عن معنى سقوط الأنظمة..

2021.03.03 | 00:03 دمشق

ipnk3.jpg
+A
حجم الخط
-A

ماذا يعني سقوط الأنظمة في العالم، أو ماذا يعنينا خوف الطغاة من الأغاني والحريات والمساحات المفتوحة، في عالم يتجه في سلوكياته نحو مزيد من الانغلاق والتمترس خلف الحدود، في وجه من عملته الذهبية، وفي وجهها الآخر انفتاح الصين الشعبية الدكتاتورية على العالم وسعيها الحثيث لاجتياح العالم وأسواقه بمنتجات العبيد الجدد، وفخر نظامها بانتصارهم في معركتهم ضد الفقر التي نجحت الصين فيها في انتشال 99 مليون إنسان من تحت خط الفقر ولكن مع تحويلهم إلى أقنان للعصر الجديد، دون حقوق أو مميزات أو قوانين تحميهم..

في عالمنا العربي وكل الدول التي في جواره التي تعيش ثقافة تشبهه تماماً، لاتزال ثقافة المماليك التي كان أساسها السياسي هو في مقولة (اقتل السلطان فتصبح السلطان) فالمعنى الجوهري في آلية انتقال الحكم في تلك البلدان الكثيرة، عرباً وفرساً وتركاً، وكرداً وبلوشاً وما لف لفيفهم... هي في قتل الحاكم كي يتم الحلول مكانه، أو إن شئنا في معنى آخر فإن الحاكم لن ينزل من الكرسي إلا جثة هامدة، وهذا كلام غير تعميمي لا يستثنى منه إلا ومضات أو طفرات لا تذكر ولا تصلح للتعميم..

إن كان لسقوط النظام عادة خصائص وتعريفات، فهي كلها مستوفاة في نموذج سقوط نظام ترامب وتولي بايدن الرئاسة

ولكن في عموم الأرض شرقاً وغرباً، تتساقط الأنظمة بشكل دائم، وحتى في تلك البلدان الديمقراطية التي يحق فيها للمواطن أن يشارك في إدارة بلده، فمثلاً ودونما أدنى شك لم يكن تغيير الإدارة الحاكمة في واشنطن بين دونالد ترامب وخلفه جو بايدن، إلا سقوطاً مدوياً لنظام استمر أربع سنوات طوالاً، صال وجال فيها ترامب في أرجاء العالم عبثاً أشبه بعبث نيرون في روما، فبنى لنفسه أنصاراً حول العالم وحشد حوله أعداءً هللوا لسقوطه عبر صناديق الانتخاب، وإن كان لسقوط النظام عادة خصائص وتعريفات، فهي كلها مستوفاة في نموذج سقوط نظام ترامب وتولي بايدن الرئاسة خلفه، أهمها هو الحسم في تبديل سياسة ترامب باتجاه معاكس تماماً من قبل بايدن وإدارته، وانقلاب أركان الأخير على سياسات ترامب في كل المجالات الاقتصادية والسياسية والثقافية والعسكرية، من جهة أخرى محاولات محاسبة ترامب نفسه هو وأركان حكمه، طبعاً عبر محاكمات ومساءلات قانونية تتأرجح بين الانتقام والتشفي من قبل جمهور بايدن، وبين الرغبة الفعلية في تصحيح ما خربه والمضي قدماً في الحياة السياسية الأميركية...

ولكن أليس هذا بالضبط ما حصل مع تداعيات سقوط نظام صدام حسين في العراق 2003؟ حيث تم إنجاز سياسات معاكسة تماماً لكل خارطة التحالفات والترابط والتشابك الذي أنجزه صدام وحزبه طوال ربع قرن، ومن ثم محاكمته وإعدامه برفقة أركان نظامه، أو ليس هذا بالتحديد ما حصل مع القذافي ومبارك وعلي صالح وشاه إيران وموبو سيسيكو وغيرهم الكثير... فالتغيير هو سمة أساسية من سمات العمل السياسي، وما يحصل في الدول الديمقراطية هو ذاته ما يحصل في الدول المتخلفة، ولكن تختلف الأدوات، من أدوات قانونية دستورية إلى أساليب دموية قمعية ستنتج حتماً ذات السياسات التي انقلب عليها المنقلبون، ولنا في النموذج العراقي والإيراني عبرة وعبرة..

إن سقوط الأنظمة في الغرب هو أمر يتم على الدوام، وغالباً ما يتم دونما إراقة دماء، أو قطع شوارع، وإنما مع إسالة آلاف الغالونات من الحبر في نقد وتفنيد وتحليل ومحاكمة النظام السابق.

إن فكرة النظام تعني كيفية تنظيم إدارة وسياسات تلك المجموعة التي وصلت إلى الحكم، وما هي آلية حكم البلد الذي وصلوا إليه، لذلك فإن النظام السياسي في الاتحاد السوفييتي سقط أكثر من مرة بينما العلم الأحمر لا يزال يرفرف فوق الكرملين، فستالين سقط مع نظامه وأعدم عدد من أركانه على يد خرشوف وزمرته، وغورباتشوف وصل إلى الحكم نتيجة انقلاب سياسي أدى إلى سقوط النظام السياسي.. وكذلك الأمر حينما سقط نظام شارل ديغول على يد متظاهري 1968، وكذلك سقط نظام عبد الناصر على يد أنور السادات، بعد موته وهو لا يزال في بداية الخمسينات من عمره.

إن سقوط الأنظمة، أمر مختلف عن تغييرها، وتغيير الأنظمة مختلف عن تبادل السلطة، فتبادل السلطة يتم داخل نظام سياسي واحد يستمر عبر أكثر من رئيس وحكومة، ويعبر أكثر من انتخابات، حيث تستمر ذات السياسة تقريباً مهما تغير من رئيس، ولكن سقوط النظام هو أمر يعني انقلاباً تاماً في السياسات ويستدعي أحياناً محاسبة لانتهاكات تتم أو تمت في فترة حكم ذلك النظام.. وهو ما ينتظر أن يحصل في حالة النظام الإيراني الذي يسيطر عبر حكام محليين على أكثر من بلد، مارسوا أفظع الجرائم على شعوبهم، فإن سقط هذا النظام فستنعكس حتماً جميع سياساته أو أغلبها، وسيتحول النظام الاقتصادي فيها، ويجب أن تتم محاكمات لمسؤولي ذلك النظام رباعي الرؤوس.. الأمر ذاته سيحصل في الصين في حالة تغيير النظام وليس تبديل رئيسه، عبر محاسبة جميع مجرمي ذلك النظام وفتح الملف أمام جميع المتضررين منه كي يحاسبوا جلاديهم.