غرائبية الحجاب

2020.09.22 | 00:02 دمشق

photo_2020-12-01_13-53-15.jpg
+A
حجم الخط
-A

برنامج فرنسي واسع المشاهدة يقوم في إحدى محاوره الرئيسية على استضافة روائي لتقديم نتاجه الأدبي الأخير إضافة إلى الأخذ برأيه في عدة مواضيع سياسية ومجتمعية وقعت خلال الأسبوع لكي يدلي بدلوه فيها. وبعيداً عن الخفّة والفكاهة والسطحية التي تسيطر على مجمل البرامج التلفزية في المحطات التجارية، يتميّز هذا البرنامج الذي تبثّه قناة من قنوات الخدمة العامة، أي ما يتعارف على تسميته بالقنوات الحكومية، بإتاحة الوقت الكافي لتغطية الأمور المعالجة دون استخفاف أو تسطيح. 

في حلقة الأسبوع الماضي، استضاف البرنامج الصحفية والروائية الفرنسية من أصل مغربي ليلى سليماني التي صارت من نجوم الساحة الأدبية الفرنسية بعد حصول روايتها "أنشودة عذبة" على جائزة غونكور لسنة 2016 وهي أعلى جائزة روائية فرنسية. وقد سبقها إليها من ذوي الأصول العربية، الروائي اللبناني أمين معلوف سنة 1993 على روايته "صخرة طانيوس" والتي صارت أشهر من نار على علم حتى لدى القراء العرب. هذه الجائزة تجعل من صاحبها في مقدمة المشهد الأدبي الفرنسي وتتيح له شهرة واسعة أوروبيا وعالمياً، مما يساعد على ترجمة أعماله إلى العديد من اللغات كما يمكن أن تشجع منتجي السينما على إنتاج أفلام واسعة الانتشار انطلاقاً منها. وبالفعل، فقد صارت ليلى سليماني نجمة تملأ الشاشات وصارت استضافتها في البرامج قيمة مضافة. وقد صعد نجم سليماني إلى درجة أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون سمّاها سنة 2017 ممثلته الشخصية لدى منظمة الفرانكوفونية.

استضافة سليماني في هذا البرنامج أتت ضمن الترويج لكتابها الأخير الذي يعتبر الجزء الأول من ثلاثية تروي فيها قصة عائلتها حيث تزوجت أمها الفرنسية / الجزائرية باباها المغربي وأقامت معه في المغرب في منتصف القرن الماضي. قصة تحمل ما يُثري الرواية الفرنسية من الغرائبية التي لطالما جذبت القراء مهما كانت مواقفهم من الأجنبي. نصوص أدبية تتحدث عن أجنبي بعيد تبقى أكثر قبولاً وإمتاعاً لقارئ فرنسي عادي من نصوص تحدثه عن الأجنبي في بلاده. فهذه النصوص الأخيرة، وإن كانت حسنة الصنعة وعميقة المعالجة، فهي تحدث القارئ عن الصعوبات في الحياة العملية

عرف الكتّاب الآتون من عوالم ثرية بهذه التفاصيل من أين تؤكل الكتف، فأغنوا نصوصهم بما لذّ وطاب من ثمار جنّات الخيال المتعطّش لألف ليلة وليلة أخرى من ليالي شهريار

كما الاجتماعية، وتحدثه عن التمييز الفاقع أو المخفي، وتحدثه عن حياة مشتركة لطالما أقلقته عموماً. أما النص الغرائبي فيحدثه عن الأجنبي، عربياً أم إفريقياً غالباً، بعيد جغرافياً ولا بأس أن يدخل النص في تفاصيل معيشته التي يمكن إثراؤها بالشهوانية النظرية أو الجنس العملي الذي يكون مسرحه حمام السوق أو قصر الوالي أو مدرسة البنات. كلها تبيع مهما ارتفعت أو انخفضت حمولتها الفنية والأدبية. وقد عرف الكتّاب الآتون من عوالم ثرية بهذه التفاصيل من أين تؤكل الكتف، فأغنوا نصوصهم بما لذّ وطاب من ثمار جنّات الخيال المتعطّش لألف ليلة وليلة أخرى من ليالي شهريار.

