على أعتاب المؤتمر الرابع للمجلس الكردي

2021.07.07 | 06:20 دمشق

enks-civin.jpg
+A
حجم الخط
-A

عقدٌ كامل، وثلاث مؤتمراتٍ، مشاركات عديدة في المؤتمرات والفعاليات الدولية حول سوريا، وجودٌ ضمن أروقة المعارضة السورية منذ المجلس الوطني السوري وحتى اللحظة، عضوية في هيئة التفاوض العليا واللجنة الدستورية، أما آن الوقت للتحولات المطلوبة سياسياً وميدانياً وتنظيمياً في جسد المجلس الوطني الكردي. خاصة وأنه خاض نهجاً زمنياً تعاقبياً، في جميع المراحل التي مر بها الحدث السوري، ومواقف الدول الفاعلة في الشأن السوري منها. ألم يحن الوقت للتبيئة المؤسساتية ووضعها ضمن سياقها الطبيعي، ورفع المجلس إلى مصاف القوة الفاعلة في الساحة الكردية والسورية. خاصة وأن اللاتغيير يشرّع بشكل مستديم لجوء الكتلة البشرية المساندة لأيَّ جسم سياسي إلى البحث عن مساراتٍ جديدة كنمط عمل سياسي جديد، وبشكل أدق فإن التعامل القاسي لا يقتصر على الممارسات العنفية لفظياً أو جسدياً، إنما مُجرد فقدان العمل والتنظيم وعقل العمل، هو بحد ذاته شيءٌ من العنف تجاه مناصريه الذين تاهوّا أمام فقدان المجلس لبوصلته الميدانية خاصة في آخر شهري آذار 2020/2021، وفشله في حشد الشارع الكردي لإحياء المناسبات القومية أو إحياء ذكرى مآسٍ أو غيرها.

يشعر المتابع لعمل المجلس الكردي أنه يعادي وجود ديناميكيات التغيير الذي يؤدي في نهاية المطاف إلى خلق رتم جديد صُلبه مقاومة حقيقية لأيَّ فعل ينوي إنهاء وجوده

استمرار حالة اللا استقرار واللا عمل الداخلي والتنظيمي الممنهج للمجلس الكردي، يُشرع وبشكل مستديم لجوء الشرائح الاجتماعية المؤيدة له إلى الانتقال للضفة الأخرى، أو الهجرة أو القطع معه بكل المقاييس، وهو نمط سياسي دارج حالياً بين القواعد المجتمعية للشعب الكردي في سوريا؛ فالمجتمعات والجماعات لا تملك إخلاصاً لــ"ثوابت" لا تتحرك، إن ما يحدّد وعيها وعملها هو وضعها الذي لا تتقبل أن يكون هو نفسه بالضبط وأبداً دون تغيير، بالمقابل يشعر المتابع لعمل المجلس الكردي أنه يعادي وجود ديناميكيات التغيير الذي يؤدي في نهاية المطاف إلى خلق رتم جديد صُلبه مقاومة حقيقية لأيَّ فعل ينوي إنهاء وجوده. وربما جاز القول إن أفضل منهجية لدراسة حالة جسم سياسي ميدانياً وسياسياً وهيكلياً هو النهج التعاقبي الزمني، وهو ما يقودنا إلى كمية ودرجات العنف القاسية التي مورست ضده وضد أنصاره، وخلق الخوف المتولد من جراء ممارسة العنف من قبل أذرع الإدارة الذاتية ضده، هاجساً أمامه وأمام أنصاره في تجسيد آليات احتجاج منظمة ومستدامة، لكن بالتأكيد ما كان لتلك الأذرع أن تتغول أمام دور التشبيك بين المنظمات المدنية للمجلس الكردي مع الجهات الفاعلة دولياً. ما يدفع لسؤال مهم حول وجود منظمات مدنية ومؤسسات إعلامية وهيئات مختلفة تابعة وخاضعة للإدارة الذاتية ممولة من جهات مانحة دولية بالرغم من التعتيم وعدّم تجسيد مجلس سوريا الديمقراطية أو الإدارة الذاتية في أيّ محفل دولي أو إقليمي، على العكس من حالة المجلس الذي لم يبادر لخلق مؤسسة أو منظمة مدنية إعلامية...إلخ ممولة من الخارج من شأنها مساعدة العديد من الأسر الفقيرة، في ظل تحكم الإدارة الذاتية بناصية القرار والمداخيل الاقتصادية للمنطقة والتي تحولت إلى أداة سيطرة على المجتمع، وتسيطر على مركزية القرار السياسي وما يستتبعه من قرارات أخرى على الصعيد الداخلي، وكانت تلك المنظمات ستصبح بمنزلة الذراع المراقبة والضاغطة للمجلس على الإدارة الذاتية. لماذا لا يهتم المجلس الكردي بهذه الأفكار التي تمهد للممارسة السياسية الناعمة؟ مع استمرار فقدانه لوزنه الاجتماعي، خاصة وأن الأمن الاجتماعي وهو الأكثر أهمية من كل فصائل أنواع الأمن الأخرى، غيرت الخنادق التقليدية للمواجهات بين الأطراف المتصارعة.

