عون يخوض معاركه لضمان مستقبل "النموذج العوني"

2021.09.01 | 07:16 دمشق

michel-aoun-gebran-bassil2.jpg
+A
حجم الخط
-A

لم يحمل هذا الأسبوع أي تطور لافت في ملف تشكيل الحكومة، لكنّ الاتصالات متواصلة ولم تنقطع بين الوسطاء معطوف عليها اتصالات مكثفة خارجية تقودها فرنسا وقطر ومصر، إلا أنها لم تحقق بعد أي خرق حسي أو ملموس، والرئيس المكلف بتشكيل الحكومة نجيب ميقاتي ينتظر رداً من رئيس الجمهورية ميشال عون على التشكيلة الحكومية التي سلمه إيّاها في اللقاء الأخير بينهما.

وفي المقابل ينتظر عون من الرئيس المكلف أجوبة على الملاحظات التي أبداها حول هذه التشكيلة. وترى المصادر المواكبة للاتصالات حول التأليف بالتأكيد أن الاتصالات والأخذ والرد جاريان بين وسطاء الطرفين لكن لا جديد حتى الآن، وفي ضوء النتائج يمكن تحديد موعد للقاء الرابع عشر بينهما والذي من المرجح أن يكون الأربعاء المقبل.

شهر على التكليف.. وعون لا يتراجع

في السياسة مر 30 يوما على تكليف نجيب ميقاتي، وعليه فإن ميقاتي لا يستسيغ فكرة الإيحاء بالندم على قبوله التكليف وخاصة أن الرجل كان يدور حول التكليف منذ انفجار 4 آب العام الماضي وكان يدور معه صديقه برنار ايمييه.

ينقل عن ميقاتي قولته الشهيرة "رجل الدولة إذا طُلب منه أن يحاول ليس عليه أن يتراجع"، فرغبة نجيب ميقاتي بتشكيل حكومته الثالثة وإظهار نفسه رجل الفترات الصعبة والمراحل المفصلية ما زالت تراود ابن طرابلس، لكن الرغبة شيء والقدرة شيء آخر وخاصة إذا كانت الرغبة والقدرة في عهد ميشال عون.

صار ميقاتي الآخر يقوده ميشال عون في الواجهة ومن خلف الستارة جبران باسيل وسليم جريصاتي والأخير يمهد لباسيل كل الظروف الممكنة للصعود نحو بعبدا رئيساً مهما وصلت البلاد إلى انهيارات

يحاصر الرجل من متراسين الأول سقف رؤساء الحكومات السابقين وتحديداً سعد الحريري والذي يرغب باعتذار نجيب ميقاتي ويروج للفكرة في كل الأماكن ويدفعها في كل المجالس دون هوادة، فتشكيل ميقاتي للحكومي ضربة موجعة لوريث الحالة الحريرية والتي ترى بنجيب ميقاتي خصماً استراتيجياً في قيادة السنة، فيما حصار ميقاتي الآخر يقوده ميشال عون في الواجهة ومن خلف الستارة جبران باسيل وسليم جريصاتي والأخير يمهد لباسيل كل الظروف الممكنة للصعود نحو بعبدا رئيساً مهما وصلت البلاد إلى انهيارات، وميشال عون لم يعد في جعبته ما يخسره، الخسارة وقعت والزمن لا يعود للوراء. لم يبق من العهد سوى 14 شهرا -في حال قرر تسليم القصر والخروج من بعبدا.

ولم يعد ليهتم من سيكون رئيس حكومة مكلف في عهده الميمون، بقيت البلاد أو تلاشت، هاجر اللبنانيون أم بقوا يتجرعون كأس الموت والخسارات، انزلقت البلاد لجهنم التي بشر بها أم لا، المهم هو أن ميشال عون لا يتنازل ولا يتراجع ولن يسمح بانكساره، والرجل تحدى كل الإرادات الدولية والعربية بدءا من الأميركيين والسعوديين ووصولاً لإيمانويل ماكرون وتميم بن حمد آل ثاني وعبد الفتاح السيسي وسينهي عهده بأزمة مفتوحة مع السنة في لبنان ومع نبيه بري ووليد جنبلاط وربما مع حزب الله، وخاصة أن الأمين العام للحزب حسن نصرالله، تحدث بما يشبه التأنيب عندما قال بلهجة قاسية: أما آن لهذا النقاش حول الحقائب والأسماء أن ينتهي، لا بل إن حزب الله كشف أنّه في حال استمرار تذرّع البعض باستقدام سفينة المحروقات الإيرانية إلى لبنان كسبب لعدم ولادة الحكومة، فإنّ اقتراحاً جدّياً تجري دراسته، ويقضي بالإعلان عن توجّه هذه السفينة إلى الشاطئ السوري، على أن يجري تفريغها إلى لبنان بواسطة الصهاريج.

