عن الصراع داخل الإدارة الأمريكية حول الوجود العسكري في سوريا

2018.08.08 | 00:08 دمشق

+A
حجم الخط
-A

قبل أيام، أبلغ وليام روباك، السفير المُكلّف من قبل الرئيس الأمريكي دونالد ترمب بتولي الملف السوري، مسؤولين محليين في مدينة الطبقة جنوب نهر الفرات، بتعهد ترمب ببقاء القوات الأمريكية والتحالف الدولي العاملة في المناطق المحررة من تنظيم داعش شرق الفرات، لمنع حدوث فراغ أمني أو عسكري أو عودة داعش.

تعيد زيارة روباك، وتأكيد نيته القيام بزيارة ميدانية للمدن والبلدات في شرق الفرات، الحديث عن الوجود العسكري الأمريكي في سوريا، وعن ما وراء مهمة التحالف الدولي والقوات الأمريكية، أو بعبارة أخرى ما بعد هزيمة داعش.

في السابق، واجه ميل الرئيس ترامب لترك الملف السوري بالكامل رفضًا شديدًا من قبل فريق الأمن القومي في الإدارة، الذي رأى أن الوجود الأمريكي مهم لمكافحة داعش، وضمان كرسي على طاولة المفاوضات بشأن مستقبل الأسد، وتوفير حاجز ملموس في مواجهة التمدد العسكري الإيراني في سوريا.

قبل توليه الرئاسة، أكد ترامب مرارًا موقفه الداعي لعدم تورط الولايات المتحدة في سوريا. وفي نهاية آذار الماضي، أثار ترامب صدمة بإعلانه نيته سحب قواته من سوريا، وأمر في اليوم التالي بتعليق المساعدات المالية لمشاريع إعادة الاستقرار والإغاثة في سوريا. ليتلقى على الفور تحذيرًا من مدير وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه) في ذلك الحين مايك بومبيو، ومن رئيس هيئة الأركان الأمريكية جوزيف دانفورد.

ولاحقًا، أكد وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس، النوايا الأمريكية للحفاظ على موطئ قدم في سوريا. وشدّد قائد القيادة المركزية للجيش الأمريكي في الشرق الأوسط، الجنرال جوزيف فوتيل، على أهمية التواجد الأمريكي في سوريا بهدف هزيمة داعش وكبح جماح أنشطة إيران الداعمة لعدم الاستقرار في المنطقة.

في الواقع، يُناهز عدد القوات الأمريكية في سوريا ألفي عُنصر، يتمركزون في شمال شرق البلاد،

كل الضغوط من أقطاب الإدارة، لا تنفي أن ترامب كأي رئيس أمريكي، يتمتع بسلطة دستورية وبيروقراطية تُمكّنه من التغلب على رأي المستشارين والخبراء، والسعي وراء حدسه للانسحاب من سوريا، وترك التكاليف الباهظة لإعادة الإعمار لتتحملها دول أخرى.

حيث قدّموا الدعم لمجموعات مُعارِضة معظمها تابع لوحدات حماية الشعب، ضد تنظيم داعش.

لم تخلُ فترة الوجود الأمريكي من انتقادات موسكو وطهران ونظام الأسد، الذين وصفوه بأنه "مخالف للقانون الدولي"!. فالخارجية الروسية دعت لانسحاب أمريكي كامل من سوريا، وبشار تحدث عن "تحرير منطقة سيطرة أمريكا بالقوة"، وترافق ذلك مع هجوم على مواقع أمريكية في شرق البلاد تحول إلى معركة، قُتل فيها مئات من مقاتلي الأسد والمرتزقة الروس.

ولكن كل الضغوط من أقطاب الإدارة، لا تنفي أن ترامب كأي رئيس أمريكي، يتمتع بسلطة دستورية وبيروقراطية تُمكّنه من التغلب على رأي المستشارين والخبراء، والسعي وراء حدسه للانسحاب من سوريا، وترك التكاليف الباهظة لإعادة الإعمار لتتحملها دول أخرى.

فقد تمكّن ترامب من الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني، عاملًا بضدّ النصيحة التي تلقاها من وزير دفاعه جيمس ماتيس، ووزير الخارجية ريكس تيلرسون ومستشار الأمن القومي هربرت مكماستر السابقَين.

ويتوقع كريستوفر بولان، أستاذ الدراسات الأمنية للشرق الأوسط في الكلية الأمريكية لدراسات الجيش، أن يأمر ترامب بحلول نهاية العام الجاري (2018) بسحب القوات من سوريا. ويرى أن على أعضاء الإدارة الأمريكية استغلال هذه الفترة لتشكيل السياق الاستراتيجي للانسحاب المتوقع.

