علماء سوريا انتخبوا الشيخ الرفاعي؟

2021.11.26 | 05:08 دمشق

asamt_alrfay.png
+A
حجم الخط
-A

قبل أيام؛ بتاريخ 22 من تشرين الثاني تحديداً، نشرت صفحة الائتلاف الفيسبوكية خبراً يبدأ بالجملة التالية: (أجرى رئيس الائتلاف الوطني السوري، سالم المسلط، زيارة إلى سماحة الشيخ العلامة أسامة الرفاعي، وبارك له على انتخابه مفتياً عاماً للبلاد، وحصوله على ثقة علماء سوريا والشعب السوري).

لا أريد مناقشة فكرة انتخاب (أو تعيين) الشيخ أسامة لمنصب مفتٍ عام لسوريا، فقد انقسم المعارضون السوريون حول هذا الإجراء، منذ لحظة إعلانه، بين مؤيد ومعارض، وبين فريق يبالغ في أهميته، وثان يقلل من شأنه، وثالث يعامله باللامبالاة.. ما أريد مناقشته، هنا، هو الجملة الأخيرة من الخبر، ونَصّها: "حصوله على ثقة علماء سوريا، والشعب السوري".  

إذا كان رئيس الائتلاف، الأستاذ سالم المسلط، قد قال هذه العبارة بالفعل، فالحري به أن يصدر بياناً يوضح فيه أنه لم يقصدها بحرفيتها، وإنما هي نوع من العبارات الشائعة التي تُقال في أثناء إبداء المحبة لشخص ما، ومجاملته، لا أكثر.. وأما إذا كان الخطأ من اللجنة الإعلامية التي صاغت الخبر، فلا شك أنه خطأ مهني جسيم، يقع على أعضائها واجب تصحيحه.. 

يوحي استخدام مصطلح "علماء سوريا"، في هذا السياق، بأن الذين وثقوا بالشيخ أسامة الرفاعي هم (كل العلماء) السوريين، المختصين بالعلوم الإنسانية، من فيزياء، وكيمياء، ورياضيات، واجتماع، وفلسفة.. بالإضافة إلى علماء الدين.. وجملة "علماء الدين"، هي الأخرى ملتبسة، فالمفروض أن يوضح الأستاذ سالم، (والخبر المنشور على صفحة الائتلاف)، أن المقصودين هم علماء الدين الإسلامي السني، ليس في سوريا كلها بالطبع، بل في المناطق الشمالية التي يطلقون عليها اسم "المحرر".. وبالنسبة لهذه الفئة، أقصد علماء الدين الإسلامي في المحرر، لا يستطيع أحد أن يجزم بأن جميعهم انتخبوا الشيخ أسامة، بدليل أن مداخلات كثيرة، نُشرت، بعد إعلان انتخابه، توضح أن الانتخاب (أو التعيين) اقتصر على أعضاء المجلس الإسلامي الأعلى، الذي يرأسه الشيخ أسامة نفسه، وهناك من تساءل: لماذا لم يَنتخب المجلس، أو يعينْ رجلاً آخر، من ضمن المجلس الإسلامي أو من خارجه، لهذا المنصب، درءاً لفكرة تعدد المناصب للشخص الواحد؟

الطغاة الذين ظهروا في بعض الدول العربية، تزامناً مع رحيل عبد الناصر 1970 تقريباً، كلهم، بلا استثناء، يزعم إعلامهم أنهم يقودون الأمة العربية من الماء إلى الماء

نأتي الآن إلى الفكرة الأكثر التباساً وخطورة، وهي أن الشيخ أسامة، بحسب رئيس الائتلاف، حاز ثقة (الشعب السوري).. 

