على الرؤوس المفلسة أخلاقياً أن تتواضع أو تزيح... الكورونا

2020.03.22 | 23:05 دمشق

kwrwna.jpg
+A
حجم الخط
-A

لم يشهد العالم ركوع جبروت القوة أمام جائحة بطلها فيروس لا يُرى، كما يشهده في أيامنا هذه. على رأس الراكعين قادة ترتعد لهم المفاصل، إذا ما نطقوا؛ قادة يمتلكون قوة نارية تدمّر كوكبنا خمسين مرة، وتراهم يلوذون وراء مفردات استسلامية، تاركين أمماً للسماء كي تحدد مصائرها وأقدارها.

كان الملفت احتكار السياسيين وقادة البلاد الحديث عن موضوع "كورونا" تاركين المختصين بهذه العلوم جانباً. لقد قدّم هؤلاء القضية المذكورة بشكل مرعب؛ زرعوا الهلع في كل مكان؛  فتحول كوكبنا إلى ضيعة ساكنها حبيس بيته، محاصراً بالجيش والفيروس.

كَثُرَت النظريات والتحليلات والتخمينات حول الفيروس "كورونا". ذهب البعض إلى نظرية المؤامرة في تحليل ما يحدث. البعض تحدث عن حروب اقتصادية. وبحكم بدء انتشار الفيروس في الصين، تصوّر البعض أن الخشية تكمن في ابتلاع الصين لاقتصاد العالم، وسعيها للتفوق على الاقتصاد الأمريكي؛ فلا بد وأن أمريكا شنت هذه الحرب البيولوجية كضربة قاتلة للصين واقتصادها.

لم تمض أيام إلا وشهدنا التنين الصيني ينتفض، ويتخلّص من جائحة الكورونا؛ التي سمّاها الرئيس الأمريكي لوقت لا بأس به بـ"الفيروس الصيني". وهنا بدأ الارتعاش والعويل في العالم الغربي، بما فيه أمريكا. تتوقف الحياة في الغرب، تهتز الاقتصادات، يلوح ركود اقتصادي قاتل خانق في الأفق، تذهب المليارات في دهاليز التقصير الصحي لدرء بعض عقابيل الكارثة، تنهار مؤسسات عملاقة تستنزف ما تراكم من مال؛ عدّاد الضحايا يتسارع متناسباً طرداً مع توتر السياسيين، الذين يرى البعض أنهم يعرفون ما لا يعرفه العامة، أو يخفون ما هو أكثر كارثية.

منذ أكثر من قرنين، أرعب "مالتوس" العالم بنظريته، التي تتحدث عن عدم توازن بين تزايد عدد سكان كوكبنا، وما يمكن أن تنتجه الأرض لتعيل هذا التزايد. ومن بين مقترحاته -لإحداث التوازن- كانت الحرب، أو الإفقار، أو الأوبئة. فهل زاد سكان كوكبنا كثيراً، وأصبح لا بد من إزاحة حمولته الزائدة عبر وباء لا يبقي ولا يذر؟!

الملفت أن أكثر مجموعة ينال منها الفيروس هي المسنون

الملفت أن أكثر مجموعة ينال منها الفيروس هي المسنون. وهنا تبرّع البعض بالقول إن هذه الفئة أضحت عبئاً على الاقتصاد؛ تستهلك، ولا تنتج؛ متهالكة صحياً؛ تستنزف الميزانيات. وحسب هذه الرؤية، التي تشكل أحد بوابات الدخول إلى "المالتوسية"، يمكن أن نفسر حالة الذعر التي تصيب العالم الغربي، تحديداً أوروبا -التي سمّاها البعض" القارة العجوز"- لقد مات مالتوس وشبع موتاً، ولكن من يقول إن نظريته ماتت، ولم يعد لها أنصار، وما من سياسات دولية تبنى عليها؛ واهمٌ. ربما لم تعد المسألة الكم البشري - كما رأى مالتوس- بل النوع وكمية إنتاجه؟ مقارنة مع استهلاكه، هي التي أضحت المعيار الأساس.

تأخذ جائحة اليوم العشرات وربما المئات يومياً؛ والنسبة لا تكاد تُذكر؛ حيث يرى البعض أن الانفلونزا العادية كانت تحصد حيوات عشرة أضعاف ما يحصده كورونا. ويذهب آخرون أبعد إلى القول إن من يقضي، تحت هذا الاسم فيه من العلل التي تحتم رحيله بدون الفيروس، ولكنه يُحسب من ضحاياه. وهنا تأتي الشكوك بأن وراء الأكمة ما وراءها. وهذا الهلع لم نشهده عندما كانت هناك أفعال إجرامية تتعمد قتل وتدمير حياة الآلاف في الحروب.

لقد قتل نظام الأسد بمعاونة إيرانية - روسية ما يقارب المليون سوري، وشردوا نصف سكان سوريا، واعتقلوا نصف مليون، واستخدموا الأسلحة المحرمة دوليًا؛ ولم نشهد هذا الهلع الدولي. حتى في عهد الكورونا، تبقى مخيمات السوريين بآلافها وآلامها المؤلفة دون التفاتة ممن يعقمون حتى الابتسامة. لقد سمعوا وزير صحة نظام الأسد بأن جيشهم تخلص من كل الفيروسات؛ وهم لا يحتاجون إلى مَن يقول لهم إن زنازين الأسد تتراكم فيها جثث المعتقلين دون التفاتة. فأي عالم منافق هذا الذي يستنفر ويركع دون الالتفات إلى الجانب الآخر من القارب؟!

إحساس عالمي جميل النظر إلى كوكبنا كجسد واحد؛ شكوى عضو منه تصل حتماً لباقي الأجزاء؛ ولكن -حتى الآن- يشوب هذا الإحساس الكثير من النفاق والدعاية الكاذبة الرخيصة.

بعد كورونا -إذا كان هناك ما بعدها- لن يكون كما قبلها. ستعرف القوة حدوداً جميلة من التواضع؛ وتلك الرؤوس الكبيرة، وخاصة المتغطرسة والدكتاتورية منها، ستتوازن وتنحني لقوة تتجاوز جبروتها، وتدفعها باتجاه التركيز على الجوهري، على آلة العلم الذي ينفع البشرية، لا على آلة قتلها وتدمير أرواحها وحياتها. على هذه الرؤوس اليابسة المفلسة أخلاقياً أن تتواضع قليلاً؛ وربما أفضل أن تزيح جانباً؛ فهذا الكوكب وُجد ليعمر، لا أن يُدَمَّر بضحالة أخلاقهم.

كلمات مفتاحية