عن أحداث اعتصام إدخال مهجّري القنيطرة وما حصل فيها

2021.05.23 | 19:17 دمشق

مهجرو أم باطنة
+A
حجم الخط
-A

هجّر نظام الأسد بدعم مِن روسيا وإيران، عدداً مِن ثوار بلدة أم باطنة في ريف القنيطرة برفقةِ عائلاتهم إلى الشمال السوري، وكان بينهم مصابون وأسرى محرّرون.

قافلة المهجّرين وصلت إلى معبر "أبو الزندين" قرب مدينة الباب شرقي حلب، بتاريخ 20 من أيار الجاري (يوم الخميس)، ولم تسمح "فرقة السلطان مراد" التابعة للفيلق الثاني في الجيش الوطني السوري بدخولها، متذرّعةً بعدم التنسيق، فضلاً عن أنّ إجراءات الدخول تتطلب وقتاً، مع ضرورة التدقيق الأمني.

شباب مِن ثوار درعا دعوا إلى الاعتصام والتظاهر السلمي للمطالبة بإسراع إدخال مهجّري أم باطنة، وتواصلوا مع جميع الفعاليات والشخصيات الشعبية والثورية في مدينة الباب، وأغلبهم لبّوا الدعوة، ونُظّم اعتصام سلمي، ليل الخميس - الجمعة، عند "دوار السنتر" وسط مركز المدينة.

 

الاعتصام الأول

تجمّع المئات مِن المحتجّين السلميين مِن مختلف المناطق والعائلات والكيانات الثوريّة، وهتفوا للثورة ولإسقاط النظام، مطالبين بالإسراع في دخول المهجّرين العالقين، كما هتفوا للأقصى والقدس وفلسطين، ووجّهوا رسائل مناشدة لكل مَن يستطيع المساعدة، شاكرين مؤسسات الثورة على دورها رغم تقصيرها وأخطائها.

وتحوّل الاعتصام إلى مسيرة بالدرّاجات النارية والسيارات جابت معظم أنحاء مدينة الباب، عند منتصف الليل، وحطت رحالها عند حاجز "أبو الزندين"، وتكرّرت الهتافات نفسها، ولم يُسجّل أي احتكاك مع القوى العسكرية التي تسيطر على المعبر، بل كان الجو ودّياً جداً.

قبيل فجر الجمعة، دخل بعض الناشطين للالتقاء بقيادة "السلطان مراد" في المعبر، وسجّلوا لهم رسالة مصوّرة عن ماهية الاعتصام وأهدافه، والقائمين عليه، وطلبوا مشاركة المقطع داخلياً مع قيادات الفيلق الثاني والجهات العسكرية والأمنية التركية، ثم غادر المعتصمون مِن أمام المعبر إلى مدينة الباب، وفضّوا اعتصامهم بأداء صلاة الفجر جماعة عند "دوار السنتر"، أعقبها حملة تنظيف لمكان الاعتصام في محيط الدوار.

مظاهرة الباب

 

الاعتصام الثاني

بعد صلاة الجمعة، توجّه المعتصمون مِن مدينة الباب إلى معبر "أبو الزندين"، وتكرّرت الهتافات ذاتها، لكنّ الجديد هو تكرار الوعود الفارغة بدخول المهجّرين العالقين، والتي جاءت من قيادة "السلطان مراد" الموجودة في المعبر، ترافق ذلك مع ارتفاع حرارة الجو وتعرّض المعتصمين لأشعة الشمس اللاهبة، وزيادة توترهم بسبب قضاء العائلات المهجّرة في العراء، ليلاً بارداً ونهاراً لاهباً، مع وجود أطفال ونساء وجرحى ومعتقلين سابقين بحالة صحية حرجة.

بعد وقوف المتظاهرين تحت الشمس لأكثر من ساعة ونصف الساعة بانتظار "النصف ساعة" التي أُخبروا بها مِن لحظة وصولهم، فرغ صبرهم، وتعالت أصوات بعض المندفعين ممّن ينتظرون عائلاتهم في القافلة لـ ضرورة اختراق الطوق العسكري المفروض لكن بشكل سلمي، والاندفاع للأمام باتجاه أماكن المهجّرين، بغية الضغط أكثر لتسريع حل أزمتهم.

اصطف العديد مِن الشبّان وهم عراة الصدر وتقدّموا - سلمياً - بثقة وهدوء تجاه القوات العسكرية، في مشهد يُذكّرنا بمشاهد مظاهرات الربيع العربي الأولى، واستطاعوا اختراق الطوق الأول دون احتكاك يُذكر مع عناصر "السلطان المراد"، رغم بعض الاستفزازات مِن قبل عنصرين أطلقا الرصاص في الهواء، في حين كرّر أحدهما إطلاق الرصاص من "مسدس" وأصاب متظاهراً مِن أبناء القنيطرة.

