عن آخر المنافي المتاحة

2021.09.04 | 05:19 دمشق

thumbs_b_c_b6ef2e0d3324267e80a5414738daa42d.jpg
+A
حجم الخط
-A

ضاقت سوريا المنسجمة التي يحكمها النظام على بشرها بكل أطيافهم السياسية والإثنية، ولم تعد من مقومات البقاء أن تكون موالياً أو معارضاً أو حتى رمادي الملامح والهوى، ولهذا باتت مقومات بقاء أي إنسان في وطنه المفترض ليست فقط الكرامة المفقودة والذل الموزع في كل خطوة فقد سادت العتمة والفقر والبرد، ومن الطبيعي أن يبحث هؤلاء عن منافٍ تليق بالإنسانية في حدّها الأدنى.

كل الطرق أغلقت في وجه السوري عربيا وإقليميا، وعرب آسيا من الجيران أخذوا قرارهم في أن الشقيق الهارب المطرود بات عبئاً اقتصادياً ثقيلاً على اقتصاداتهم المتعبة، والبعض رفع شعارات طردهم من القرى والمدن والإعلام على أنهم من أسباب البطالة والأمراض القاتلة والمعدية، ولبنان الجار الصغير لا يخجل من تاريخ الأبواب المفتوحة الذي طالما كان شعار السوريين بالتعامل مع إخوتهم الذين ليس لديهم من إمكانيات الحياة سوى السياحة والفتوش وتصدير المقاومات طبعاً مع الاعتراف بحجم الموت الذي وزعته قوات الردع وسرايا الدفاع على اللبنانيين في كل اتجاه لكن هذا وحده لا يجعل من مطرودي سوريا (مكسر عصا) بين فرقاء الصراع.

منذ أيام أخذت بلديات أنقرة وإسطنبول بعض القرارات التي تعني مزيداً من التضييق على أصحاب المهن الصغيرة والعمل اليومي وبالتالي بات من الضروري التفكير بمكان آمن آخر

الأتراك بدورهم وجدوا في السوريين بعد عشر سنوات من الضيافة -التي لا ينكر أحد منهم أنها طالت- أنهم يعانون اقتصادياً بسبب العدد الكبير من اللاجئين مع أن تقاريرهم تقول عكس ذلك في حجم الاستثمارات واليد العاملة التي تساهم في رفع وتيرة الاقتصاد لكنها ببساطة لعنة السياسة التي تبشر بأفول مرحلة الضيافة المريحة، ومنذ أيام أخذت بلديات أنقرة وإسطنبول بعض القرارات التي تعني مزيداً من التضييق على أصحاب المهن الصغيرة والعمل اليومي وبالتالي بات من الضروري التفكير بمكان آمن آخر.

أوروبا لا يصل إليها إلا من كتب الله له عمراً جديداً، ونجاة من الغرق في البحار التي يملكها المهربون الذين يطلبون مبالغ ضخمة ليس بإمكان هؤلاء تأمينها، وهؤلاء هم مجموع السوريين الذين سبق ذكرهم بمن فيهم الهاربون الجدد من عتمة البعث وبرده، وهي أيضاً -أوروبا- خرجت من بين أضلعها دعوات عنصرية ضد جميع أشكال اللجوء التي تهدد انسجامها ورفاهيتها، وأوقفت كل التمويلات التي كانت على الأقل تبقي رمقاً للحياة لأولئك الذين فضلوا البقاء على الهجرة سواء في المخيمات أو متلقي الدعم الغذائي والمادي البسيط وبالتالي هم يتحولون إلى قنابل موقوتة جاهزة للانفجار من جديد على شكل موجات لجوء شديدة أو التحول إلى بؤر للموت والجريمة.

في متابعة بسيطة لمجموعات السوريين على مواقع التواصل ستلاحظ سعياً محموماً لإيجاد هذا المكان المأمول والخيارات الكبرى لهم في الداخل وتركيا ولبنان هي الاتجاه صوب مصر التي كانت أفضل مأمن لكل من دخلها منذ عشر سنوات، واستطاع السوريون فيها أن ينجحوا في مجالات عدة اقتصادية واجتماعية، وفوق كل ذلك الاستقبال الذي ما زال حاراً كأنه أول يوم في هذا الشتات الكبير بالرغم من بعض المماحكات البسيطة التي وفر فيها المصريون على السوريين عناء التصدي لها.

هل ستكون مصر هي آخر المنافي المتاحة أمام السوريين في حالك أيامهم ريثما يتوصل العالم إلى توافق يعيدهم إلى بلادهم دون خشية من موت أو اعتقال؟

أحد المنشورات الأكثر تداولاً في مجموعات التواصل بين السوريين: (اليوم ضابط مصري سأل مواطن سوري في مطار القاهرة: هو في لسه ناس في سوريا جايين ولا أنت آخر سوري؟ قال له: اي في كتير وع الدور يا باشا.. الضابط: منورين يافندم.. مصر بلدك).

هل ستكون مصر هي آخر المنافي المتاحة أمام السوريين في حالك أيامهم ريثما يتوصل العالم إلى توافق يعيدهم إلى بلادهم دون خشية من موت أو اعتقال؟ أو على الأقل دون خوف من جوع وعطش وبرد.. فقد ضاقت البلاد والحلول على السوريين وما زال البعث حاكماً.