فلسطين وسوريا معاً ومحمود عباس وبشار الأسد معاً

2020.07.18 | 00:00 دمشق

mrw-walmqdad.jpg
+A
حجم الخط
-A

أرسل رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس الأسبوع الماضي مبعوثاً خاصاً إلى دمشق حاملاً رسالة إلى رأس النظام بشار الأسد.

القصة بدت لافتة شكلاً ومضموناً إن فيما يتعلق بمحتوى رسالة عباس وردّ بشار عليها، أو المبعوث نفسه زياد أبو عمرو نائب رئيس وزراء السلطة أحد المساعدين أو الموظفين لدى محمود عباس. الذي لم يرسل عضو مركزية فتح عزام الأحمد ولا عضو اللجنة التنفيذية أحمد مجدلاني، كما العادة، وكأنه أراد إعطاء طابع شخصي للزيارة والرسالة وككل المستبدين طبعاً، يفضّل مساعدين أو موظفين دون أي غطاء أو حيثية سياسية وحزبية لهم، بحيث يكون مصدر قوتهم ووجودهم ولاءهم للرئيس وتغطية وحماية هذا الأخير لهم، كما هو الحال مع  أبو عمرو ووزير خارجية السلطة رياض المالكي ووزير المالية شكري بشارة وقاضي القضاة وزير الأوقاف الفعلي محمود الهباش، علماً أننا نتحدث في الجوهر عن سلطة بلا سلطة حسب تعبير المفاوض صائب عريقات، تماماً مثل نظام الأسد فاقد القوة والحيلة، وهذا بالتأكيد سبب أو أحد أسباب التقارب بينهم.

طبعاً القاعدة الفكرية السياسية لتقارب سلطة محمود عباس مع نظام بشار الأسد تتمثل باعتبار السلطة نفسها جزء من منظومة الاستبداد والفساد العربية الرسمية التي ينتمي إليها نظام الأسد، والتي اندلعت الثورات العربية الأصيلة ضدها علماً أن محمود عباس ينتمي إلى الفلول القدامى "الساقطين" أمثال حسني مبارك وزين العابدين بن علي، بينما ينتمي بشار إلى الفلول الجدد "الساقطين أيضاً عبد الفتاح السيسي وخليفة حفتر وعموماً فالفلول كلهم ملّة واحدة وفي سلة واحدة معاً.

قال عباس في رسالته إن فلسطين وسوريا في خندق واحد طالباً دعم بشار الأسد في مواجهة صفقة القرن الأميركية وخطة الضمّ الإسرائيلية متمنياً الصمود والرفعة والانتصار للنظام، بينما ردّ بشار متبجحاً بوضع إمكانياته بتصرّف السلطة ومثمّناً صمودها في مواجهة المخططات الأميركية الإسرائيلية. أما نائب وزير خارجيته فيصل المقداد فادعى أن المؤامرة المزعومة ضد سوريا الأسد تشبه ما تتعرض له فلسطين من مؤامرات لتصفية قضيتها.

الحقيقة أن فلسطين التاريخية والكاملة في نفس الخندق مع سوريا التاريخية والعظيمة ومقبرة الغزاة، بل جزءاً لا يتجزأ منها، أما عباس رئيس الصدفة فاقد الشرعية الذي تنازل عن حق العودة إلى بيته ومسقط رأسه في صفد ويريد زيارته سائحاً، ويعتبر التنسيق الأمني مع الاحتلال الإسرائيلي مقدساً. ففي نفس الخندق مع بشار الكيماوي رئيس الصدفة "والبيولوجيا" قاتل شعبه وسوريا الطائفية المتجانسة المفيدة للغزاة الذين استدعاهم لبقائه في السلطة ولو بلا سلطة وسيادة حقيقية.