يرى بولان أن على أعضاء الإدارة العمل لتعزيز نقاط النفوذ الأمريكية غير العسكرية لهدفين اثنين: الحد أو القضاء على نفوذ إيران العسكري في سوريا، وتيسير عودة ملايين اللاجئين السوريين في الدول المجاورة لتجنيب هذه الدول مزيدًا من عدم الاستقرار.

يمكن أن تشترط الولايات المتحدة لانسحابها، انسحاب القوات المسلحة والمستشارين والميليشيات الإيرانية من سوريا، من خلال جهود دبلوماسية مع الرئيس الروسي بوتين وشركاء إقليميين. الأمر الذي من شأنه أن يقنع وزير الخارجية بومبيو بتغيّر السلوك الإيراني، ويُرضي في الوقت نفسه حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة مثل السعودية.

تحتاج الإدارة كذلك لتطوير خطط لزيادة النفوذ السياسي والاقتصادي الأمريكي في جهود إعادة الإعمار، التي ستُسهّل إعادة 11 مليون لاجئ أو نازح سوري تسبّب وجودهم في دول الجوار وفي أوروبا بشكل غير مباشر بزيادة النزعات العنصرية والمخاوف الحكومية من عدم الاستقرار، من تركيا إلى الأردن ولبنان وأوروبا.

تنبع الحاجة إلى إعادة اللاجئين، أو على الأقل إيجاد بيئة مستقرة لعودتهم، من الحاجة إلى إعادة الاستقرار النفسي والاجتماعي لهم. فقد أشارت دراسة لـ "معهد كاتو للسياسات العامة" بشأن المجتمع الأفغاني نُشرت في حزيران الماضي، إلى أن الأضرار التي تتعرض لها المجتمعات من حروب أهلية طويلة الأمد تجعلهم أكثر عرضة للحرب في المستقبل.

وقد تكررت في العامين 2017 و2018، الدعوات للولايات المتحدة والدول الأوروبية الكبرى لربط مساعدات إعادة الإعمار - التي لا تقدر عليها موسكو وطهران ونظام الأسد - بمطالب تحقيق الشفافية والرقابة الدولية على توزيع المساعدات وفرض إصلاحات سياسية وحتى انتقال سياسي.

ولكن جهات مُستقلة وأخرى مرتبطة بالإدارة الأمريكية الحالية، تؤكد عدم وجود رغبة لإحداث ما يُشبه "خطة مارشال" التي أغاثت فيها واشنطن أوروبا التي دُمّرت في الحرب العالمية الثانية، مما قد يحُدّ من النفوذ الذي قد تمارسه الولايات المتحدة على عملية إعادة الإعمار، ويحصره بالمطالبة بالشفافية والرقابة الدولية وهما أمران تمكّن نظام الأسد من تجاوزهما في السنوات الماضية من خلال احتكار توزيع المساعدات الدولية وحرمان معارضيه منها.

ورغم ذلك، يرى بولان أن الولايات المتحدة تملك نفوذًا دبلوماسيًا قد يمكّنها من أن تؤدي دور التنسيق

بغض النظر عن اتخاذ ترامب قراره بالانسحاب آخر العام من عدمه، يظل مدى النفوذ الذي ستملكه الولايات المتحدة وهي خارج سوريا محلّ تساؤل.

وتقديم الخبرات التقنية للبرامج الإغاثية داخل وخارج سوريا، التي يديرها الاتحاد الأوروبي وشركاء آخرون حليفون ومنظمات إقليمية ودولية.

ولكن، بغض النظر عن اتخاذ ترامب قراره بالانسحاب آخر العام من عدمه، يظل مدى النفوذ الذي ستملكه الولايات المتحدة وهي خارج سوريا محلّ تساؤل، خاصة بالنظر إلى أن وجود قواتها داخل سوريا لم يُمكّنها من تعزيز الاتفاقات التي وقعتها مع روسيا بشأن خفض التصعيد في درعا مثلًا.

أيضًا، إذا كان ترامب وهو متّجه لمحادثاته مع بوتين، وضع حلفاءه الأوروبيين في سلة واحدة مع الصين وروسيا، عندما قال: "كل منهم خصم من نوع معين"، فهل يمكن أن يأخذ في مثل تلك المحادثات مصلحة الشعب السوري - الذي لا تجمعه بأمريكا شراكة مثل الأوروبيين - بعين الاعتبار؟ أو حتى مصلحة الولايات المتحدة من الوجود العسكري في سوريا حسبما أشار كبار مسؤولي الإدارة؟