عود على بدء: سوريا.. درعا البلد

2021.07.22 | 07:40 دمشق

a3dcc51c-9a62-4d91-b934-2e5f8b775f87.jpeg
+A
حجم الخط
-A

طالما أن درعا البلد محاصرة، فإن ذاكرتنا الحورانية، ستبقى واقفة متأهبة. فنستعيد تفاصيل ما جرى قبل عشر سنوات، بداية من مظاهرات المدينة إلى الفزعات التي قدمت إليها من أريافها، فجعلتها قوات النظام الأمنية مجازر متنقلة، وصولاً إلى بيان "فك الحصار عن درعا"، والذي أطلق عليه سفهاء النظام من الفنانين تسمية مختلفة هي "بيان الحليب"، وحولوه إلى صيغة للتعريض بالنساء السوريات اللواتي وقّعن عليه، فصارت قصة إدرارهن للحليب، ووجود أطفال رضع محاصرين، خلطة ساخرة، يتندر عليها بفحش وبذاءة، ويقهقه فنانون، لم يخجلوا من امتهانهم للكرامة الإنسانية، ولم يترددوا لاحقاً في إعلان موقف صريح وواضح يؤيد النظام الأسدي، لا بل إن بعضهم تطوع ليكون صوتاً معلناً للفاشية الكامنة في عقول قادة الأجهزة الأمنية، وقادة القطع العسكرية، الذين وضعوا في صلب أهدافهم القضاء على الثورة في المدينة، فنقل البعض عن أحد صغار الفنانين – وهو ابن روائي سوري راحل- أنه لو كان الأمر بيده، لمسح مدينة درعا من وجه الأرض، وحولها إلى حقل لزراعة البطاطا!

في أوقات أخرى، تم نقل الرواية ذاتها عدة مرات، منسوبة إلى نفس الشخص، ولكن ضمن سياق يتعلق بمدينة دوما تارة، ومدينة حرستا تارة أخرى.

غير أن الثابت في الأمر هو ميكانزمات التفكير، وهي هنا، المسح المادي، بما يعنيه من فعل تدميري، بجوهر مصقول على عدة وجوه، إبادة السكان، تهجير الناجين، تدمير الحواضر، شطب الاسم عن الخرائط، مروراً بتدمير التراث المادي، بعد تكفل النزوح واللجوء والتبعثر والتشتت بدمار التراث اللامادي، وصولاً إلى تدمير الأمكنة الأثرية، والادعاء بأن ذلك قد حصل على يد الفصائل المحلية التي يسميها النظام بـ"الإرهابيين"، أو أن ذلك قد وقع بسبب الأعمال الحربية، التي تهدف إلى إنقاذ السوريين المختطفي الإرادة، على يد العصابات المدعومة من ثمانين بلداً، تشترك في الحرب على سوريا، بحسب ادعاءات الإعلام الممانع!

الأصوات سالفة الذكر، والتي نقلت نوايا النظام في إبادة درعا الثائرة وغيرها، عادت إلى موقعها الطبيعي، خلف الصفوف، في سياق الأحداث، وبعبارة أخرى عادت إلى التظلل، تحت البوط العسكري، وجاء دور القادة الأمنيين، ليصرحوا بألسنتهم عما يريدون أن يفعلوه راهناً، في حال لم يوافق سكان درعا البلد المحاصرين منذ شهر تقريباً على تسليم الأسلحة الفردية التي يمتلكونها، وضمنتها لهم اتفاقيات التسوية الموقعة مع النظام، برعاية روسية.

وهكذا، يرسل رئيس شعبة الأمن العسكري العميد لؤي العلي للأهالي الصامدين رغم الحصار، تهديداً صريحاً بإرسال "قوات النمر" لهدم المسجد العمري، وإغلاق معبر (سجنة) الوحيد إلى درعا البلد، الذي يسيطر عليه القيادي في الأمن العسكري مصطفى المسالمة (الملقب بالكسم).

وفي رواية أخرى للجزء الأول من التهديد، نقل البعض عن أن العميد هدد أيضاً بسرقة حجارة الجامع، بعد هدمه!

بعض الجديد في القصة، أن ثمة تصريح معلنٌ باستهداف مكان يحمل قيمة دينية وأثرية، وهو بالإضافة إلى ذلك يحمل قيمة رمزية، تخص سكان المدينة

على أرض الواقع، لاشيء جديد في أفعال لؤي العلي، فهو جزء من منظومة كاملة، صلت السوريين عقداً كاملاً بالنار والحديد، بعد أن حاولت إنهاء روح التمرد والكرامة، طيلة عشرات السنين، وفي المقابل لم يُصدم أحدٌ بردود أفعال الهيئات الأهلية والوطنية في درعا وريفها، حيث رفضت الرضوخ لإملاءات النظام، وأدواته الأمنية، مجددة قرارها بالصمود في وجه الحصار!

بعض الجديد في القصة، أن ثمة تصريحا معلنا باستهداف مكان يحمل قيمة دينية وأثرية، وهو بالإضافة إلى ذلك يحمل قيمة رمزية، تخص سكان المدينة؛ فمن الجامع العمري بدأت ثورة السوريين، وفي الشوارع حوله سقط أول شهداء الكرامة، وفي ظن صاحبه أن الهدم سوف يحقق ما عجزت عنه حرب النظام، في السنين المنصرمة.

وأيضاً لدينا تصريح أشد قتامة، عن إمكانية سرقة الحجارة التي تعشقت ملايين المرات، عبر مئات السنين، بأصوات المصلين، وهي تهجد باسم الله سبحانه وتعالى، وهي بالإضافة إلى ذلك، جزء من آثار لا تقدر بثمن!

في ريف حماه شمالاً، على بعد مئات الكيلومترات من درعا، حيث تقوم قوات النظام بتضمين أراضي اللاجئين والنازحين الزراعية، بحقولها وأشجارها المثمرة، وتأجيرها لتجار ومزارعين متواطئين معها، بمزادات علنية، يترادف هذا الفعل، مع قصة رواها لي أحد سكان المنطقة، عن اختراع عناصر الشبيحة أسلوباً جديداً من أجل "تقبيع" بلاط منازل الغائبين، حيث يعمد هؤلاء إلى فرط التربة بقوة ضغط أنبوب غاز منزلي، ما يؤدي إلى خلخلة الأرضيات، والحصول بالتالي على البلاط دون تكسيره!

بعد هذه القصة، أسأل وببساطة؛ ما فائدة الحديث عن تراكم القيم الروحية والمادية أمام من يهددون بهدم الجوامع ونهب حجارتها، ويسرقون بلاط البيوت، ويسحبون شرائط الكهرباء من الجدران، بعد أن يعفشوا موجوداتها، ويفككوا أبوابها ونوافذها؟!