عن لبنان الذي بات شديد الشّبه بمسيحيّيه

2021.06.25 | 06:25 دمشق

2021-06-19t122256z_89956940_rc2m3o9pe3if_rtrmadp_3_lebanon-crisis-eu.jpg
+A
حجم الخط
-A

ينشر مدير تحرير جريدة النّهار اللّبنانية العريقة مقالا يندب فيه لبنان بدعوى أنّه قد بات عاجزا عن التّشبه بمسيحيّيه. يعزو هذه النّهاية الدّراميّة للبلد إلى غلبة الإسلاميّين على مشهده وصورته، سواء  لناحية  المتطرفين الإسلاميّين الّذين ينتمون في أغلبيتهم السّاحقة إلى أهل السّنة وما تسببوا به من خطر كبير على الوجود المسيحي، أو لناحية التّحالف الماروني مع حزب الله الشّيعي وما أسّس له من تغيير هوية كثير من المدن والقرى المسيحيّة.

لا ينكر الحجار في مقالته بعض أفضال هذا التّحالف، ويرى أنّه في مرحلة ما وفّر ظروف التّهدئة والتّعاون ولكنّه في عمقه أنتج سياسة القضم وتقليص الحضور المسيحي كبديل عن اعتماد العنف المباشر.

يشير مدير تحرير النّهار إلى أنّ لبنان الّذي يحنّ إليه لا يدين بنشوئه إلى عنوان مسيحيّ خالص النّقاء، ولكنّ الحضور المسيحيّ فيه لطالما كان أساسيّا وفاعلا.

يغيب هذا الحضور الآن، وتغيب أدواره التّاريخيّة وتذوب إمكانيّة استمرارها في الجامعات والمدارس، ويتحوّل البلد ثقافيّا وسياسيّا إلى نوع من المستعمرة الإيرانيّة، الّتي لن يكون للمسيحيّين من خيار أمام نموّها وسيطرتها على مشهد البلاد سوى الهجرة والرّحيل.

صورة السّنة كما يستعملها الحجار ويوظّفها تفترض على غرار اليمين الغربي أنّ الإرهاب هو وصف للسّنة، وبذلك يحيل إلى مرجعية الإرهاب كأصل نهائي للسلوك السّني، وينظر إليه كمسبّب رئيسي لتغيير وجه لبنان المسيحي، ويضيف إليه الـتّحالف المارونيّ مع حزب الله الّذي ينزع عنه الإرهاب والعنف، ويعتبر أنه دفع البلد في اتجاه السّقوط في جحيم الوصاية الإيرانيّة.

لا شك في وجود إرهاب سني ولكنّ هذا الإرهاب لم يصب بأسه وهوله بشكل مكثّف وعنيف إلا على السنة أنفسهم.

 خريطة المدن والعواصم السّنيّة المدمرة تمتد من دمشق إلى صنعاء وبغداد وتكشف عن آثار هذا الإرهاب على السّنة وحضورهم ودورهم وتحولهم إلى أكثريّة مشتّتة، مهزومة ومدمرة، يحاول مدنيّوها والمعتدلون فيها الدّفاع عن أنفسهم وبقائهم ضد إرهاب سني نما وترعرع وتأمنت له الموارد والدعم المادي والميداني والسلاح من قبل الإرهاب الإيراني الّذي سطا على مقدرات المنطقة والبلد.

لا شك في وجود إرهاب سني ولكنّ هذا الإرهاب لم يصب بأسه وهوله بشكل مكثّف وعنيف إلا على السنة أنفسهم

سبق له كذلك أن عطّل لأكثر من عامين انتخاب رئيس للجمهوريّة في لبنان، وهو المنصب الذي يمثل درّة تاج الحضور المسيحيّ في الشّرق، كي يفرض ميشال عون الإيراني الهوى، الّذي يدافع عن حقّه بهذا المنصب بعنوان أنّه يمثّل الأكثريّة المسيحيّة، وهو أمر لا يمكن إنكاره.