بمعنى أدق فإن المجلس الكردي يعيش حالة يسميها علماء الاجتماع بــــ "التراجع الخلاق". وإن أراد المجلس العودة للواجهة المجتمعية مجدداً أعتقد عليه الإدراك إن أراد صنع التغيير في معتقدات وولاءات رئيسية لدى الجماعات والمجتمعات، لا مفر من مواجهة مجتمعية مع الأس الذي أدى لذلك التراجع، وهو ما يستلزم الاشتغال على أسس الأمن النفسي والاجتماعي التي تستلزم هذا التغيير كقوة فاعلة. فالمنافس التقليدي –الإدارة الذاتية- تمكنت من لمّ شمل غالبية الطبقات والفئات المحرومة والمهملة سابقاً من الطبقات الاجتماعية والتي لم تلتفت إليها لا أحزاب المجلس فرادة، ولا المجلس ككتلة سياسية، والغريب أن المجلس لم يلتفت إلى الطبقات الاجتماعية التي كانت تتصدر المشهد العشائري، أو الشخصيات النافذة ضمن نطاقها الاجتماعية، وضيع مكتب السلم الأهلي، وهي بذلك فقدت شريحتين مهمتين جداً، الشباب، والمستقلين الفاعلين في الوسط المجتمعي. وبذلك فإن الحياة السياسية في القامشلي أصبحت لها أبواب جديدة للعمل الميداني والسياسي والمدني وحتّى العسكري.

لا يمكن لشخصيات ذات ثقل وازن في العمل الحزبي والسياسي أن تكون ملمة بكل الأشياء من ألفها إلى يائها

والغريب في الأمر أنه مع طغيان النسبة العددية للعنصر النسائي في ميزان التعداد السكاني والجندرة، إلا أن إحجام العنصر النسائي عن المجلس، صنع هو الآخر مشكلة لم تتلقَ أي التفاتة، مع الإشارة إلى سوء تسمية المكتب المخصص للمرأة ضمن المجلس، تحت اسم "مكتب المرأة والطفولة" ما علاقة جسم سياسي بالطفولة ضمن مكتب خاص به؟ لكن أكثر الإشكاليات إلحاحاً حالياً تكمن في خمس قضايا، أولها: وحدة الموقف من الدور التركي في عموم سوريا والمدن الكردية التي سيطرت عليها تركيا، خاصة وأن حل معضلة عفرين وسري كانيه وكري سبي هو عودة الأهالي فعلياً والآن ليس بعد قليل، اليوم وليس غداً؛ إذ لا مجال لإخراج تلك الفصائل التي ارتكبت الفظائع وسيطرت على أملاك المهاجرين والمهجرين، عبر التمني أو البيانات. وثانيها: اعتبار جبهة السلام والحرية منفذاً مهماً نحو خلق كتلة عربية سريانية آشورية داعمة لوحدة الموقف بين المكونات المشكلة للجبهة، خاصة وأن "مسد والإدارة الذاتية" تتفوق على المجلس في هذه الناحية، وضرورة اعتبار أن هذه الجبهة علاقة طردية متواصلة، فهي إحدى أهم الأطر التي ستحمي المجلس نفسه، والمجلس بدوره يحمي تلك المكونات وثالثها: قضية الحوار، لا يوجد فريق على وجه الكرة الأرضية يُتقن ويُدرك كل الملفات والقضايا والاستراتيجيات والتكتيكات بمفرده، والنتائج/المخرجات المأمولة، كما هي مُنقذة للإدارة الذاتية وقسد ومسد خاصة بعد اتفاقيات نبع السلام، وزيادة حدّية التهديدات التركية على منبج وعين عيسى، وتخيير روسيا لهم بالتوجه صوب دمشق بما ستلزمه الأخيرة من تنازلات حادّة وموجعة، فإنها عملية نفاذ كبيرة للمجلس إلى العمل الإداري والهيكلي الحكومي، بل ستكون فرصة ذهبية للمجلس لإثبات أن حالة الفشل والأزمات المتتالية الموجودة، تتحمل التشكيلة الحالية للإدارة الذاتية سببها. أما رابعها: فهي حاجة المجلس الكردي إلى مكتب/مركز لرسم السياسات والدراسات، العالم كل العالم تغير وتطور وتبدل، وحتّى العقل البشري له قدرة واستطاعة محددة لا يمكنه تجاوزها، ولا يمكن لشخصيات ذات ثقل وازن في العمل الحزبي والسياسي أن تكون ملمة بكل الأشياء من ألفها إلى يائها، وخامسها: التشديد على الوضع التنظيمي، خاصة أثناء الأنشطة والفعاليات الميدانية، لما له من أهمية على الصعيد الإعلامي وإرسال رسائل متعددة.

تدرك كل أحزاب المجلس، أن وجودها وبقاءها ضم دائرة العمل السياسي الدولي والمحلي والإقليمي، إنما هو رهن بقاء وتفعيل المجلس الكردي، وأن خروج أي حزب سياسي من المجلس سيكون مصيره الهامش على الرف، أو الهرولة نحو الانخراط مع الإدارة الذاتية.