عندما تختزل الدولة بطاغية

2022.06.21 | 06:58 دمشق

aldmar-fy-mtar-dmshq-aldwly-733x470.jpg
+A
حجم الخط
-A

ببساطة شديدة قصفت إسرائيل مطار دمشق الدولي، وأخرجته عن الخدمة، وببساطة شديدة نقلت وسائل إعلام النظام خبر استهداف إسرائيل للمطار، وخروجه عن الخدمة، كما لو أنه مطار عاصمة بعيدة، وكأنّما دمشق ليست العاصمة، وكأنّما المطار المقصوف ليس هو المطار الأهم في سوريا، وليس له أي اعتبار يميزه عن باقي الأهداف التي تقصفها إسرائيل في سوريا، من شرقها إلى غربها، ومن شمالها إلى جنوبها.

لم يعد لأي منطقة أو منشأة أو نقطة عسكرية تستهدفها إسرائيل أي حصانة أو حماية، فكل ما في سوريا مشاع لجيشها، والرواية الجاهزة دوماً هي الوجود الإيراني، والرواية الروسية أيضاً جاهزة دوماً هي أن روسيا لا توافق على هذه الضربات، لا بل تستنكرها، والرواية الإيرانية الدائمة هي الصمت، لكنها لا تتوقف في صمتها المريب عن مواصلة تحريك ميليشيات تابعة لها في كل المساحة الجغرافية التي يسيطر عليها النظام، وكأنها تجهز لإسرائيل أهداف جديدة.

ستعرف وأنت تتابع ما يجري في سوريا أنك أمام مسرحية مجنونة لمعركة لا أحد يهتم بما تحدثه في ساحتها، ولا بمصير من يعيشون فيها، معركة اتفق أطرافها على أن هذه الجغرافيا المسماة سوريا هي أرض مشاع

ستعرف وأنت تتابع ما يجري في سوريا أنك أمام مسرحية مجنونة لمعركة لا أحد يهتم بما تحدثه في ساحتها، ولا بمصير من يعيشون فيها، معركة اتفق أطرافها على أن هذه الجغرافيا المسماة سوريا هي أرض مشاع، وأن من يعيشون فيها مهدورو الدم، لكنك ستعرف أيضاً أن من يحكم سوريا ليس أكثر من سمسار، مرتزق، يستعمله كل طرف كشاهد زور عندما يحتاجه.

السخرية الفاجعة في هذه المسرحية، هي أن كل الأطراف تنسق فيما بينها، واتصالاتها لا تنقطع، فإسرائيل تنسق مع الروس، والروس ينسقون مع الإيرانيين، والإيرانيون ينسقون مع الأتراك، والأتراك ينسقون مع الأميركان، والأميركان ينسقون مع الإسرائيليين والروس والأتراك والإيرانيين .... أية أحجية هذه؟

في كل هذه التقاطعات، ثمة حقيقة واضحة لا اختلاف حولها بين كل الأطراف، وهي أن سوريا بلد مستباح بلا أي سيادة أو حقوق، وأنّها – أي سوريا- بجغرافيتها، وشعبها، وسيادتها، وثرواتها، وتاريخها و..و... لا أهمية لها في تنسيقات وتشابك مصالح الآخرين ومعاركهم، سواء في الجغرافيا السورية، أو في جغرافيات أخرى تبعد مئات الكيلومترات عن سوريا.

والسؤال حول ماذا يفعل النظام السوري الذي يدّعي أنه "الممثل الشرعي" للشعب السوري ؟

الجواب الذي يعرفه السوريون والعالم هو أنه لا يفعل شيئا، إنه ينتظر فقط، ينتظر ماذا ستفعل إسرائيل ضد إيران على الأرض السورية

الجواب الذي يعرفه السوريون والعالم هو أنه لا يفعل شيئا، إنه ينتظر فقط، ينتظر ماذا ستفعل إسرائيل ضد إيران على الأرض السورية، وكيف سترد إيران على إسرائيل على الأرض السورية أيضاً، وينتظر ماذا ستفعل تركيا في حربها مع "قسد"، وماذا ستفعل "قسد" المدعومة من أميركا، وينتظر كيف ستستعمل روسيا نفوذها في سوريا في معركتها مع أوكرانيا، وينتظر كيف ستساوم إيران على سوريا في ملفها النووي، وينتظر هل ستتفق روسيا مع إسرائيل على حدود التدخل الإسرائيلي العسكري في سوريا، وكيف سيكون هذا الاتفاق ..وينتظر، وينتظر،..وينتظر، والأخطر من كل هذا أنه ينتظر ماذا سيتبقى له من سوريا!!.