كانت الغاية مِن حركة المعتصمين، الضغط مِن أجل الإسراع بحل ملف المهجّرين، ولذلك بقوا بعد قطع الطوق الأول على مسافة  100 متر  تقريباً مِن الحاجز "صفر" التابع لـ"السلطان مراد"، الذي استقدم تعزيزات عسكرية قيل إنّها مِن "معسكر حوار كلس" شمالي حلب.

وانتشرت التعزيزات عند الحاجز، وكانت مكّونة مِن سيارات دفع رباعي تقلّ العديد مِن العناصر بعتادهم الميداني الكامل، يضعون على أذرعهم شارات "فرقة السلطان مراد/ القوة الأمنية المركزية/ لواء اليرموك"، قبل أن تخرج مجموعات عسكرية راجلة (كل مجموعة تضم بين 6 إلى 8 عناصر) ويحمل بعضهم رشاشات PKC وقنّاصات، وتمركزت بين الأشجار وخلف جموع المعتصمين.

واعتلى بعض العناصر الملثّمين أسطح غرف إسمنتية خلف الحواجز، موجهين أسلحتهم إلى جموع المعتصمين، ما زاد في توتر الجو، وأنذر بقرب اصطدام وشيك، خاصّة بعد تعالي هتاف المعتصمين ضد ممارسات العناصر الأمنية ووصفهم بـ"الشبّيحة".

بعد ساعة تقريباً مِن الانتظار المتعب، ظهرت حافلات ترفع علم الثورة وراية "فرقة السلطان مراد"، ما أثار حفيظة المعتصمين، الذين وصفوا ذلك بأنّها "حركة غير ثورية" هدفها "تبييض صفحة فصيل لا يستحق"، على حساب تعبِ الناشطين وجهدهم في إدخالِ المهجّرين، فأنزلوا رايات "السلطان" مِن على الحافلات، وتركوها تمرّ وهي تحمل أعلام الثورة فقط.

والمعتصمون كانوا يرون بأنّ فصيل "السلطان مراد" هو مَن زاد مِن تعب المهجّرين، وتركهم في العراء يعانون برد الليل وشمس النهار، بدل مِن إقامةِ مخيّم يؤويهم بالتعاون مع الجهات الإنسانية والطبية، أو ينقلهم إلى أحد مباني المعبر وتأمين احتياجاتهم عن طريق المنظمات، لحين حل أزمتهم، أو أن يُدخل النساء والأطفال - على الأقل - ويُترك المقاتلون للتحقق الأمني واستكمال الإجراءات، ولكن كلّ ذلك لم يتحقّق، بل أشار بعض الناشطين إلى أنّ الطعام الذي أتوا به للمُهجّرين، سرق نصفه عناصر "السلطان مراد".

وبعد المزيد مِن ساعات الانتظار والوعود غير الحقيقية والوقائع المأساوية التي ترد تباعاً مِن قافلة المهجّرين، وتوجيه السلاح على المعتصمين مِن قبل عناصر "السلطان مراد"، تعالت الأصوات مجدّداً لاختراق "الحاجز صفر"، فتقدم المعتصمون كالمرة السابقة بشكل سلمي وهادئ، ولكنّ العناصر واجهوهم بالشتائم والتهديد والوعيد الذي ترافق مع ألفاظ الكفر، كما اختطفوا أحد المعتصمين وانهالوا بالضرب عليه، ووضعوه في سيارة "سنتافيه" بغية تغييبه.

تقدّمت جموع المتظاهرين لـ تخليص الشاب وكان في طليعتهم الناشطون: مالك أبو عبيدة، وعمار نصار، ومحمد عبد اللطيف (أبو غنوم)، ومع وصول عمار أولاً قال له ضابط سبق أن أطلق النار مِن مسدسه: "إنت شكلك بدك تهدي الوضع، تعال خلينا نتفاوض ونحل المشكلة"، وساقه بعيداً عن أعين المتظاهرين وانهال عليه برفقة عناصره، بالضرب المبرح.

تنبّه الناشطان "مالك وأبو غنوم" لِما جرى لـ عمار، فعادوا للمتظاهرين وأخبروهم، ليتجمّعوا بدورهم ويهاجموا المجموعة المُسلّحة التي ضربت عمار واختطفت الشاب، ما دفع الضابط إلى إشهار مسدّسه مجدّداً وإطلاق النار بشكل مباشر على المتظاهرين، وأصاب أحدهم، قيل إنه أحد أبناء القنيطرة، كما تبعه عناصره وأطلقوا النار بشكل كثيف، وكانت قريبة مِن رؤوس المتظاهرين وبين أقدامهم، ليستغلّ عمار والشاب المخطوف حالة الفوضى الحاصلة ويلوذا بالفرار  ويتجّها إلى جموع المتظاهرين.

ازداد غضب المتظاهرين على عناصر "القوة المركزية" التابعة لـ"السلطان مراد" وتعالت أصوات الهتاف ضدّهم، وبدأ الناشطون والإعلاميون وعموم المتظاهرين بتكثيف النشر الإعلامي عن الحادثة، ما أجّج الناس أكثر داخل المعبر وخارجه، وخلق تعاطفاً كبيراً مع المعتصمين مِن جهات عسكرية ومدنية، تحرّكت على إثرها قوات مِن الجيش الوطني وطوّقت المعبر، وطلبت مِن قيادة "السلطان مراد" تسليم المتورطين إلى الشرطة العسكرية.