يعني ذلك أنّ هذ اللّبنان الّذي يقول الحجّار إنّه لم يعد يشبه مسيحيّيه إنما تم بانجاز مسيحي، فمن غير المسيحيين لا يمكن في أحسن الأحوال إلا أن يكون تعبيرا عن مشروع شيعي خاص بحزب الله.

لم يبدأ هذا النّزوع مع لحظة تكريس ميشال عون رئيسا إنما بدأ منذ توقيع تفاهم مار مخايل الشهير عام 2006، بعد فترة وجيزة من اغتيال حزب الله الإيراني لرئيس الوزراء السّني رفيق الحريري.

منذ تلك اللّحظة بدأت التحولات السّلوكية والثقافية قبل السّياسيّة في التغلغل في الوسط المسيحي، وشاعت مظاهر تأليه الجنرال عون وتشبيهه بالمسيح وما إلى ذلك على غرار تقديس نصر الله.

وبدأ التأيرن يشكل صيغة تتنافس جل القوى المسيحية الفاعلة على تحقيق المكاسب والوصول إلى السلطة من خلالها مباشرة، كما هو حال الظّاهرة العونيّة، أو عبر ما أسست له كما هو حال الظاهرة القواتيّة وحرصها على الاستفادة من القوانين الانتخابيّة التي وضعت تحت ظل الاحتلال الإيراني كما تسميه لتوسيع حجم كتلتها النيابيّة، أو الاستفادة من التناقضات والدّفع في اتجاه استجلاب الشرعيّة من الحلف الإيراني مع بشار الأسد كما هو حال سليمان فرنجية وطموحاته المستندة على نزعة حلف الأقليّات، الّذي سبق أن شرعنته زيارات كنسية على مستوى رفيع إلى الأسد في اللحظة التي كان يبيد فيها الشّعب السّوري برعاية روسيّة.

يعني ذلك أن المسيحيين في تياراتهم الغالبة ما خلا بعض تعبيرات يائسة تصدر من عدد من الشخصيات المسيحيّة قد توجهوا مبكّرا في اتجاه إيران، وكان في ذلك العلامة التي لا تخطئ على السقوط المدوّي للبلد الّذي نشهده حاليًّا.

اللافت أنّ هذا الانبهار بإيران لم يستطع أن يصنع نسخة خاصة به بل بدا على الدوام كاريكاتوريّا ومثيرا للسّخرية وأنتج مجموعة من النّماذج الّتي تستعير خطاب نصر الله وأساليبه في التّهديد والوعيد من دون امتلاك قدرته.

بات المشهد المسيحيّ مع وجود جبران باسيل وسواه وكأنه لا يمثل خروجًا عن نخبويّة مسيحيّة تاريخيّة وحسب، بل يمثل انقطاعًا تامًّا عنها وركونًا إلى مشهديّة إيرانيّة في السّلوك والتّعامل والخطاب، أنتجت قطيعة مزدوجة بين المسيحيّين وتاريخهم، وبينهم وبين واقع البلاد، وجعلتهم شركاء أساسيّين في انهياره وتبدده.

في الحقيقة لبنان الآن بات شديد الشّبه بمسيحيّيه في واقعهم الحالي وبرئيس البلاد المسيحي الّذي يجتهد على مدار السّاعة في تفكيك الشّرعية التي يقوم عليها البلد وهي الدستور، ويحول خصوصيّة الدّور المسيحي إلى حالة ميليشيويّة تطابق مفهوم التسلّط الإيراني، وتعيد إنتاجه تحت عنوان حقوق المسيحيّين بشكل ينزع عنهم صفة المواطنين ويحوّلهم رغما عنهم، على غرار ما يفعل حزب الله والإرهاب السّني بالناس، إلى جنود منذورين للموت والهباء.

وأما بعد فهل من صورة ممكنة للبلد؟

 لقد بات البلد بلا ملامح. محاولة إعادة رسم وجهه على هيئة طبيعيّة تقتضي قبل كل شيء رفض الاعتراف بأيّ سلطة تنتج عن السّلاح واعتبارها سلطة احتلال، والعمل على نزع الشرعيّة عنها وإسقاطها دفاعًا ليس عن صورة البلد وحسب، ولكّن عن وجوده.