في "بسطة القسم".. قافلة بشار الأسد تبيع الأوهام والحضور يصفقون

2021.07.17 | 19:26 دمشق

5000.jpg
+A
حجم الخط
-A

أدى بشار الأسد اليوم السبت "القسم الدستوري" رئيساً للنظام، في الوقت الذي كان فيه أهالي جبل الزاوية يدفنون 6 مدنيين قتلتهم قذائف قواته صباح اليوم، في حالة تلخص خطابه الطويل المليء بالأوهام والكذب الوقح.

ترقب السوريون خطاب بشار في آذار عام 2011 وتوقعوا حينها قرارات بالإصلاح ومحاسبة القتلة، لكن الأخير لخصه بمقولته "إذا فرضت علينا المعركة فأهلاً وسهلاً"، ومنذ ذلك الحين وبعد أن رسم الأسد قواعد المواجهة مع الشعب لم تعد خطاباته محط اهتمام السوريين، أما أولئك المهتمون فلم يكن باستطاعتهم مشاهدته لعدم توفر الكهرباء.

عرض بشار الأسد بسطة الأوهام في خطاب "القسم" الطويل أمام الحضور الذين غلب بعضهم النعاس، ولم يوقظهم إلا التصفيق. فتحدث عن السيادة والانتصارات والصمود والعزيمة والتحدي والانتماء والعملاء والإرهابيين..

وبحسب وكالة أنباء النظام "سانا": "شدد الرئيس الأسد على أن الشعب الذي خاض حرباً ضروساً واستعاد معظم أراضيه بكل تأكيد قادر على بناء اقتصاده في أصعب الظروف وبالإرادة والتصميم نفسهما، مؤكداً أن قضية تحرير ما تبقى من أرضنا من الإرهابيين ومن رعاتهم الأتراك والأمريكيين تبقى نصب أعيننا".

الآن قرر بشار أن يكون "تحرير ما تبقى" نصب أعينه، ولكن ربما يحتاج لوقت أكثر لينتهي من 477 قاعدة وموقعاً عسكرياً لـ 3 دول أجنبية تنتشر في سوريا، بحسب ماكشف عنه مركز "جسور" للأبحاث مطلع العام الجاري.

كان وهم بناء الاقتصاد ووهم السيادة ووهم استعادة السيطرة أبرز المعروضات في "بسطة القسم"، فما إن فرض الأسد نفسه في "انتخابات الرئاسة" مجدداً حتى صدرت قرارات الضرائب ورفع الأسعار وخفض الدعم تباعاً، وزاد تقنين الكهرباء في فصل الصيف الحار وأصبحت المياه منالاً صعباً للسوريين حتى كادت أن تدخل ضمن مخصصات "البطاقة الذكية".

المجال الخدمي لا يهدد حياة السوريين الذين أعلنوا استسلامهم وتبخر آمالهم بظهور تحسن ولو طفيف فيه، لكن قطاع الزراعة المتدهور وإحصائيات هذا العام تشي بكارثة الطوابير مجدداً، فوزير الزراعة في حكومة النظام محمد قطنا اعترف أن خطة "عام القمح" فشلت فشلاً ذريعاً، وقال إنه "كان من المقدر أن تنتج المساحات المزروعة بعلاً مليوناً و200 ألف طن من القمح وتقديراتنا حالياً أنها قد تصل إلى 300 ألف طن فقط".

وحتى لو نجحت خطة القمح التي روج لها النظام كثيراً، فكان سينقصه مليار دولار أميركي ليسد الحاجة، في وقت امتنعت فيه الشركات الروسية من توريد كميات من القمح لسوريا.

هذه الإحصائيات التي ربما تكون أسوأ مما ذكره الوزير، تنذر بكارثة خبز لا تشبه سابقتها العام الفائت، وربما سيضطر  برنامج الأغذية العالمي لتعديل إحصائيته الأخيرة بأن 12.4 مليون سوري أي أكثر من 60 في المئة من السكان يعانون من انعدام الأمن الغذائي والجوع، وهو ضعف الرقم المسجل في 2018.

رفع الأسد الرواتب 50% بعد أن ارتفعت أسعار المواد الغذائية الأساسية 300 - 500 %، في حين فُقدت مواد "مدعومة" من مؤسسات السورية للتجارة.

أما فيما يتعلق بالمحروقات، فأسطوانة الغاز أصبح سعرها 100 ألف ليرة سورية، ما يعني راتب موظف لمدة شهر بعد "المكرمة والزيادة الأسدية".

وقبل أسبوع أصدرت حكومة الأسد، قراراً رفعت بموجبه سعر مادتي الخبز والمازوت، بنسبة مئة في المئة للخبز، وأكثر من الضعفين بالنسبة للمازوت، وسبق ذلك بشهر قرار رفع سعر مادتي السكر والأرز، بنسبة 66 في المئة.

