت خطوات التطبيع مع نظام الأسد إدانات واسعة من طرف شخصيات وقوى في المعارضة السورية، إلا أنها بقيت مجردة، ودون أن يبنى عليها مواقف وحمولات سياسية، ولم تبتعد عن مشاعر الأسى والخيبة من مواقف القوى الفاعلة في المجتمع الدولي حيال القضية السورية، خاصة وأن نظام الأسد المتهم بارتكاب جرائم حرب لا تُحصى، بات مقبلاً على العودة إلى المجتمع الدولي، ولم يحاسبه أحد على جرائمه، في إفلات كلي من العقاب.