في تغير السياسة التركية حيال نظام الأسد

2022.08.21 | 07:10 دمشق

 في تغير السياسة التركية حيال نظام الأسد
+A
حجم الخط
-A

ليس المهم أن يعود وزير الخارجية التركي، مولود جاووش أوغلو، إلى تصحيح كلمات وردت في تصريحاته السابقة حول ضرورة "المصالحة" بين المعارضة السورية ونظام الأسد من أجل الوصول إلى السلام والاستقرار في سوريا، والقول إنها حُرفت من طرف جهات لم يُسمها، وإنه استخدم كلمة "توافق" بدل "مصالحة"، لأن الأهم هو أن كل المواقف والتصريحات التي بدأت تخرج مؤخراً من الأوساط السياسية والإعلامية في أنقرة، تشير إلى حدوث انعطافة في التعامل التركي مع القضية السورية. وهي انعطافة ليست وليدة تصريحات معزولة أو زلات لسان بعض المسؤولين، بل تعبّر عن تغيرات في المسار والتوجهات، وفي ترتيب الأولويات والهواجس التركية، وبما ينبئ بأن المرحلة المقبلة قد تشهد تطورات في العلاقات بين تركيا ونظام الأسد، بالافتراق مع ما كانت عليه طوال أكثر من عشر سنوات ماضية.

كانت مظاهرات مختلفة وفارقة هذه المرّة، لأنها عبّرت ليس فقط عن رفض قاطع للمصالحة مع نظام الأسد، بل عن انفجار غضب شعبي نتيجة الامتعاض والاستياء من السياسات التركية

ربما أراد جاووش أوغلو التخفيف من وقع تصريحاته على أوساط المعارضة السورية الرافضة للمصالحة، وامتصاص غضب السوريين، وخاصة أولئك الذين خرجوا في مظاهرات شعبية رافضة، شملت جميع مناطق النفوذ التركي في الشمال السوري، وكانت مظاهرات مختلفة وفارقة هذه المرّة، لأنها عبّرت ليس فقط عن رفض قاطع للمصالحة مع نظام الأسد، بل عن انفجار غضب شعبي نتيجة الامتعاض والاستياء من السياسات التركية المطبقة في مناطقهم وممارسات قوى الأمر الواقع المتحالفة مع تركيا، ومما يتعرض لها اللاجئون السوريون في تركيا من ممارسات وحملات كراهية.

وسبق للوزير التركي نفسه أن اعتبر إخراج الإرهابيين، ويقصد بهم "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) وحزب الاتحاد الديمقراطي (الكردي) ومخرجاته، من المناطق التي يسيطرون عليها في شمالي سوريا هو "حق طبيعي للنظام"، وأن بلاده على استعداد لتقديم "كل أنواع الدعم السياسي لعمل النظام السوري في هذا الصدد"! الأمر الذي يشي بأن تصريحاته لا تخرج عن سياق تغيرات الموقف التركي حيال نظام الأسد، بل هي امتداد لتصريحات ومواقف كثيرة أطلقها كبار المسؤولين الأتراك منذ بضع سنوات، وتنسجم مع النزوع التركي نحو إيجاد تسوية مع نظام الأسد، وبما ينسجم مع مصالح تركيا، التي باتت تجد أولويتها في مواجهة ما يعتبرونه الخطر الكردي على الأمن القومي التركي، خاصة بعد أن أدركوا بأن ممكنات العملية العسكرية، التي كانوا يهددون بالقيام بها منذ عدة أشهر ضد قوات سوريا الديمقراطية في الشمال السوري، قد تبخرت، بالنظر إلى الرفض الروسي والإيراني، وحتى الأميركي، لها، لذلك توجب عليهم البحث عن مخارج للأزمة المترتبة على ما بعدها من استحقاقات وتحديات.

