فعلى أي جانبيك تميل؟

2022.06.28 | 07:21 دمشق

اللاجئون السوريون
+A
حجم الخط
-A

رئيس حكومة تصريف الأعمال في لبنان "نجيب ميقاتي"، وعلى هامش إطلاق خطة لبنان للاستجابة للأزمة السورية لعام 2022-2023م، يقول: (يجب على المجتمع الدولي التعاون مع لبنان لإعادة اللاجئين السوريين إلى بلدهم، وإلا فسيكون للبنان موقف ليس مستحباً لدول الغرب، وهو العمل على إخراجهم بالطرق القانونية من خلال تطبيق القوانين اللبنانية بحزم)، تساءلت كثيراً عما يقصده "ميقاتي" بالحزم، ولم يكن أمامي إلا تفسير واحد، هو إرغام السوريين بالقوة، بقوة الجيش اللبناني، وبقوة ميليشيات "حزب الله" والمخابرات السورية واللبنانية على العودة إلى جحيم الأسد.

الميليشيات الإيرانية تمشّط منطقة البوكمال، وتعتقل من يرفض من السوريين التعامل معها، تصادر بيوتهم، وتهجّرهم، وفي الجهة المقابلة لها من البوكمال توجد قوات سوريا الديمقراطية التي تتأرجح بندقيتها من اتجاه إلى آخر، وتنوس بين أميركا والنظام السوري وروسيا، وتتردد أين تؤجر بندقيتها، لكنها لا تتوانى عن تجنيد من تقع يدها عليه، حتى لو كان قاصراً، كي تزيد من قوتها، وبالتالي من تسويق خدماتها وثمنها، في مزاد هذا الجنون الذي يلف سوريا.

الروس المتخبطون في ترتيب أولويات حروبهم، لا يأبهون كثيراً لمن جندوهم من السوريين، فهؤلاء الذين أرغمتهم لقمة الخبز على اجتراع المر ليسوا بشراً، هم عبيد في زمن النخاسة البوتيني، منهم من ينفع لحربه في أوكرانيا أو في أذربيجان أو في ليبيا، ومنهم من يسلَّم للإيرانيين، أو يُترك لمصيره في سوريا.

لا يُمكن لمنطق أن يفسر لك ما تسمعه عن سوريين يتقاتلون على جهتي صراع واحد، تدعم روسيا جهة منه، والأخرى تدعمها تركيا، في ليبيا، وفي أذربيجان، إلا منطق العبث، لكأنما ليس للسوري وطن، ولا هوية، ولا جهة تمنع عنه هذا الاستعباد الفضيحة، في قرن البشرية الواحد والعشرين.

تسنّ البرلمانات الأوروبية قوانين جديدة، تسمح لحكوماتها أن تعيد اللاجئين السوريين إلى سوريا، أو تنقلهم لمعسكرات اعتقال جماعية في دول أخرى مثل "رواندا" أو غيرها

يردُّ "النظام / العصابة"، جميل الروس بحمايتهم له، عبر إرسال جنود سوريين ليقاتلوا في معارك الروس حول العالم، يصبح السوريون مجرد أدوات في أيدٍ لا تقيم أي اعتبار لإنسانيتهم، أو لحقوقهم، ويتاجر بهم كما لو أنهم سلع، يقتلون بصمت، ويدفنون بصمت، وغالباً ما يُخفى خبر موتهم عن عائلاتهم وأهلهم.

تسنّ البرلمانات الأوروبية قوانين جديدة، تسمح لحكوماتها أن تعيد اللاجئين السوريين إلى سوريا، أو تنقلهم لمعسكرات اعتقال جماعية في دول أخرى مثل "رواندا" أو غيرها، بدأ الأمر في الدنمارك لتلحق بها بريطانيا، وها هي دول أخرى، تستعد لسن قوانين لا تقل عنصرية.

