عودة داعش إلى السطح في سوريا

2020.08.10 | 00:01 دمشق

dash-2.jpg
+A
حجم الخط
-A

أعلن عن ولادة تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام" في نيسان 2013، وقد سيطرت داعش على مساحات كبيرة من أراضي سوريا ربما تصل إلى ما يفوق 35% من مساحتها، صحيح أن هذه الأراضي في معظمها غير مأهول بالسكان، لكنها تمكنت من السيطرة على بعض المدن والمراكز الحضرية المهمة أهمها بالطبع مدينة الرقة وأجزاء كبيرة من مدينة دير الزور بالإضافة إلى مدن أخرى خسرتها في معاركها المختلفة ضد أطراف مختلفة، فقد خسرت داعش مدنا مثل عين العرب أو كوباني ومنبج في معركتها ضد وحدات حماية الشعب الكردية وخسرت مدينة الباب في معركتها ضد الجيش الحر مدعوما من قبل القوات التركية. وخسرت الرقة في معركتها ضد القوات الأميركية.

لقد خاضت داعش حينها حربا شرسة ضد تنظيم القاعدة في سوريا "جبهة النصرة" حول فكرة المشروعية، ومع سيطرة تنظيم داعش بشكل كامل على الموصل في حزيران 2014 بدا واضحاً أن تنظيم داعش يختلف عن غيره من التنظيمات الإرهابية التي ظهرت في كل من سوريا أو العراق، إنه يعتمد على موارد عسكرية كبيرة،  وبنفس الوقت استند إلى دعاية إعلامية كبيرة عملت على تجنيد المقاتلين ليس فقط في سوريا والعراق وإنما في كل أنحاء العالم.

وعندما تمكن تنظيم داعش من السيطرة على مدينة الرقة (أكبر معاقل التنظيم في سوريا) بعد طرد كل التنظيمات المسلحة من المدينة بما فيها جبهة النصرة وذلك في نيسان 2013 أصبحت داعش طرفا رئيسيا في الحرب الدائرة في سوريا إلى أن تم القضاء عسكريا على تنظيم داعش في سوريا في عام 2018.

اليوم بدأنا نسمع عن عودة لعمليات داعش في مناطق مختلفة في البادية السورية وحمص وريف حلب وإدلب مما يشير إلى أن التنظيم بدأ يعيد تجميع قواه بشكل مختلف وربما يعمل بطريقة مختلفة اليوم القائمة على حرية الخلايا المنتشرة في ضرب أي هدف كان مدنيا أو عسكريا في أي وقت متاح.

طبعا تبدد وتبخر أمل التنظيم في السيطرة على أراضٍ ممتدة وفرض خلافته الوهمية مجدداً فوجود القوات الأجنبية وعلى رأسها الأميركية في الشرق السوري ربما يشكل عقبة رئيسية أمام عودة التنظيم بشكل منظم وعلى سطح الأرض.

تزايد وتيرة عمليات التنظيم تكشف ما كنا حذرنا منه مراراً وهو غياب الاستراتيجية في تأمين مناطق شمال شرقي سوريا