ما يعني أن الحزب إياه يود القول إنّ الأسباب الفعلية لعدم الولادة الحكومية هي أسباب محلية بحتة وتتعلق بلعبة يلعبها فريق العهد لكسب حصص أكبر وثلث معطل في حكومة قد تحكم لسنة وربما أكثر وستدير استحقاقات يحرص جبران باسيل على أن يكون الشريك الأساس بها.

وعليه فإن ميشال عون لن يُسلّم السلطة في عهده إلى خصوم الماضي والحاضر والمستقبل: نبيه بري وسعد الحريري وحتى وليد جنبلاط وفق ما يروي حسين أيوب. فهو يريد أن يملك الثلث المعطل، وثمة تعيينات في جسم الدولة المنهارة وتحديداً في وظائف الدرجة الأولى، وإذا كان باستطاعته فرض من يريد في الإدارة ولا سيما حاكمية مصرف لبنان وقيادة الجيش ومجلس القضاء الأعلى وكل منصب ماروني يمكن أن ينافس الصهر المعاقب أميركياً.

إلا أنه لن يتنازل عن حق الرفض وفرض الإرادات ومحاولة استجلاب تعيينات المقربين والمحظيين بأي طريقة ممكنة وآخر تلك الطرق ستكون الثلث المعطل في الحكومة، وللمفارقة العجيبة فإن نجيب ميقاتي سمع كلاماً من أحد النواب في استشارات الكتل النيابية في مجلس النواب مفاده أنه إذا كنت مراهناً على ولادة حكومة من دون ثلث معطل لجبران باسيل فاعتذر من الآن يا دولة الرئيس، لكن ميقاتي حينها كان يعيش في قمة نشوة الدعم الخارجي وأنه المتوافق عليه أميركياً وفرنسياً والسعوديين لا يضعون "فيتو" على تكليفه لكن كل هذه الضمانات لا تعني شيئاً لفريق رئيس الجمهورية وهذه معركة موت أو حياة.

والمعركة كما فهمها الجميع في لبنان رغم كل اللحظات الدولية التي لم يجرِ استغلالها، أنها بالنسبة لميشال عون وجبران باسيل معركة الاستحصال ثلث معطل، وإلّا فلتذهب الأمور باتجاه الفوضى والفراغ مع حكومة تصريف أعمال مع حسان دياب، وهو ما سيعني عدم إجراء انتخابات نيابية في وقتها ربيع العام المقبل، وبالتالي التمديد للمجلس الحالي، كما استمرار الرئيس عون في قصر بعبدا بحكم الأمر الواقع -كما أخبر السفيرتين الأميركية والفرنسية-، والإمساك بمفاصل البلاد، تمهيداً لصياغة تفاهمات جديدة أو عقد اجتماعي جديد برعاية دولية أو أممية في ظل الحراك الفاتيكاني الصامت والجدي لمساعدة لبنان.

في مقاربة الزميل منير الربيع للواقع اللبناني أنه ومنذ ثورة 17 تشرين التي تزامنت مع الثورة العراقية، ثمة من أراد في لبنان الالتحاق بالركب العراقي، على قاعدة إنتاج تسوية سياسية تستعيد ربط العلاقات بالغرب وبالدول العربية. وهذا ما نجح فيه العراقيون: إنتاج تسوية مصطفى الكاظمي الساعي في التواصل مع القوى المتناقضة، وصولاً إلى نجاحه في عقد قمة بغداد الجامعة أضداداً وخصوماً.

المخاوف تتجلى في عدم اقتصار التحلل على مؤسسات الحكومية. فهو يتفشى أكثر في المجتمع، فتتنامى ظواهر الأمن الذاتي أو الإدارات المدنية

فيما يتوسع التحلل اللبناني أكثر فأكثر. المشكلات العميقة تظهر بقوة في المرحلة المقبلة: شلل تام في المؤسسات والقطاعات. لكن المخاوف تتجلى في عدم اقتصار التحلل على مؤسسات الحكومية. فهو يتفشى أكثر في المجتمع، فتتنامى ظواهر الأمن الذاتي أو الإدارات المدنية. وتتحول المناطق المختلفة إلى مواد قابلة للاشتعال من داخلها وفي ما بينها. فكل فئة اجتماعية تعتبر نفسها مستهدفة من الفئات الأخرى.

أعان الله لبنان واللبنانيين وألهمهم الصبر على عهد الإفلاس والقهر وربما عهد الحرب والعودة لعصور ما قبل التاريخ..