غلاسكو لقاء تحديد المسار

2021.10.31 | 06:36 دمشق

img-20211028-222215-690.jpg
+A
حجم الخط
-A

مما لا شك فيه أن العلاقة بين تركيا والولايات المتحدة الأميركية يشوبها التوتر، ليس فقط بسبب وجود ملفات خلافية بين الطرفين بل لازدياد هذه الملفات يوماً بعد آخر، وفي ظل هذه الظروف المتشنجة أصبح جلوس رأس هرم السياسة التركية ونظيره الأميركي على طاولة الحوار وعقد لقاء بينهما أمراً ضرورياً لتخفيف الخلاف حول هذه الملفات العالقة، أو على الأقل فتح سبل لإيجاد بداية حلول في بعض الملفات بين الدولتين.

لقاء أردوغان وبايدن في غلاسكو الإسكتلندية يمثل من دون أدنى شك نقطة تحول مهمة جدا في العلاقة بين الطرفين، فتركيا تريد أولا إقناع الولايات المتحدة الأميركية بأنها متمسكة ببعض الأمور المتعلقة بالسيادة التركية والتي لا تضر الحليف الأميركي على المستوى الاستراتيجي. وستؤكد على أن التعاون الكبير القائم بين البلدين مازال مستمراً وأنه على الولايات المتحدة الأخذ بعين الاعتبار هذه العلاقة والتحالف الثنائي في ملفات عِدّة وأن على واشطن قبول حليفها التركي بملفاته المختَلَف عليها.

ملفات متعددة ستحول من دون عودة العلاقات بشكل تام إلى سالف عهدها بين أنقرة وواشنطن حتى بلقاء رئيسي البلدين. فلا أظن، فيما يتعلق بمسألة منظومة ال إس-٤٠٠ الدفاعية بالذات، أن تركيا ستتراجع عن اقتنائها وكذا الأمر في مسألة عدم تسليم تركيا طائرات ال إف-٣٥، لأن واشنطن ربطتها بملف المنظومة الروسية، فإذا تراجعت أنقرة عنها فإن واشنطن سترد بالمثل.

لا يمكن تغييب الملف الأرمني الذي يلعب فيه اللوبي الأرمني دورًا مهمًّا في تحريض واشنطن وعواصم أخرى ضد أنقرة لما قدمته من دعم قوي لأذربيجان

إلى جانب هذا الملف يوجد ملفان آخران لا يقلان أهمية عن سابقهما وهما الملف السوري، وملف شرق المتوسط واحتدام الخلاف بين تركيا واليونان في بحرَي إيجة والمتوسط الذي يمثل الملف الليبي جزءًا منه بكل تأكيد. والملاحظ في هذا السياق، أن الولايات المتحدة متجهة نحو الضغط على تركيا من البوابة اليونانية في هذا الملف.

بالإضافة إلى ذلك، لا يمكن تغييب الملف الأرمني الذي يلعب فيه اللوبي الأرمني دورًا مهمًّا في تحريض واشنطن وعواصم أخرى ضد أنقرة لما قدمته من دعم قوي لأذربيجان، قَلَبَ موازين القوى وأدى بالأخيرة إلى تحقيق نصر ساحق على أرمينيا.

ملف فتح الله غولن هو الآخر، سيظل مفتوحًا وسيستخدم كورقة ضغط أميركية ضد الحكومة التركية في الوقت الراهن وسيخضع لاستخدامات سياسية أخرى في المستقبل في حال تغيرت الظروف.

المحور الثاني، وهو محور بقية الأطراف التي لديها مشكلات مع تركيا، ستَعمَد فيه دول مثل اليونان وفرنسا إلى مزيد الضغط على الولايات المتحدة الأميركية لإبقاء الضغط الأميركي المسلط على تركيا ولزيادة التباعد بين الطرفين. فضلا عن الحكومة الألمانية الجديدة التي لا نعلم مسار عملها مع تركيا بعد، لأن الوضع ربما يكون مختلفاً نوعا ما عما كان عليه مع الحكومة الألمانية السابقة. فإلى حد اللحظة لم تظهر أي علامات للتقارب أو التباعد بين برلين وأنقرة.

يجب أيضًا عدم إغفال الدول التي ليست ضمن قائمة دول العشرين ولا ضمن الحلفاء في الناتو كمصر ذات المصالح المتضاربة مع تركيا، وهو ما ستأخذه الولايات المتحدة الأميركية بعين الاعتبار في أثناء بحثها لإيجاد حل للخلافات مع تركيا.

أما المحور الثالث، أي المحور الداخلي، فهو يشمل السياسة والاقتصاد، وهما محركان بالغا الأهمية في قراءة التقارب مع الولايات المتحدة الأميركية. فتركيا بأي حكومة تمثلها، يمكن أن تتراجع في بعض الملفات في حال شعرت بوجود نقاط ضغط تضعف من موقفها وتعرضها لمزيد القلاقلِ.

تحقيق نتائج ملموسة في مسار حلّ الملفات العالقة بينهما يبقى رهين استعداد البلدين للتراجع خطوة من أجل المصالح الإقليمية والمحلية المشتركة للحليفين

هذا لا ينفي وجود ملفات أخرى تحمل بوادر تحسن في الأجواء بين تركيا وأميركا على غرار ملف طائرات ال إف-١٦. ففي حال وافقت واشنطن على إتمام الصفقة مع تركيا يمكننا أن نخلُص إلى أن أميركا ملتزمة بدعم حليفها التركي الذي يُعدّ طلبه شراءَ هذا النوع من الطائرات تأكيدا على تحالف أنقرة الاستراتيجي مع واشنطن رغم منظومة الدفاع الجوية إس-٤٠٠، وأنها تنتمي للغرب عسكرياً وأنها داعمة أساسية لحلف الناتو الذي رفض بدوره وجود منظومة إس-٤٠٠ ضمن ترسانة أحد الدول الأعضاء فيه.

إضافة إلى ملف بنك خلق التركي، كل هذه النقاط ستؤثر من دون شك في مستقبل العلاقات بين إدارتي أردوغان وبايدن، لكن تحقيق نتائج ملموسة في مسار حلّ الملفات العالقة بينهما يبقى رهين استعداد البلدين للتراجع خطوة من أجل المصالح الإقليمية والمحلية المشتركة للحليفين.