لكن، تزايد وتيرة عمليات التنظيم تكشف ما كنا حذرنا منه مراراً وهو غياب الاستراتيجية في تأمين مناطق شمال شرقي سوريا سياسيا وأمنيا واجتماعيا واقتصاديا بما يمنع من ظهور التنظيم مجدداً، لكن الذي حدث هو العكس تماما حيث غياب أي تصور سياسي واستراتيجي متكامل لما سيكون الوضع في الرقة وغيرها من المناطق بعد القضاء على هذا التنظيم الإرهابي على عدة صعد أهمها الصعيد التربوي، فقد بلغ عدد المدنيين الذي خضعوا لسيطرة داعش في سوريا أكثر من 300 ألف مدني كانوا عرضة للعيش تحت إدارة عسكرية ودينية متشددة للغاية، تحدد عليهم طريقة اللباس الذي عليهم أن يرتدوه، وتشترط عليهم مواعيد عملهم وطبيعة حياتهم، والأهم من كل ذلك قامت داعش بتغيير المناهج الدراسية في كل المدارس تحت سيطرتها، وملأت هذه المناهج الدراسية بالكثير من المفاهيم الدينية المتشددة والمتطرفة مما من شأنه أن يغير الكثير من مفاهيم الأجيال التي نشأت تحت التنظيم من مفاهيمها خاصة بما يتعلق بمفاهيم التسامح والتعايش مع الآخر، لقد لوحظ ارتفاع عدد اليافعين من السوريين الذين قاموا بعمليات انتحارية لصالح داعش بدءاً من عام 2016 علماً أنه كانت هناك مقاومة اجتماعية شديدة لإدارة التنظيم للمناطق في سوريا قبل سيطرة التنظيم على الرقة، وقد أدت هذه المقاومة إلى قتل الكثير من مقاتلي الجيش السوري الحر والناشطين الذي قاموا بفضح ممارسات التنظيم عبر الإعلام ولذلك عمدت داعش إلى اغتيالهم، ولذلك يمكن القول إن جيلاً جديداً من الشباب السوري ربما يكون مُعبّأً بأفكار تنظيم داعش سيجد نفسه غريبا بعد القضاء العسكري على التنظيم لكنه بنفس الوقت قد تصبح عملية تأطيره لصالح أية عمليات إرهابية داخل سوريا أو خارجها سهلة للغاية.

ولذلك لابد من الإعداد لبرامج تربوية سريعة تخلص الشباب السوري من أخطار داعش المتطرفة وإعادة تأهيل المدارس والمؤسسات التربوية بشكل يسمح بمحاربة الفكر المتشدد.

لكن الذي حصل هو العكس تماما حيث سيطرت قسد على هذه المناطق وقامت بفرض مناهج خاصة بها تمجد بأوجلان وتستبدل الأسد وزعيم داعش بعبد الله أوجلان وغيره من زعماء التنظيم فضلا عن تغيير المفاهيم الثقافية والدينية بما يصطدم مع مفاهيم وتقاليد المنطقة هناك قبليا وعشائريا.

أما على الصعيد السياسي فقد تمكنت قوات سوريا الديمقراطية من السيطرة على الرقة بشكل منفرد و بدعم من الولايات المتحدة، فإن الشكوك بتقسيم سوريا ستزداد وتتعمق، خاصة مع الميل الواضح لقوات سوريا الديمقراطية المكونة من الكرد بشكل رئيسي من تأسيس حكم ذاتي خاص بهم في تلك المناطق رغم أنهم ليس لديهم أكثرية في تلك المناطق أبداً، وبالتالي ستصبح الرقة عرضة للا استقرار السياسي على المدى القصير والطويل مما سيزيد من الصراع الأهلي وربما يتحول إلى صراع إثني بشكل أوضح في ظل الخلاف التاريخي بين القبائل العربية والعشائر في تلك المناطق مع الكرد ، وبالتالي مع عدم حدوث حلول سياسية والاكتفاء فقط بالتخلص من داعش عسكريا سوف يعمق الفراغ الأمني في تلك المنطقة ويعرضها لظهور تنظيمات إرهابية أخرى ربما تنشأ كخلف لتنظيم داعش كما جرى في العراق في عام 2004 بعد القضاء على تنظيم الزرقاوي.  

يبقى القول أنه مع تحرير الرقة، فإنها لن تكون نهاية داعش في سوريا، فداعش تحولت باتجاه التركيز على الخلايا النائمة، وبنفس الوقت اتباع استراتيجية ضرب الأهداف بشكل سري، بحيث تتمكن هذه الخلايا من الضرب بغض النظر عن الهدف سواء أكان مدنيا أم عسكريا وفي كل منطقة تتمكن من القيام بذلك وهو ما سيزيد من شعبيتها ويمكنها من الحفاظ على قوتها الأيديولوجية وعدم انطفائها بشكل نهائي.