لكن ماذا بإمكان هذا النظام أن يفعل غير الانتظار، وهو الذي منذ أن وجد أصلاً لم يكن يوماً إلا تعبيرا عن توافق مصالح الآخرين، ولم يفعل يوماً ما تمليه المصلحة الوطنية السورية الصرفة؟

إذا كان هذا النظام عاجزا عن حماية سوريا عسكرياً، وعاجزا عن حماية أي موقع فيها حتى لو كان مطار عاصمته، الذي هو نافذته الوحيدة إلى الخارج، ليس هذا فحسب بل إن إسرائيل وفي تصريح لمسؤول فيها هددت بقصف المكان الذي ينام فيه بشار الأسد، وهي قادرة فعلاً على قصفه.

وإذا كان هذا النظام عاجزا عن منع انهيار الاقتصاد السوري، ومنع تدهور الحالة المعيشية للمواطنين السوريين، ومنع انهيار كل الخدمات التي تقدمها الدولة لمواطنيها في مجالات الصحة، والتعليم، والقضاء و..و...إلخ.

وإذا كان هذا النظام عاجزا عن تأمين الأمن للمواطنين، وعن تأمين التيار الكهربائي، والوقود، ووسائل النقل لهم، والطحين الكافي لخبزهم، وعاجزا عن تأمين الدواء لمرضاهم، وعن توفير مستلزمات التعليم، وعن..وعن.. فما هو مبرر وجوده؟

إذا كانت كل مبررات وجود الحكومة، وكل المعايير التي تضع أطرافاً أو أشخاصاً في موقع السلطة، أو في إدارة الدولة غير موجودة، فأي معنى للدولة إذاً؟

الجواب على هذا السؤال بديهي إذا كنا نريد فعلاً أن نقرأ الدولة والحكومة والنظام في سوريا، بدلالة مصلحة الشعب والوطن والسيادة، وإن بديهيات الدولة والحكومة والنظام تتطلب بالضرورة، إقالة كل القائمين على إدارة هذه الدولة، ومحاسبتهم، لفسادهم، وسوء إدارتهم، وخيانتهم للمسؤولية التي يحددها القانون والدستور.

قد نجد جوابا على سؤالنا عن مبرر وجود من يحكمون سوريا اليوم في مواقعهم، فهم لم يوجدوا يوما بدلالة الشعب، أو الدستور أو القانون، وإنّما وجدوا دائماً بدلالة مصلحة المافيا التي تحكم سوريا

لكننا إن نحيّنا جانباً مصلحة السوريين كشعب، ومصلحة سوريا كوطن، فإنّنا قد نجد جوابا على سؤالنا عن مبرر وجود من يحكمون سوريا اليوم في مواقعهم، فهم لم يوجدوا يوما بدلالة الشعب، أو الدستور أو القانون، وإنّما وجدوا دائماً بدلالة مصلحة المافيا التي تحكم سوريا، وبدلالة علاقة هذه المافيا مع الخارج.  

وفق كل المعطيات، والأرقام، والوقائع، فإنّ حقيقة ما فعله "النظام" السوري في سوريا يمكن تكثيفه بنقطتين، الأولى تتجلى بتحطيم كل مقومات الدولة، وتدمير المجتمع السوري، ونهب ثروات الشعب السوري، ورهنها لصالح الآخرين مستقبلاً، وتشريد وقتل ما يزيد على نصف الشعب السوري، وتحويل حياة من بقي منهم إلى جحيم لا يمكن احتماله، والثانية إغراق سوريا بالمخدرات، وبالقوى التي تفقده هويته، وتهيئة الجغرافيا السورية للتقاسم وفق مصالح وقوة الأطراف الدولية.

يبقى السؤال الذي يقض مضاجع السوريين على اختلاف مشاربهم واصطفافاتهم، وأماكن وجودهم، وآرائهم السياسية مكثفاً بالسؤال ماذا بعد، ومتى ستنتهي فصول هذه المسرحية؟

بعقل بارد يمكن القول إن هذا الغد لن يكون إلا نتاج هذا اليوم واليوم الذي سبقه، نتاج مر وصلنا إليه بعد عقود من تحطيم الوطن والمجتمع، ولن يكون ختام هذه المسيرة الطويلة من التحطيم المتعمّد، والممنهج لكل مقومات الوطن، إلا سيناريو يبدو مرجحاً، وربما وحيداً، فكل المؤشرات تدل عليه.

سوريا التي تدمر وتقسم اليوم سيقف غداً مسخٌ يسمى "رئيساً" فوق خرابها، ليعلن انتصاره وتصميمه على استرجاع نصف سوريا التي وهبها مقابل أن يبقى رئيسا، ولكي يكتمل مشهد العبث حتى نهايته، لابد من مهرجان البلاهة حين يوافق قسم كبير من السوريين، أن بقاء النظام هو انتصار ساحق، وأنهم في مواجهة معركتهم القادمة سوف يستبدلون "الدبكة" التي كانت سلاحهم الوحيد في معركتهم السابقة، بسلاح "اللطم" الأكثر فعالية.