فرض الأجندة السورية

2021.12.29 | 05:42 دمشق

e481bd9e-b266-4fda-a15e-3ce39e736830.jpg
+A
حجم الخط
-A

خلال ندوة أقيمت قبل أيام في إسطنبول شارك بها كاتب تركي، وقدم خلالها معلومات عن كتابه الذي يتعلق موضوعه بالحقائق المغيبة عن السوريين في تركيا، والتي تترك تأثيراتها على الرأي العام، وكيفية الإجابة عن تساؤلات شغلت الساحة الشعبية، أملا بتحويل المعلومات المضللة التي رافقت السوريين وألبت الشارع، من خلال توظيف الوجود السوري في البلاد على أنه عامل مؤثر بشكل سلبي في الاقتصاد، فضلا عن معلومات أخرى تتعلق بالإعفاءات الضريبية والإعفاءات من امتحانات القبول الجامعي، وإعطائهم الأموال من خزينة الدولة، حيث وجد الكاتب التركي أن هذه الاستفسارات التي تطرح من الرأي العام التركي بحاجة إلى أجوبة موثقة ومقنعة وهي موجودة يجب البحث والتأكد منها وتوثيقها وطرحها، وهو ما حاول تقديمه في ظل نقص في تقديم المعلومة المتكاملة لأسباب عدة جرى طرح بعضها عدة مرات من هذا المقام أيضا.

ورافق انعقاد الندوة تسرب خبر تعرض 3 شبان سوريين لجريمة عنصرية في ولاية إزمير فارقوا بسببها الحياة بعد حرق الغرفة التي كانوا نياما بها، وارتكب هذه الجريمة أحد المواطنين بدافع عنصري متأثرا بالرأي العام السائد ضد السوريين، ولولا الكشف عن الحادثة بالمصادفة لكانت طويت في النسيان، وتساءل كثير من السوريين لماذا هذه الجرائم لم يسمع بها الرأي العام التركي؟ كما تساءلت مداخلات عديدة في الندوة المذكورة آنفا عن الكتاب والدراسة إن كانت قد وصلت للإعلام التركي؟ وكيف يمكن إيصالها للرأي العام لتكون مؤثرة؟ هل تم تقديمها لوسائل الإعلام؟ والتركيز كان على الإعلام التركي بانتظار أن يتعاطف مع السوريين ومحنتهم، على الأقل الإعلام الموالي للحكومة والذي يؤيد مواقف السوريين.

على السوريين أن يجهدوا من أجل خطاب إعلامي ناطق باللغة التركية يكون فيه واضع الأجندة سوري الهوى، ينقل هموم السوريين وأوضاعهم بلغة تركية سليمة احترافية

الواقع هذا يدفع للتساؤل مجددا كيف يمكن للسوريين أن يفرضوا أنفسهم في الإعلام التركي ووسائل التواصل الاجتماعي بقوة؟ وبطريقة تدفع الرأي العام المحلي للتفاعل مع القضايا السورية وصولا إلى تحييد الملف السوري عن أي صراع سياسي داخل البلاد، نتساءل كيف يمكن صنع الرأي العام حول السوريين داخل تركيا؟ والغاية أن يكون هناك صوت للسوريين ناطق باللغة التركية عبر وسائل إعلام قوية تخاطب المجتمع بمختلف شرائحه، ويوصل صوت السوريين إلى السياسيين والكتاب وقادة الرأي والعاملين وكافة أطياف المجتمع السوري، إذاً على السوريين أن يعملوا على إيصال صوتهم بأنفسهم دون انتظار تفاعل الآخرين معهم، بالطبع هناك أمنيات ومطالب من السوريين بأن يتم التفاعل مع قضاياهم إعلاميا بشكل مباشر، ولكن ندرك تماما أن الإعلام التركي لديه أجندته الخاصة التي يعمل عليها، وهناك أولويات لديهم تعود للجهات المالكة لهذه الوسائل الإعلامية وهي مرتبطة بتوجهات ومصالح تلك المؤسسات السياسية والاقتصادية والتجارية حيث تضع أجندتها الداخلية والخارجية وفق لذلك.

إذاً على السوريين أن يجهدوا من أجل خطاب إعلامي ناطق باللغة التركية يكون فيه واضع الأجندة سوري الهوى، ينقل هموم السوريين وأوضاعهم بلغة تركية سليمة احترافية، ويتناول مختلف المواضيع بلغة حيادية دون استقطاب أو انحياز بشكل يجعل الملف السوري حياديا دون أن يكون محسوبا لطرف على حساب آخر، يجب أن تستضيف وسائل الإعلام هذه، السورية الناطقة بالتركية، قادة الرأي الأتراك وتجمعهم مع نظرائهم السوريين، وتفتح نقاشات تؤدي إلى تبادل الأفكار والمعلومات والحقائق، وعلى سبيل المثال، قادة الرأي والكتاب الأتراك الذين يميلون للوقوف ضد الوجود السوري، يمكن دعوتهم لمناظرة ودية عبر وسائل الإعلام هذه، مع مفكرين سوريين وتوفير الترجمة المناسبة، وتبادل الآراء بشكل ودي وحضاري، هذه اللقاءات بالتأكيد ستؤدي لحصول هؤلاء على معطيات وحقائق جديدة لا يعرفون بها سابقا لأسباب متعددة بسبب نقص المعلومات أو المواقف المسبقة، أو بتأثيرات المعلومات المضللة، هذه المناظرة بالتأكيد ستدفع بالضيف التركي لتغيير وجهات نظره بمقالاته مثلا أو عبر برامجه التي يشارك فيها عبر الإعلام التركي، كما يستفاد من هذه البرامج بترجمتها للتركية بشكل كامل وبث مقاطع منها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لأن لهذه الوسائل تأثيرات كبيرة على الشارع، كما أن وجود أسماء هي قادة رأي ومفكرون سيضيف نوعا من المصداقية لمتابعتها من قبل شريحة واسعة من الرأي العام التركي المتابعة لهؤلاء المفكرين.