من جهته، اعتبر نائب رئيس حزب "العدالة والتنمية" الحاكم في تركيا، حياتي يازجي، بعد أيام قليلة من توضيحات وزير الخارجية التركي حول المصالحة بين المعارضة السورية ونظام الأسد، أن العلاقات غير المباشرة مع النظام السوري، "قد تصبح مباشرة، بالتزامن مع زيادة المناخ الملائم في المستقبل". أما زعيم حزب الحركة القومية، دولت بهجلي، الحليف الأساسي للرئيس إردوغان، فقد عبّر بدوره عن دعمه لرؤية وزير الخارجية، معتبراً أن خطوات تركيا في سوريا قيمة ودقيقة، وأن "التصريحات البناءة والواقعية لوزير خارجيتنا حول إحلال السلام بين المعارضة السورية ونظام الأسد هي بمنزلة المتنفس القوي للبحث عن حل دائم للمسألة السورية، لا يجب أن ينزعج أحد من هذا الأمر". وذهب بهجلي إلى القول إن "رفع مستوى العلاقات بين تركيا ونظام الأسد إلى مستوى المحادثات السياسية، وذلك بغية التنسيق المشترك في محاربة التنظيمات الإرهابية، قد يكون أحد الموضوعات في الأجندة السياسية المقبلة لغاية عام 2023".

وسارع "حزب الوطن"، إلى الإعلان عن أن زعميه، دوغو برينشاك، الذي يعتبر حليفاً لحزب العدالة والتنمية وللرئيس رجب طيب أردوغان من خارج الحكومة، يعتزم التوجه إلى دمشق، خلال الأيام القليلة المقبلة، للقاء رئيس النظام السوري بشار الأسد، وسيصطحب معه رجل الأعمال، أدهم سنجق، المقرّب من موسكو، والذي انشق مؤخراً من حزب العدالة والتنمية الحاكم وانضم إلى صفوف حزب الوطن.

يسعى حزب العدالة والتنمية الحاكم إلى تحقيق إنجاز على صعيد ملف اللاجئين السوريين، بغية سحب ورقتهم من التداول بين أيدي أحزاب المعارضة

وإذا كان الرئيس إردوغان لم يخفِ، لدى عودته من سوتشي، مطالبة الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بأن تنسق تركيا مع نظام الأسد لمعالجة هواجسها الأمنية، فإنه إذا أضفنا إليها محاولات إيران التوسط ما بين تركيا والنظام، فإننا سنقف على وجود عوامل خارجية تدفع نحو التطبيع التركي مع الأسد، وتسهم في تفسير المسار الذي تحدث في التغيرات والانعطافات في المواقف السياسية التركية، التي تأتي مدفوعة بشكل أساسي باستحقاقات الانتخابات الرئاسية والنيابية المزمع إجراؤها في منتصف حزيران/ يونيو المقبل، والتي بدأت حملاتها الانتخابية مبكراً، سواء من طرف قوى المعارضة أم من طرف حزب العدالة والتنمية الحاكم، حيث تمكنت المعارضة من توظيف ورقة وجود اللاجئين السوريين في تركيا بقوة في البازار الانتخابي، واعتبرتهم سبباً لتردي الأوضاع الاقتصادية التركية، وراحت توجه انتقادات واسعة لسياسات الحكومة حيال التعامل مع الملف السوري، وتتوعد بأن تعيد العلاقات مع نظام الأسد في حال فوزها بالانتخابات المقبلة، لذلك يسعى حزب العدالة والتنمية الحاكم إلى تحقيق إنجاز على صعيد ملف اللاجئين السوريين، بغية سحب ورقتهم من التداول بين أيدي أحزاب المعارضة، وتقديم نفسه للناخب التركي على أنه قادر على حل هذه القضية، من خلال إعادة ليس فقط مليون لاجئ سوري إلى "بيوت الطين" في مناطق الشمال السوري، بل إعادتهم جميعاً من خلال التنسيق والتوافق مع نظام الأسد، حتى وإن تطلب الأمر إحداث تغيير جذري في التعامل التركي مع القضية السورية.

غير أنه، بالمقابل، لا يمكن التعويل على إمكانية تغير مواقف نظام الأسد، بالنظر إلى طبيعته المتوحشة، ولا على ما اُعتبر ملاقاة من طرفه للتصريحات والمواقف التركية، والتي جسدها حديث وزير الدفاع في حكومة النظام السوري، علي محمود عباس، عن استعداد النظام "لتقبل أي دولة تأتي كصديقة ومحبة"، وأنها تتطلع قدماً إلى تعزيز التعاون مع الدول الصديقة والحليفة في المجالات كافة، ولا سيما في مجال "مكافحة الإرهاب وإعادة الإعمار وترسيخ الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم"، وبالتالي فإن ما ذهبت إليه بعض التقارير الصحفية التركية في الحديث عن شروط لعودة اللاجئين من أجل المصالحة وتطبيع العلاقات هو مجرد تخمينات وأمنيات.