في الشام.. الصيام تدريب بسيط على الموت

2021.04.17 | 06:57 دمشق

89fd7be2-d72f-48a3-955f-429359402280.jpeg
+A
حجم الخط
-A

لم تتبدل حياة محمود الحسين في شهر رمضان فالرجل يخرج يومياً إلى عمله في الصباح، ويعود قبل موعد الإفطار بقليل، وكذلك تعيش أسرته الصغيرة تفاصيل يومها العادي دون تغيير مع تعديل بسيط وطارئ بإضافة بعض العصائر كالسوس والتمر هندي إلى وجبتهم، وبالتبادل كل يوم صنف، والسبب كما يقول محمود مازحاً: كي أحكي للأولاد بعض الذكريات عن رمضان زمان ووجدت أن العصير هو المادة الأرخص التي يمكن أن تكون مقدمة للحديث كأن تقول: كان يا ما كان.

في اتصاله الهاتفي الأسبوعي لم يتوقف محمود عن الضحك كعادته، وقاطع كل محاولاتي للسؤال الاعتيادي الرمضاني: ماذا أفطرتم اليوم فقد كان يهرب بذكاء إلى النكتة الذكية، وهي عادته منذ أن كنا تلاميذ في مدرسة القرية التي صارت مدينة ثم صارت خراباً مقيماً.

أنهى محمود كل محاولاتي البائسة لمعرفة أحواله التي لا تحتاج إلى كثير من الذكاء لإدراك هولها.. فهو مواطن سوري يعيش في زمن فاصل بين الحياة والموت، وما يفعله سكان هذا المكان هو اختبار القدرات الكامنة في الجنس البشري، وتفوقه على أفكار وأحاسيس خاطئة تم ترسيخها مع الوقت كالجوع والبرد والعطش والراحة والكرامة والحب والتناسل.. قال لي محمود منهيا سيل هواجسي الساذجة: منذ سنوات يدربونا على الجوع من أجل صوم مريح واليوم نحن نصوم كتدريب بسيط على الموت.

خبير اقتصادي يقول لصحيفة محلية اليوم إن كلفة فطور العائلة السورية خلال شهر رمضان يصل إلى 900 ألف ليرة سورية

في أول يوم من رمضان كانت وجبة إفطار أبو شادي مع زوجته وأطفاله الأربعة متبل باذنجان وبطاطا مقلية وصحن  فتوش، وحسب روايته وقسمه العظيم بالصيام والله وبأبنائه أن ما يمكن أن يحصل عليه في الشهر لا يتجاوز 150 ألف ليرة سورية، وأما كلفة وجبة الفطور العظيمة فهي 20 ألف ليرة، وعلى هذا المنوال ربما لا يجد في نصف الشهر الكريم ثمن خبز لجوع  صغاره الرمضاني.

خبير اقتصادي يقول لصحيفة محلية اليوم إن كلفة فطور العائلة السورية خلال شهر رمضان يصل إلى 900 ألف ليرة سورية بسبب ارتفاع الأسعار وجشع التجار.. بينما يعزو أستاذ جامعي غياب البهجة عند السوريين في استقبال الشهر الكريم لذات الأسباب الاقتصادية، وهذا بعض الكفر في بلد يجتهد أهل العلم والرأي فيه لقول الحقيقة كما يراها اللص والمستبد فالجوع من الله وكذلك الفقر، وأما الغنى الفاحش فهو شطارة بنكهة الإيمان.

النظام كعادته سيستثمر في الشهر الكريم فقام برفع سعر صرف الليرة مقابل الدولار في البنك المركزي لـ 2500 ليرة بدلاً من 1250 ليرة كي يدفع السوريين للتحويل عبر وكلائه

أكبر من هذا الكفر الأكاديمي في الشهر الفضيل هو الفجور الذي يمارسه أبناء اللصوص لتأكيد وراثتهم لأخلاق السلف الطالخ، لهذا ليس مدهشاً أن يطلق أبناء رامي مخلوف- ويحملان اسمين نقيين (علي ومحمد) - حملة مناصرة للجوع السوري تحت عنوان "لا تترك أخوك السوري جوعان".

النظام كعادته سيستثمر في الشهر الكريم فقام برفع سعر صرف الليرة مقابل الدولار في البنك المركزي لـ 2500 ليرة بدلاً من 1250 ليرة كي يدفع السوريين للتحويل عبر وكلائه بدل الاعتماد على السوق السوداء التي تم اعتقال كثير من العاملين فيها قبل رمصان، ومنذ بداية الشهر سمح النظام لبعض الشركات التي يملكها بتسليم الحوالات الخارجية بسعر يتجاوز 3000 ليرة للدولار الواحد.

رمضان شهر الحوالات التي تساعد الناس على تحمل وزر نفقات الشهر، ولذلك يسهل النظام دخول العملة الصعبة مقابل ورق لا قيمة له، وهذا ليس من أجلهم بل لأن خزينته فارغة، وعلى السوريين الهاربين من سطوته مساعدة أهلهم الرهائن لديه كي يسدد ديون الأسلحة التي قتلهم بها لحلفائه المحتلين.

لا يملك السوريون في هذا الشهر سوى حق الشتيمة بعد الإفطار أمام هكذا دعوات من أحفاد اللصوص، وأما في النهار فيمارسون ما عاشوا عليه طوال خمسين عاماً من حكم البعث في الدعاء على الظلمة والقتلة والفاسدين، ولأنهم يدركون حجم التواطؤ مع من يحكمهم -من القريب أولاً ثم الأغراب- يوزعون دعواتهم بين الليل والنهار بانتظار عودة أخرى لرمضان بنكهة الحرية.