في العشق الإيراني المطلق لترامب

2020.09.25 | 00:43 دمشق

2020-09-23t225410z_521674857_rc2m4j9zntiq_rtrmadp_3_usa-trump.jpg
+A
حجم الخط
-A

أطلقت الخمينية إبان ظهورها وخلال توسعها شعارات كثيرة، اعتمدت في معظمها على دس مفهوم المطلق وترويجه كخطاب جديد يمهد لنشر روح الراديكالية الثورية وسط الجماهير.

شعار "إسرائيل شر مطلق" كان يشاهد مطبوعا على حيطان بيروت والضاحية الجنوبية في الثمانينيات، وكان غالبا ما يستعاد ويتكرر توظيفه في سياقات مختلفة بوصفه مدخلا لمنح مطلقه والمؤمن به شرعية لا مجال معها للنقاش أو التشكيك.

مع تقلب الظروف وتغير الأحوال ربما يكون الشعار الفعلي للمرحلة الإيرانية القائمة والمستقبلية هو "ترامب خير مطلق". لم يسبق أن حظيت التركيبة الإلهية الحاكمة في طهران بمثل هذا الرئيس الذي يلائم مفهومها للشر المطلق، والذي يمكن استثمار عنجهيته ونزعاته التصعيدية الحربية في صناعة خير مطلق لها.

ليس هذا الخير المقصود سوى شرعنة كل ما يخطر على بال المرشد والحرس الثوري من إجراءات تعسفية، تهدف إلى الإمساك الكلي بكل مفاصل الحياة والأمن والسياسة والاقتصاد في إيران، وإغلاقها بشكل كامل داخل دائرة من العسكرة الشاملة والكلية.

يهدي ترامب إيران زمنا من العداء المطلق يشرعن التسلط المطلق. لم يسبق أن حظي المرشد وبطانته الحاكمة برئيس أميركي يعلن أمام الأمم المتحدة افتخاره بقتل قائد فيلق القدس في الحرس الثوري قاسم سليماني واصفا إياه بأنه الإرهابي الأول في العالم، و يعيد فرض حظر السلاح على إيران مهددا أي طرف لا يستجيب بالعقوبات الأميركية، من دون أي اكتراث للمواقف الأوروبية الروسية والصينية المتحفظة.

مع تقلب الظروف وتغير الأحوال ربما يكون الشعار الفعلي للمرحلة الإيرانية القائمة والمستقبلية هو "ترامب خير مطلق"

راديكالية ترامب هي الزمن الأميركي المشتهى إيرانيا. تحت ظلاله ارتفعت وتيرة المطالبات بتشكيل حكومة حرب والإتيان برئيس عسكري. مالك شريعتي نياس النائب الأصولي  صرح معتبرا أن تشكيل حكومة حرب في انتخابات 2020 بات ضرورة ملحة"، كما خرجت تصريحات لقيادات عسكرية وأصولية تتحدث عن ترشيح رئيس عسكري مثل حميد رضا ترقي عضو اللجنة المركزية لحزب"مؤتلفة" الإسلامي.

صيحات العسكرة تلبس ثوب تثوير الاقتصاد. المرشد الأعلى علي خامنئي دعا إلى التعامل مع العقوبات بوصفها سياقا سيستمر لفترة عشر سنوات قادمة، كما دمجت القيادات الإيرانية المتشددة مشروع الرئاسة الحربية والحكومة الحربية بفكرة وضع الاقتصاد بشكل كلي تحت الإدارة العسكرية للحرس الثوري.

عقوبات ترامب المتشددة والمتصاعدة، والمرجح أن ترتفع وتيرتها في الآونة المقبلة في حال نجاحه في الفوز بولاية رئاسية ثانية، هي الرافعة المباشرة للاقتصاد الإيراني الثوري الجديد.

لا يعنى هذا الاقتصاد بتركيب مسارات تسمح للشعب الإيراني بالصمود والحصول على مستلزمات العيش، بل يعنى بتمويته واستثمار هذا التمويت لصالح تمكين سلطة النظام وإدامتها.

لا تسعى إيران إلى مغالبة ترامب ولا التشويش عليه بل تعمل ما في وسعها لضمان إعادة انتخابه.

 التمادي الإيراني في اختراق أمن دول المنطقة خلق الآلية المناسبة لشرعنة سلسلة من اتفاقات السلام الإسرائيلية العربية التي كسرت محظورات تاريخية وسياسية متراكمة، وجاء توقيتها بمثابة الهدية الانتخابية لترامب. يضاف إلى ذلك ما أعلنه وزير الخارجية الإيراني ظريف مؤخرا حول استعداد إيران لتبادل كامل للسجناء مع الولايات المتحدة الأميركية.