ومن المستحسن دائماً، وللضرورة الإشهارية، أن تكون الروائية الآتية من شرقٍ موسوم بكل ما يحمله الخيال الغربي العام من صور نمطية، من المروّجات للمدرسة النسوية في بعدها الأكثر تنميطاً والذي يحصر حرية المرأة فيما يبحث عنه بعض العقل الغربي الرافض لخصوصيات المجتمعات الأخرى مهما انحصرت ممارسةً وترميزاً. وقد خُيل لمحاوريها بأن سليماني قد لبّـت هذا الطلب بالمجمل حيث توقفت طويلاً عند مسائل تتعلق بالعنف ضد المرأة وانتشاره في بعض الثقافات دون أن تحصرها فيها. كما أنها تكلمت كنسوية حقيقية بعيداً عن المبالغات التسويقية. وعندما سعى المحاور لجذبها إلى حقل الحجاب الإسلامي لكي تتخذ موقفاً متوقعا كما جرت العادة، فقد فاجأته ـ سلباً أم إيجاباً ـ بأن اعتبرت المسألة تتعلق بحرية المرأة باختيار ما ترتديه واعتبرت أن الاهتمام بهذا الأمر يُشير إلى خواء فكري إلا طبعاً في حالة أن يكون هذا الحجاب جزءاً من العنف الممارس ضد المرأة، أي أن يكون قد فرض عليها فرضاً، وهنا فهو أمر مرفوض في كل المعايير كما أكدت عليه. وأشارت إلى تعامل مجتمعات غربية أقل توتراً، كما بريطانيا وألمانيا، حيث لا يعتبر الحجاب مسألة عامة تملأ البرامج الحوارية كما في فرنسا.

حديث ليلى سليماني هذا أتى تعقيباً على حادث انسحاب بعض نواب البرلمان الفرنسي من جلسة استماع لها علاقة بوباء كوفيد 19، حيث تتم استضافة ممثلي النقابات المهنية والطلابية، وذلك احتجاجاً على حجاب الطالبة نائبة رئيس اتحاد الطلبة الفرنسيين. وقد تحجج هؤلاء النواب الآتون من حزب الأغلبية الرئاسية كما اليمين واليمين المتطرف، بأنه يجب منع ارتداء ما يُميّز دينياً داخل البرلمان، على الرغم من أن اللوائح الداخلية تجيزه. وقد ملأ هذا الحادث شاشات التلفزة وأعاد الجدال حول ماهية العلمانية الفرنسية بين مدافعين عن تشددها والداعين لمنع كل مظاهر الانتماء الديني في الأماكن الحكومية، وبين مدافعين عن الاجتهاد في تفسيرها واعتبارهاً جزءاً من الحرية الفردية. وقد استند البعض إلى نص تم بناء عليه منع إحدى النائبات من وضع صليب ظاهر أثناء وجودها في البرلمان. إلا أن الجواب أتى سريعاً ليحصر تطبيق هذه القاعدة بالنواب وبموظفي المجلس.

تعود مسألة الحجاب ورمزيته إلى النقاش العام في فرنسا دوناً عن بقية أوروبا لأسباب سياسية / انتخابية، ولا علاقة لها حتى بنسوية مُقنّعة تعتبر بأن كل المحجبات مُجبرات. إنها مشكلة فرنسية / فرنسية مرتبطة أساساً بتاريخ الاستعمار في كل مراحله، وخصوصاً الأخيرة منها، وكل الأبعاد الحقوقية والفكرية الملحقة بها ما هي إلا تبرير.

كلمات مفتاحية