في تعامل الروس مع القوى الكردية

2021.11.29 | 05:51 دمشق

-e1598885482235.jpg
+A
حجم الخط
-A

يدرك الساسة الروس الموقف الضعيف لحزب الاتحاد الديمقراطي ومخرجاته العسكرية والمدنية، ممثلة بوحدات حماية الشعب عماد قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، والإدارة الذاتية ومعها مجلس سوريا الديمقراطي (مسد) وغيره، وذلك بالنظر إلى المستجدات والتطورات التي حصلت مؤخراً مع تزايد الحديث عن انسحاب عسكري أميركي محتمل من سوريا، وتهديدات تركيا المتكررة بشن عملية عسكرية في الشمال السوري، فضلاً عن نظام الأسد الذي يتحين الفرصة المناسبة للانقضاض على المنطقة، وعن النقمة المتزايدة للعشائر العربية على سلطة الأمر الواقع في مناطق الجزيرة السورية، التي باتت تعرف باسم مناطق شرق الفرات.

وعلى أساس الموقف الضعيف والخيارات المحدودة يجري الساسة الروس اتصالاتهم ومفاوضاتهم مع الإدارة الذاتية، التي شكلها حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي منذ عدة سنوات في مناطق شمال شرقي سوريا، بمشاركة رمزية لبعض الحلفاء المحليين من عشائر عربية وقوى سريانية وآشورية وسواها من القوى التي لا وزن لها ولا تأثير على الأرض.

يجد حزب الاتحاد الديمقراطي نفسه، اليوم، مضطراً للتحاور مع النظام برعاية روسية، ومتخلياً عن شعاراته وطموحاته السابقة، التي أوهم بها الأكراد السوريين

وعلى أساس الموقف نفسه تعامل الروس مع وفد الإدارة الذاتية الذي زار موسكو مؤخراً، ومع جميع مخرجات قوى الأمر الواقع الكردية في مناطق شرق الفرات، وذلك من أجل إيجاد تسوية أو "مصالحة" يعيدون فيها ترتيب علاقة تلك القوى مع نظام الأسد، وفي إطار ما يردده قادة الكرملين عن "ضرورة المحافظة على وحدة واستقلال سوريا، أرضاً وشعباً"، التي يرفعونها شعاراً أو يافطة بوجه القوى المتدخلة الأخرى في القضية السورية، كي يحافظوا على كونهم القوة الوحيدة التي لها حق التدخل في كل ما يعني سوريا، أرضاً وشعباً، بوصفهم يمثلون قوة الاحتلال الأقوى فيها.

ويجد حزب الاتحاد الديمقراطي نفسه، اليوم، مضطراً للتحاور مع النظام برعاية روسية، ومتخلياً عن شعاراته وطموحاته السابقة، التي أوهم بها الأكراد السوريين، وكانت مجسدة في أطروحات مثل إقليم روج آفا وشعب غرب كردستان والفيدرالية، وبات يتودد نظام الأسد، ويكتفي في القبول بتشكيل لجنة لدراسة قانون الإدارة المحلية، والنظر في مصير ميليشياته المسلحة التي يسميها "وحدات حماية الشعب" وسوى ذلك.

ولا يتردد المسؤولون الروس عن الكشف أن مسؤولين أكراداً، في حزب الاتحاد الديمقراطي وسواه، هم من طلبوا منهم المساعدة والتوسط في إقامة جسور مع نظام الأسد، وأن تواصلهم مع جميع الهياكل الكردية، يهدف إلى اطلاعها على مواقف موسكو، والطلب منها بأن تبدي استقلاليتها عن أجندة ومواقف الولايات المتحدة في سوريا، واستعدادها للانخراط في حل كل المسائل والقضايا العالقة مع نظام الأسد، والذي يرونه في الاتفاق والتفاهم مع النظام على تشكيل لجنة خاصة، لمناقشة قانون الإدارة المحلية، والهيكلية الإدارية في المناطق الشمالية والشرقية، "وإعادة تأهيل اقتصادها ومجالها الاجتماعي وعودة اللاجئين والنازحين وتقديم المساعدات الإنسانية للمحتاجين إليها".