وكان المتظاهرون قد انسحبوا مِن المعبر قبيل وصول تعزيزات الجيش الوطني، وعقدوا العزم على العودة للاعتصام والاستعصاء المدني عند "دوار السنتر" في مدينة الباب، احتجاجاً على استمرار عرقلة القافلة، والإساءات الحاصلة مِن القوة الأمنية المركزية لـ"السلطان مراد".

وفعلاً عاد المعتصمون إلى "دوار السنتر" وأشعلوا الإطارات المطاطية تعبيراً عن الغضب، وهتفوا لصالح قافلة المهجّرين العالقة، وضد فصيل "فرقة السلطان مراد"، وطالبوا بمحاسبة عناصره المتورطين في جريمة إطلاق النار على المتظاهرين وضربهم.

لاحقاً، أدّى بعض المعتصمين صلاة المغرب جماعة في حديقة "دوّار السنتر"، قبل أن تتفرّق المظاهرة، ويذهب الناشطون الذين تعرضوا للاعتداء، إلى تقديم شكوى رسمية لدى الشرطة العسكرية في منطقة الباب، وعاد آخرون للاعتصام مجدّداً عند معبر "أبو الزندين"، أملاً في دخول قافلة المهجّرين.

بعد انتظار في جو ماطر وبارد، استمر للثانية فجراً مِن يوم الجمعة، بدأت أضواء القافلة تلوح مِن بعيد، وخرجت مِن مكان حجزها ترافقها عربات تركية، وأخرى تتبع لـ"السلطان مراد" وفرق الدفاع المدني، وقيل إن وجهتها هي قرية "الزيادية" قرب مدينة الباب، ثم بعد تجاوزها القرية، قيل إنّها تتجه إلى قرية إكدة في منطقة إعزاز شمالي حلب، قبل أن يعلم الجميع بأنّها في طريقها إلى إدلب.

 

تعليقاً على ما جرى

زادت صدمة سكّان مدينة الباب أضعافاً مضاعفة بالمؤسسات الموجودة والقائمين عليها، وصعقتهم الطريقة غير المسؤولة بالتعامل مع الأحداث، خاصّةً مِن بعض منتسبي المؤسسات التي يُفترض أنها ثورية ووطنية.

هناك قسم استغل الأحداث لتعزيز وجهة النظر السلبية ضد فصيل "السلطان مراد"، وآخرون اعتبروا كل ما حدث هو تصفية حسابات فصائلية بين فيالق الجيش الوطني وفصائلها المكوّنة لها، ومع أخذ كل رأي بعين الاعتبار، نرى توافق الجميع على ضعف المؤسسات في المنطقة وسوء التنسيق بين بعضها، وقصور تعاطيها مع المستجدات والأحداث، مع التأكيد أن الشارع الشعبي والحراك الثوري  ما يزال متقدّماً على المؤسسات بمرونة وحكمة تعامله مع الوقائع.

وهنا نتساءل: إلى أي مدى نحن أحرار؟

هل حقاً هذه ثورتنا وأرضنا المحرّرة؟

ما توصيف علاقتنا بالحليف التركي؟

ما مدى وطنية وإخلاص مَن يقوم على مؤسسات الثورة وكيف وصلوا إلى مناصبهم؟

أسئلة كثيرة عصفت بذهن الكثير مِن متابعي الحدث، جعلت بعضهم يُفسّر ما جرى أنه بواكير توضّح مشاريع "حفترية وسيساوية" جديدة ستعصف بالثورة السورية وتقاتلها بشكل مباشر، وما هذا إلا احتكاك مقصود دُفِعَت له أطراف عسكرية سمعتها محل اختلاف وشد وجذب، والغاية منه زيادة نقمتها على الشارع الثوري، وزيادة نقمة الشارع الثوري عليها، حتى يُصبح ضغط الزناد في الغد أو بعده أسهل على الجميع.

المعتصمون عدّوا دخول القوافل المهجّرة والمظاهرات الشعبية الغاضبة ضد "فرقة السلطان مراد" إنجازاً، في حين عدّ "السلطان مراد" ومَن خلفه بأنّ منع القافلة مِن أن تحط رحالها في الباب وتوجيهها إلى إدلب هو "إنجاز" أيضاً، لأنّهم لم يخضعوا لابتزاز الشارع، وفق تعبيرهم، إلّا أنّ الكل أجمع بأنّ الرابح الحقيقي مما حدث هو "الجولاني" وهيئته، التي ركبت الموجة وبنت نجاحها على فشل وتخبط غيرها، ثم يأتي بعدهم مرتبةً بالنجاح، نظام الأسد و"قسد" و"داعش"، الذين رأوا ما حصل فرصة لضخ دعايتهم مِن جديد، والنيل مِن خصمهم العتيد، الثورة السورية.