إذا أحب القراء الأكارم أن أشاركهم بهواجسي وتفكيري حول هذه النقطة، فإنني أقول: في ثورة 2011، كانت أعيننا تدمع من شدة الانفعال في أثناء ما كنا نهتف "الشعب السوري واحد"، ثم لم يطل بنا الأمر حتى رأينا، على أرض الواقع رأيَ العين، ولمسنا لمسَ اليد، أن الشعب السوري ليس واحداً، ولا ما يحزنون، فقد راح كل مكون ديني، أو مذهبي، يتقوقع في منطقته، وهذه المكونات لم تتجه لتحقيق الشعار الذي هتفنا به، بل نحو التناحر، ولن أسهب في هذا الأمر، لأنه معروف، وأنا تناولته بالتفصيل الممل في كتابي "تجربتي في الثورة السورية كفرية والفوعة وريف إدلب" الذي صدر عن المركز العربي سنة 2017، ولكن الأمر المهم الذي فاتني ذكرُه في ذلك الكتاب، وهو الأخطر على الإطلاق، أن الانقسام التناحري لم يقتصر على المكونات الدينية والمذهبية، بل ذهب أبعد من ذلك بكثير.. فعلى سبيل المثال؛ ثوارُنا في مناطق إدلب، وهم من أهل السنة طبعاً، أعلنوا العداء لأهل حلب، وهم من أهل السنة أيضاً، لسبب بسيط هو أن أهل حلب لم يثوروا مثلنا، أو بتوقيتنا، ومن الأمور المضحكة، المؤلمة، أن حاجزاً للثوار أقيم على طريق حلب دمشق، كان ثوار الحاجز يوقفون الباصات الذاهبة من حلب إلى دمشق، أو العائدة من دمشق إلى حلب، ويصعدون إلى الباص، ويوبخون الركاب، ويتهمونهم بالنذالة والتشبيح للنظام.. ومما حصل معي، شخصياً، أن مجموعة من الثوار، في مظاهرة ضخمة تجمعت عند جامع سعد بمدينة إدلب، في تشرين الثاني 2011 على ما أذكر، بدؤوا يهتفون ضد أهل حلب، هكذا، وبكل بساطة، ودون تمييز، وحينما تقدمت من المنصة وحملت الميكروفون وقلت إن هذا الهتاف غير لائق بحق أهلنا في حلب، صار البعض يستهزئون بي، وقال لي أحدهم ما معناه: رقة قلبك هذه لا تفيد الثورة يا أستاذ. 

فكرةُ الشعب (كله) الذي يحب شخصاً ما، ناصرية بامتياز، فجمال عبد الناصر، بحسب المديح الذي كان يُكَال له، خطابةً أو غناءً، هو حبيب الملايين، وقائد الأمة العربية (من المحيطِ الهادرِ- إلى الخليجِ الثائرِ- لبيكَ عبدَ الناصرِ)، ومع أن عبد الناصر كانت له جماهيرية محلية وعربية حقيقية، ولكن كان له خصوم وكارهون وشاتمون، فبأي حق يزعم مؤيدوه أنه حبيب الكل؟ وأنتم، سادتي، تعرفون أن الطغاة الذين ظهروا في بعض الدول العربية، تزامناً مع رحيل عبد الناصر 1970 تقريباً، كلهم، بلا استثناء، يزعم إعلامهم أنهم يقودون الأمة العربية من الماء إلى الماء، ولن أكثر هنا من الأمثلة، فصدام حسين حقق في آخر استفتاء عليه، في العراق، نسبة 100%، بالإضافة لكونه قائد الأمة العربية، والسوريون الذين كانوا يجبرون على الخروج في مسيرات تأييد لحافظ الأسد كانوا يهتفون على نحو منغم: حافظ- أسد- رمز الثورة العربية، ناهيك عن الأغاني التي كانت تصر على أنه ليس قائد الشعب السوري، وأبرزها: معك الشعب، كل الشعب، الله معك يا حبيب الشعب. 

ما جئت به من أمثلة على الانقسامات المجتمعية الأفقية والشاقولية التي تعمقت خلال العقد الأخير من عمر سوريا لم تقتصر على الحكي، والرأي، والموقف، بل تعدتها، بعد التسلح، إلى التناحر، وتجاوزت، مع الأسف، الصراع بين الأديان والقوميات والمذاهب، باتجاه الاقتتال ضمن أهل المنطقة الواحدة، والقومية الواحدة، والدين الواحد، والمذهب الواحد.. ولو كانت هناك إحصائية دقيقة للشبان من أهل السنة الذين قتلوا على يد شبان من أهل السنة، لربما أصبنا جميعاً بالذهول.

قبل (أخيراً): لم يقتصر الصراع الذي كبر واتضح في الفترة الأخيرة على التيارات والمكونات السياسية والدينية والمذهبية، بل تُوجت بتنامي العداء للمرأة.. والشيخ أسامة الرفاعي، نفسه، كانت له مساهمة فعالة في هذا المجال، عبر عنها خلال خطبته الأخيرة للشمال "المحرر" قبل مدة قصيرة.. 

أخيراً: يبدو أنني رسمت، خلال هذه المناقشة صورة غير ناصعة لأوضاعنا نحن السوريين، ولكن الإشارة إلى المصائب والكوارث، برأيي، أفضل من النوم عليها، واستخدام عبارات غير واقعية في وصفها، كتلك التي استخدمها الأستاذ سالم خلال تهنئته الشيخ الرفاعي.