تكاد إيران تقود حملة إعادة انتخاب ترامب مباشرة، لأن المسار الذي يسلكه يمثل القطب الموازي لها في المنطق والتفكير.

 فهم ترامب مبكرا أن إيران ليست دولة تمتلك بنية سياسية يمكن التعامل معها من خلال الاتفاقات والتفاهمات. استعمل معها اللغة التي تفهمها وهي لغة الحرب، واستخدم في ذلك الوسيلة الأكثر نجاعة وهي كوكتيل الاغتيالات الفاعلة والعقوبات الاقتصادية الشرسة.

هكذا فقدت إيران بشكل كبير مع اغتيال سليماني وتعطيل كل مسارب التهريب والتحايل الاقتصادي القدرة على أخذ زمام المبادرة الفاعلة في الخارج، وانحصر همها في إعادة ترتيب أوراقها في الداخل وحسب.

نجح ترامب في تفكيك ملامح المشروع الإيراني التوسعي في عموم المنطقة.شهدت المرحلة الأخيرة تقلصا ملحوظا لنفوذ إيران في العراق، كما أن استثمارها الضخم في سوريا بات يبشر بنهاية غير سعيدة لها، مع إعلان وزير الخارجية الروسي لافروف، عن انتهاء الأعمال الحربية في سوريا بين النظام ومعارضيه، بشكل لا يلحظ ولا يعترف بأي دور لجهود إيران، وميليشياتها في حسم هذا الصراع.

الدعم الإيراني المكلف للحوثيين يتجه مع وضع اليمن تحت المظلة الدولية والدفع في اتجاه حل هذه الأزمة، إلى إخراج إيران من دائرة التأثير والابتزاز الأمني في منطقة الخليج بشكل عام.

لا يبقى لإيران من بؤرة نفوذ سوى في تلك البقعة المنكوبة من الجغرافيا التي تسمى لبنان، لذلك فهي تسعى لتشكيل حكومة جديدة تتحكم بمفاصلها، وتخوض قبل الإفراج عنها معركة داخلية وخارجية في سبيل منح تابعها اللبناني حزب الله وزارة المالية فيها.

العنوان العريض لهذه المعركة يكشف عن نزعة لتوءمة النهب بين لبنان وإيران. عسكرة الاقتصاد الرسمي للدولة بالكامل ووضعه بالكامل تحت سلطة الميليشيا اللبنانية التابعة لإيران في لبنان سوى مدخل لتعميم التمويت العام للشعوب.

نشرت الصحافة الأميركية مؤخرا سيناريوهات لعملية فرار محتملة لحسن نصر الله من لبنان في عملية أطلق عليها اسم "سيناريو القيامة". كان لافتا فيها حجم الأموال  المقدرة بـ1,6مليار دولار، التي ذكر أنه قد جمعها من مصدرين أساسيين هما إيران وعمليات النهب المنظمة التي كان يقوم بها نوابه ووزراؤه للدولة اللبنانية عبر تلزيمات ومشاريع فاسدة، إضافة إلى عمليات التهريب وتجارة المخدرات وسواها من الأنشطة الإجرامية.

وكان سبق أن تداولت الصحف العالمية جملة من التقارير تقدر ثروة المرشد الإيراني الأعلى بأكثر من 95 مليار دولار، وركزت على استقلالها عن الميزانية العامة للدولة الإيرانية وعلى تحكم المرشد التام بوجهات صرفها.

تلك الأموال المسروقة من جيوب الإيرانيين واللبنانيين وحقوقهم، لن تمول حربا ضد الأميركيين بل ستمول الحرب المفتوحة ضد الناس والناشطين والمنادين بالحرية في البلدين المنكوبين. ليس أدل على ذلك سوى الإصرار على إعدام بطل المصارعة الإيراني نويد أفكاري بتهمة مشاركتة في تظاهرات مطلبية، والحرص على محاكمة الناشطين اللبنانيين أمام المحاكم االعسكرية بعد إخضاعهم للتعذيب والترويع.

تدعم إيران ترامب لأنه ليس معنيا بتدميرالنظام أو الحد من إجرامه. مشكلته معه ليست أخلاقية ولا سياسية بل سلطوية وحسب، وتعود إلى أن إيران باتت جزءا من معركته مع الصين وورقة في تفاوضاته وعلاقته المتشابكة مع روسيا والأوروبيين.

مصير الشعوب ليس مطروحا على طاولة التفاوض المنتظرة بعد فوزه. تاليا فإن زمنه وما يمثله يشكل انتصارا لإيران وفق مفهومها الذي رسخته منذ زمن طويل، والذي يقول إن الانتصار الفعلي إنما يكون ببقاء الأنظمة واستمرارها، ولتذهب الشعوب إلى الجحيم.