عباس يعي تماماً أن بشار فاقد الحيلة، لا وزن له ولا قيمة، وليس لديه ما يقدمه للفلسطينيين في مواجهة الصفقة الأميركية والخطة الإسرائيلية بعدما دمّر مخيماتهم وقتل الآلاف وشرد مئات الآلاف منهم لكنه أي عباس يسعى لتأكيد احتكاره الزعامة والقيادة الفلسطينية حتى بالتعامل مع بشار ونظامه ويريد طبعاً مغازلة داعميه في روسيا دون الخشية من رد فعل الأنظمة العربية المنتمية إلى نفس طبقة الفلول القدامى والجدد التي تضم أيضاً السلطة والنظام.  

فلسطينياً؛ أيضاً يسعى عباس دائماً إلى قطع الطريق على أي تقارب محتمل بين حركة حماس ونظام الأسد على خلفية صفقة القرن وخطة الضمّ وبات يتحدث تقريباً بنفس اللغة التي تخاطب بها قيادة سنوار – عاروري الحمساوية النظام وعرّابيه في موسكو وطهران.

يهدف عباس كذلك إلى منع أي اصطفاف فلسطيني بقيادة حماس في الخارج، خاصة مع اللقاءات المكثفة التي تجريها قيادة الحركة مع الفصائل الفلسطينية في الفترة الأخيرة بحجة مواجهة الصفقة والخطة. ومن هنا حرص المبعوث زياد أبو عمرو على لقاء قادة الفصائل الداعمة للنظام التي أكدت على اعترافها بمرجعية وقيادة عباس فلسطينياً بعدما أكد هذا الأخير مسبقاً وفيما يشبه المقايضة على شرعية بشار الأسد سورياً وتمنى له الانتصار في مواجهة المؤامرة الأميركية الإسرائيلية المزعومة ضده.

المبعوث أبو عمرو وكعادة مسؤولي السلطة زار مقبرة الشهداء في مخيم اليرموك، علماً أنها هي نفسها التي نبشها جنود نظام  بشار الأسد بأوامر روسية بحثاً عن جثث الجنود الإسرائيليين المفقودين لإعادتهم ضمن تفاهم سياسي وعسكرى راسخ وممتد بين روسيا وإسرائيل لا تريد السلطة رؤيته أو استيعابه.

أبو عمرو لم يكترث لمصير اللاجئين الأحياء المهجّرين والمشرّدين من أبناء المخيم والمخيمات بشكل عام، كما لم يكترث بالمعتقلين والمخفيين قسرياً ولا الشهداء منهم ممن عرفت صورهم وأسمائهم في هولوكوست بشار الذي كشفه الموظف السابق بالاستخبارات "قيصر" ولم يجرؤ طبعاً على مطالبة النظام بإعلان مصير الصحفي الفلسطيني مهيب النواتي المختفي قسرياً منذ سنوات والمنتمي إلى حركة فتح كبرى فصائل منظمة التحرير التي يدعي أبو عمرو وزعيمه محمود عباس شرعية قيادتها.

طبعاً لم يكن مفاجئاً ألا يتحدث مبعوث عباس ولو بكلمة عن مخطط النظام لتنظيم أو بالأحرى تصفية مخيم اليرموك ونهب ممتلكات وثروات أصحابه اللاجئين، والذي تم الإعلام عنه بالتزامن مع الزيارة، علماً أن إزالة اليرموك بكل ما يحمل ويمثل من رمزية كعاصمة للجوء الفلسطيني تندرج ضمن تصفية قضية اللاجئين والقضية الفلسطينية بشكل عام وفق ما جاء في صفقة القرن الأميركية التي يطلب عباس دعم بشار في مواجهتها.

في كل الأحوال أكدت الزيارة وما قيل على هامشها والأهداف الفئوية الضيقة المتوخاة منها أن السلطة غير جديرة بتمثيل وقيادة الشعب الفلسطيني وليست مؤهلة أخلاقياً سياسياً وواقعياً لمواجهة صفقة القرن الأميركية وخطة الضم الإسرائيلية، كما أنها منفصلة عن الواقع لدرجة طلب المساعدة من رئيس الصدفة والبيولوجيا بشار الفاقد الحيلة والمتورط في تصفية القضية الفلسطينية واستجداء الغزاة حفاظاً على سلطته الوهمية في دمشق تماماً كسلطة رئيس الصدفة محمود عباس الوهمية في رام الله.