هنا لا بد من توضيح نقطة مهمة وهي أن هذه الزيادات في الأسعار تشمل المواد المدعومة فقط عبر المخصصات والبطاقة الذكية، والتي تبيعها الحكومة بسعر مخفض عبر صالات المؤسسة السورية للتجارة، والتي يستفيد منها نسبة لا تذكر، ويباع في هذه الصالات أردأ أنواع الغذائيات؛ أما أسعار المواد في الأسواق فلا تقارن مع أسعار المواد المدعومة.

والشهر الفائت رفعت حكومة النظام أسعار الدواء بنسبة 40%، إلا أن المعامل لا تزال ترفض إعادة تصنيع بعض الأصناف مثل أدوية الالتهاب، بحجة أنها لا تزال خاسرة والسعر الجديد الخاص بها غير مجدٍ، ولذلك لم يلتزم صناع الدواء وأصحاب المعامل بهذه التسعيرة ومن بعدهم لم يلتزم الصيادلة أيضاً بهذه النسبة من الارتفاع، ولذلك ارتفع حقيقة سعر الدواء في دمشق 100% على الأقل، وظهرت سوق سوداء للدواء خاصة لأدوية الالتهاب التي تضاعف سعرها 3 مرات، وأكد صيادلة في العاصمة لموقع تلفزيون سوريا أن الإقبال على الشراء انخفض بنسبة 70%.

رمى الأسد الأزمة الاقتصادية الحاصلة على المصارف اللبنانية التي تجمد الأموال السورية، وما هذا إلا اعتراف بإفلاس كامل، فكيف للأسد الذي لا يقوى على تحصيل أمواله من لبنان التي يسيطر عليها حلفاؤه؛ بأن يُخرج الولايات المتحدة وتركيا وإيران من سوريا ليحقق حلم السيادة؟!

احتفى الأسد بانتخابات الرئاسة، وبالنصر على أعداء العالم الذين حاولوا "منذ الأسابيع الأولى للحرب إقناعنا بتعليق الدستور القائم في ذلك الوقت من أجل خلق فراغ يؤدي إلى الفوضى"، وأشار إلى أن هذه المحاولات "تستمر اليوم والتي يتم العمل عليها عبر بعض العملاء المعينين من قبلهم بواسطة تركيا أو بوساطة تركية أو بواجهة تركية لا يهم.. تهدف في المحصلة للوصول إلى دستور يضع سوريا تحت رحمة القوى الأجنبية ويحول شعبها إلى مجموعة من العبيد والمطايا.. كل تلك المحاولات قد تبخرت".

لا يقبل الأسد مجرد (نقاش) الدستور، فوفده إلى اللجنة الدستورية يعطل كل شيء، فما بالكم بتعديل الدستور أو تغيير الدستور أو تسليم الحكم. ومع ذلك يستمر المجتمع الدولي ومن يدعون صداقة الشعب السوري وشخصيات من المعارضة السياسية بمنح النظام مزيداً من الوقت، وكلما ضاقت عليهم قالوا إنهم لا يقبلون بما دون القرار 2254، والذي لا يحمل في طياته أي بنود ملزمة التطبيق.

هذا النظام كتلة أمنية وسياسية واقتصادية واجتماعية واحدة لا تتحمل أي وخزة، فأي إزاحة أو تعديل أو تغيير يعني تفككها وتدميرها وسقوطها، ولا يمكن التعامل مع النظام والتخطيط لإسقاطه إلا بناء على هذه القناعة.

تحدث الأسد عن القيم في المجتمع وأكد على ضرورة تكريسها كبر الوالدين واحترام الكبار والرموز الاجتماعية والوطنية والعلماء.

في واقع "سوريا الأسد" والذي يمكن وصفه بأنه كارثة مستمرة ومستدامة، أصبح التمسك بالقيم الاجتماعية رفاهية أخلاقية لا يقوى عليها المظلوم والجائع والمتروك والمقهور والوحيد، وحقيقة، مجرد أن الناس لم يفقدوا عقلهم فهذا كاف لأن يجدد الأمل في نفوس السوريين للاستمرار، فالإنسان كإنسان مجرد خالص ما زال موجوداً في سوريا، ونجا هذا الإنسان من تدمير الأسد.

جهد النظام في تفكيك المجتمع وتغيير قوانينه وقواعده بما يكفل بقاءه، ومن ثم اتجه في معركته إلى تدمير الإنسان السوري ونزع تلك البذرة منه، ليكون وحشاً يقتل من أجل الأسد ويسرق من أجل الأسد ويصفق من أجل الأسد.

كلمات مفتاحية