على مقلب آخر، وفي قضية بالغة الخطورة ومسكوت عنها في الداخل السوري، تزج عصابة الأسد وميليشيا حزب الله السوريين عنوة في لعبة المخدرات، التي أصبحت المورد الاقتصادي الأهم لمافيا النظام السوري، والتي تتعمد - هذه المافيا- نشرها في المجتمع السوري كلّه، والكارثة الأدهى أن يستفحل تعاطيها في صفوف الشباب السوري الذي يعيش تحت سيطرة عائلة الأسد، ففي تصريح صادم، حذر مدير مركز العلاج من الإدمان في دمشق "غاندي فرح"، من انتشار الإدمان بين اليافعين، والذين يصنفون كأطفال بعمر الـ 14 و15 سنة، ومن أبرز المواد المستخدمة هي (الأدوية، والحشيش والمستنشقات)، وقال "فرح" في حديثه لإذاعة "ميلودي إف إم"، المقرّبة من النظام: (إن تعاطي المخدرات ينتشر، ويتوسع أكثر أفقياً وعامودياً، فضلاً عن التنوع بالمواد المستخدمة، في حين كانت سابقاً محصورة ببعض المواد).

لا تنتهي فصول المأساة هنا، إذ يواجه السوريون اليوم حالة فلتان أمني مرعب، فتزداد حوادث الخطف بهدف الحصول على فدية، وغالباً ما تكون الفدية بمئات آلاف الدولارات، ويستنجد السوريون بالدولة وأجهزتها لحمايتهم، فتضرب الحكومة يداً بيد معلنة عن عجزها، أو تواطئِها مع الخاطفين، أي كارثة هذه؟

أصبحت سوريا اليوم سوريتين، سوريا مسحوقة، وجائعة، ومستباحة، ومنهوبة تحتضر فيها النسبة الساحقة من السوريين، يعيشون على مساعدات الخارج لهم، وينتظرون دقائق التيار الكهربائي القليلة لكي يمارسوا قليلاً من الحياة، وإذا مرض أحدهم فسوف يفكر طويلاً قبل أن يذهب إلى مشافٍ تستقبله بلا اهتمام، وتطلب منه في كثير من الأحيان، ثمن ما يحتاج إليه من مستلزمات بسيطة في علاجه، وفي الوجه الآخر سوريا أخرى، سوريا مترفة وفاحشة الثراء، يعيش فيها أشخاص أثروا من نهبهم لسوريا، ومن دم أبنائها، لهم مدارسهم الخاصة بهم، ومشافيهم الخاصة، وجامعاتهم الخاصة، ومراكز تسوقهم وعالمهم المنفصل تماماً.

لا يرى النظام/العصابة في السوريين كمواطنين، ولا حتى نصف مواطنين، هم مجرد عبيد كرامتهم مهدورة، وحقوقهم ضائعة، وما يملكونه هو مصدر نهب للدولة ولحاشيتها، قيمتهم تحددها فقط حاجته لهم، ومدى قدرتهم على حمايته، وعلى ضخ المال في مؤسساته، وعندما يصابون أو يعجزون عن الخدمة، يُرمى بهم بلا أدنى اهتمام أو رعاية.

اليوم يجد السوري نفسه محاصراً أينما أدار وجهه، محاصراً بجوعه وقهره وخوفه، وإن حاول أن يبحث عن فسحة من أمان قاسمه النظام أملاكه، وإن تبقَ له القليل وحاول الخروج بما تبقى، أغلق العالم حدوده في وجهه.

هل يريد العالم من السوريين أن يموتوا فقط؟ وما يهمه ليس طريقة موتهم، ولا ظروفه، فما يهمه هو أن لا يعكر موتهم صفاء واجهة ادعاءاتهم الكاذبة، حول حمايتهم لقيم البشرية وحقوق البشر

إذا كانت سوريا بكل تفاصيل هذا البؤس، وإن كانت كل دول العالم وحكوماته تعرف مدى فشل الدولة السورية وعجزها، وكيف أصبحت أخطر مكان لإنتاج المخدرات إذ لا يكاد يمضي أسبوع واحد دون خبر تتناقله وكالات أنباء العالم عن إحباط كميات هائلة من المخدرات، مصدرها سوريا، وإذا كانت محاور دولية ودول عظمى تتحارب فوق الأرض السورية، فلماذا إذاً يصرُّ كل هذا العالم على منع السوريين من إيجاد فسحة من أمان لهم؟

هل يريد العالم من السوريين أن يموتوا فقط؟ وما يهمه ليس طريقة موتهم، ولا ظروفه، فما يهمه هو أن لا يعكر موتهم صفاء واجهة ادعاءاتهم الكاذبة، حول حمايتهم لقيم البشرية وحقوق البشر.  

أي عالم هذا عندما لا يجد السوري أي خيار أمامه، سوى المفاضلة بين موت وآخر؟!.