المثال السابق هي حالة واحدة من المزايا والفوائد التي يمكن أن تعود بالفائدة على السوريين، وهي ليست بحاجة إلى قناة تلفزيونية كاملة ناطقة بالتركية، ربما عبر برامج احترافية دورية ويتم الاعتماد على وسائل التواصل الاجتماعي في نقل هذه البرامج المصورة بطريقة احترافية، وعبر مواقع إلكترونية ناطقة بالتركية، فضلا عن أهمية هذه الأدوات بفرض الأجندة السورية، ووضع أرشيف متكامل واضح للسوريين وأجيالهم القادمة، فمن أهم الفوائد التي ستعود لهذه الوسائل الإعلامية على السوريين، هي توعية أبنائهم الذين درسوا في المدارس التركية ونسوا أو صعب عليهم القراءة بالعربية، فهم بحاجة إليها أيضا في مواكبة الحدث السوري، ويجدون في هذه الوسائل الزاد والمعلومة لهم من أجل التعاطي مع أي حالة أو وضع ربما يصلون له مستقبلا في حياتهم بتركيا، وهذا النموذج ينطبق على كافة المجتمعات المستضيفة.

جهود السوريين أيضا في وسائل الإعلام والخطاب باللغة التركية سيكون داعما للجهود الحكومية وللجهود التي تبذلها منظمات المجتمع المدني

فرض الأجندة السورية على الرأي العام، أمر مهم جدا، ويأتي ليكمل الجهود الأخرى المبذولة من الأطراف الداعمة سواء كانت الحكومية منها أو منظمات المجتمع المدني، فالحكومة التركية التي تؤكد كل مرة على أنه لا يمكن لأحد إرسال السوريين إلى بلادهم وتؤكد ترحيبها بهم ودعمهم والدفاع عنهم سياسيا واجتماعيا واقتصاديا، بحاجة أيضا إلى جهود تبذل من السوريين أنفسهم للتعاون والتعاضد في التصدي لحملات الرأي العام المضللة التي كثير منها تأتي من خارج تركيا، إذ إن الرأي العام التركي أيضا في المواضيع التركية يعاني من تدخلات في وسائل التواصل الاجتماعي من خارج البلاد لخلق رأي عام مضلل عبر المعلومات المغلوطة المدسوسة، وبالتالي فإن جهود السوريين أيضا في وسائل الإعلام والخطاب باللغة التركية سيكون داعما للجهود الحكومية وللجهود التي تبذلها منظمات المجتمع المدني، فليس واردا أن يقول هؤلاء بالشكل المعلن، نحن نعمل ما علينا فعليكم القيام أنتم أيضا ببعض الجهود، أي إن التكامل في التعاطي مع الحدث السوري بالتأكيد سيكون له ثماره، خاصة في ظل سعي السوريين لتحييد الملف وخلق رأي عام جديد مختلف، ولوبي مؤثر يدفع ويناصر وجهة النظر السورية.

العمل الإعلامي بالتأكيد ليس سهلا وخاصة في تركيا التي يعتبر فيها الإعلام عملا احترافيا وفيه منافسة قوية جدا، ومن هنا تأتي أهمية دعم أي مشروع إعلامي في هذا الإطار، لأن الجهود الفردية لن تؤدي إلى نتيجة كبيرة، أو حتى العاملون في الإعلام والناطقين بالتركية بشكل جيد، هم ملتزمون بالنهاية بأجندة الجهات الإعلامية التي يعملون فيها، وجهودهم في فرض الأجندة السورية تبقى محدودة أو تصطدم بآراء مختلفة تعود لمالكي هذه الوسائل، وبالتالي من المهم أن يتكاتف الدعم المقدم لوسائل الإعلام السورية الناطقة بالعربية لتخصيص جزء منها لمخاطبة الرأي العام التركي، وكذلك يمكن لرجال الأعمال السوريين الذين باتوا يمتلكون أعمالا تجارية في تركيا، دعم هذه الجهود لأن الاستقرار في المجتمع وتمتع السوريين براحة في المجتمعات المضيفة بالتأكيد سينعكس بشكل إيجابي على أعمالهم وعلى سمعة السوريين، وعلى فرض الأجندة السورية دون منازع.