ولم تنقطع علاقات واتصالات حزب الاتحاد الديمقراطي، ومعه الإدارة الذاتية، مع نظام الأسد خلال السنوات الماضية، كما أن النظام لم يتوقف عن مطالبة هذا الحزب ومخرجاته العسكرية والمدنية بإرجاع الدين الذي قدمه لهم من قبل، لذلك لا يعترف بالإدارة الذاتية بوصفها كياناً منفصلاً عنه، ولا يتقبل واقع التغيير الذي حصل في كامل الأرض السورية بعد عام 2011، وما يزال يتمسك بالعقلية نفسها التي أدت إلى تغيير الأوضاع بشكل كارثي بالبلاد، الأمر الذي يفسر عدم محاورة النظام بشكل جدي مع أي من الأطراف السورية، وليس فقط الإدارة الذاتية.

وبالرغم من خوض القوى السياسية والعسكرية الكردية، الحاكمة في شرق الفرات، حوارات مع نظام الأسد، فضلاً عن حفاظها لوجود عسكري وأمني وإداري له في القامشلي والحسكة، إلا أن النظام ما يزال يصر على إعادة الأمور إلى سابق عهدها قبل الثورة السورية، بالرغم من أن حزب الاتحاد الديمقراطي ومخرجاته العسكرية والسياسية وقفت ضد الثورة وناسها، ولاحقت ناشطيها، ومالت إلى مواقف النظام، لكن كل ذلك لم يشفع لها عند النظام الأسدي.

ويبدو أن تلك القوى الكردية المسيطرة تتوهم بأنها يمكن أن تلعب على وتر وجود فروقات وتباينات بين مواقف نظام الأسد ومواقف الروس الذين أكدوا مراراً على استعدادهم لمواصلة الجهود كي يساعدوا، حسبما كرره بيان الخارجية الروسية مؤخراً، "في توصل السوريين إلى اتفاقات بمختلف الصيغ من أجل استعادة سيادة ووحدة أراضي سوريا بالكامل بأسرع ما يمكن، وضمان الحقوق المشروعة للمجموعات الإثنية والدينية في البلاد".

ولا شك في أن التركيز على استعادة سيادة ووحدة أراضي سوريا، يعني أن ذلك لا يتم، بالنسبة إلى الروس، إلا عبر عقد مصالحة في مناطق سيطرة القوى الكردية على غرار مصالحة درعا والمنطقة الجنوبية التي جرت مؤخراً، والتي أفضت إلى عودتها لحضن نظام الأسد. كما أن وحدة الأرض السورية يريدها الساسة الروس أن تكون كاملة تحت نير حكم النظام، أما الحديث عن ضمان الحقوق المشروعة للمجموعات الإثنية في سوريا، فالأمر لا يتعدى في قناعتهم عن جملة من الحقوق الثقافية واللغوية، وربما الإدارية، لكن لن يصل إلى الحقوق القومية والسياسية، التي يطرحها قادة القوى السياسية الكردية المسيطرة على مناطق في شرق الفرات في شعاراتهم.

المفترض أنه لا يخفى على القوى الكردية أن استراتيجية روسيا في مناطق شرق الفرات، لا تخدم مصلحة السوريين بتاتاً، لا كردهم ولا عربهم ولا أي مكون آخر

وتظهر النوايا الروسية حيال مناطق شرق الفرات من خلال طرحهم المتكرر لمقترح يقضي بدخول عناصر من الشرطة الروسية و3 آلاف من جنود وضباط قوات النظام إلى عين العرب/ كوباني، والذريعة هي "حمايتها من خطر الغزو التركي الذي لا يزال قائماً وداهماً". وهو أمر يدرك الجميع بأنه لو تحقق سيفضي إلى تكرار سيناريو مصالحات مناطق درعا وسواها.

والمفترض أنه لا يخفى على القوى الكردية أن استراتيجية روسيا في مناطق شرق الفرات، لا تخدم مصلحة السوريين بتاتاً، لا كردهم ولا عربهم ولا أي مكون آخر، كونها لا تخرج عن مقتضيات الصراع على الشمال السوري، وتنطلق من السعي إلى توسيع نفوذها في كامل الأرض السورية، وحثّ تلك القوى ومخرجاتها على التحاور مع النظام بغية التوصل معه إلى اتفاق مصالحة أو تسوية، تفضي إلى عودة أجهزته الأمنية إلى المنطقة وانتشار قواته على الحدود مع تركيا، إلى جانب عودة جميع المنشآت النفطية والمرافق الإدارية والحيوية الأخرى إلى سيطرته، وبناء تفاهمات معه حول مستقبل الإدارة الذاتية كإدارة محلية، ودمج مقاتلي سوريا الديمقراطية في جيش النظام أو فيلق روسي جديد.