علاقة إقليم كردستان العراق مع الإدارة الذاتية

2021.09.07 | 06:34 دمشق

screenshot_1-113.jpg
+A
حجم الخط
-A

سعت الإدارة الذاتية إلى لعب دور متنام في رسم معالم الديناميكيات التي تمكنها من السيطرة والسؤدد السياسي والإداري وبشكل منفرد في المنطقة ذات الغالبية الكردية في سوريا، تلاه على مستوى شمال شرق سوريا. بدوره سعى إقليم كردستان إلى رأب الصدع بين الأطراف الكردية وخلق انسجام وتناغم بين المجلس الكردي والاتحاد الديمقراطي والإدارة الذاتية، وعقدت في سبيل ذلك أربعة اتفاقيات عُرفت باتفاقيتي هولير 1+2 ودهوك 1+2، لكنها انتهت من حيث بدأت؛ نتيجة إسراع الاتحاد الديمقراطي في بدايات تأسيس الإدارة الذاتية، لتشكيل الأجهزة الأمنية والعسكرية وهياكل إدارية دون العودة إلى الطرف الأخر في اتفاقية هولير الأولى وملحقها الذي أكدَّ على ضرورة تشكيل وتفعيل الهيئة الكردية العليا التي تشرف على كل شيء في المنطقة الكردية، ولجأ الاتحاد الديمقراطي إلى الإعلان منفرداً عن الإدارة الذاتية لترسيخ إيديولوجية مستغلاً معاناة المجلس الكردي من إشكالات عميقة في بنيته التنظيمية السابقة حين ذاك، والمعيقة في اتخاذ أي قرار بسرعة وعملية.

استمرار المركزية عبر مؤسساتها

 تستمر الإدارة الذاتية في طرح مفاهيمها حول إلغاء السلطوية والابتعاد عن المركزية، واعتبار نفسها نموذجا حوكميا فرديا يجب تكريسه واتباعه في الحكم والإدارة والابتعاد عن الدولة القومية والمركزية وبناء مجتمع يعتمد على ذاته في كل أشكال وفقرات ونواظم العمل المجتمعي والسياسي والعسكري، لكنها من جهة ثانية تشدد المركزية أكثر عبر فرض ارتباط والتئام جميع الشرائح المجتمعية مع هيئاتها ومؤسسات السلطة التي ازداد عددها بشكل مضطرد بل إن عضوية تلك المؤسسات تمنح صاحبها مزايا يفقدها من يبقى خارجها، كل ذلك جاء بعد أن أعلن الاتحاد الديمقراطي في 2014 عن الإدارة الذاتية  منفرداً ومطالِبا المجلس للانضمام إلى الإدارة الذاتية وأن مرحلة التفاوض قد انتهت، وأن الإدارة الذاتية اليوم تشكل الكلمة العليا في المفاوضات وباقي الأحزاب كلها العنصر الأدنى تنظيمياـ وبذلك شكلت تلك المرحلة رصاصة الرحمة في جسد اتفاقيتي هولير الأولى والثانية، وهو ما خلق تشاؤماً عميقاً لدى النخب السياسية والقيادية في كردستان العراق من هذه الطريقة في التعامل مع باقي الأطراف والاتفاقيات.

استمرار إقليم كردستان بالدفع نحو المصالحة

مع ذلك بقي إقليم كردستان العراق يسعى جاهدا إلى المزيد من الحوار والتواصل إلى اتفاق يقي كرد سوريا شبح الحرب الداخلية، وتم تقديم مختلف أشكال الدعم عبر معبر فيشخابور –سيمالكا الذي افتتح بأمر من الرئيس مسعود البارزاني لخدمة الأهالي وجميع الناس في المناطق ذات الغالبية الكردية في سوريا، ودعم المكونات على اختلافهم، وشهدت المنطقة ولأكثر من مرة إرسال كميات كبيرة من المساعدات الطبية والإغاثية والمحروقات، لكنها لم تكن توزع بشكل عادل وشفاف ولم يحصل الغالبية على حصتهم منها، نتيجة لذلك سعى الإقليم لجعل المعبر كورقة ضغط على الإدارة الذاتية مراراً؛ لتتحكم الإدارة الذاتية وحدها بالمعبر وتُحرم القطاعات المحلية من التجارة الحرة، ولتُحتكر أغلب أنواع التجارة الرئيسية بيد فئات محددة وبرجوازية حزبية ضيقة، وأيضاً التحكم بحركة مرور وعبور السياسيين من أحزاب المجلس الكردي، واستمرار عمليات الاعتقالات والخطف وإغلاق المكاتب وغيرها، في تلك الفترة بدا واضحاً زيادة الهوة السياسية والاجتماعية بين المجلس الكردي والإدارة الذاتية.

تطوير هيكل الإدارة الذاتية من طرف واحد واستمرار إلغاء الأخر وتدخل جديد للإقليم

مع الإعلان عن البدء بتشكيل مجلس تشريعي مكلف بتشكيل الهيئة الإدارية الانتقالية للمنطقة، وهي كانت بمثابة البدء بالمرحلة الثانية من مشروع الإدارة الذاتية، تم في8/9/2013 إعلان مشروع الإدارة المرحلية الانتقالية للمناطق الكردية والمشتركة، والخروج بمجموعة من البنود المتفق عليها،[1] لكنها بقيت حبراً على ورق، ومن جديد تدخلت هولير/اربيل لتقريب الأطراف في17/12/2013 من قبل رئاسة إقليم كردستان بحضور ممثل الرئاسة الدكتور حميد دربندي، والوسيطين الكرديين من تركيا ليلى زانا ورئيس بلدية ديار بكر/امد عثمان بايدميرـ بغية تشكيل وفد موحد ومستقل لتمثيل الكرد في جنيف2 أو تمثيل أي طرف يحضر جنيف للطرف الغائب أيضاً والمشاركة برؤية مشتركة، ومع عمل قيادات المجلس الكردي بمشورة من الإقليم، مثل إبراهيم برو وعبد الحميد درويش على ضم مجلس غرب كردستان إلى المجلس السوري، بعد انضمام المجلس الكردي إليه، وأن يكون لمجلس غرب كردستان عدد خاص من مقاعد التمثيل ليس على حساب المجلس الكردي، وحتّى بعد اللقاء الذي جمع صالح مسلم مع أحمد الجربا في باريس في نهايات 2013، للتباحث حول آلية الضم، لكن مجلس شعب غرب كردستان بقي مصراً على عدم الانضمام، مطالبا المجلس الكردي بالانسحاب واتخاذ الخط الثالث، فكان حال الاتفاقية كحال ما سبقتها، وبقيت شهرا واحد فقط، وسار الإتحاد الديمقراطي وحيدا في إعلان الإدارة المرحلية، وتم اتهام المجلس بالتأخر قرابة سنة عن عمل الإدارة الذاتية، وبذلك انتهى الاتفاق قبل تفعيل بنوده. وتم الإعلان عن الإدارة الذاتية في 21/1/2014 من طرف واحد فقط قبل يوم واحد من انعقاد جنيف2، وحضر المجلس الكردي إلى جنيف ضمن وفد المعارضة.

2104 كوباني وتدخل بشمركة كردستان العراق

خلال فترة قصيرة من حصار داعش لكوباني وصل التنظيم إلى المدينة وسيطر على معظمها، دفعت الأحداث إلى عقد اتفاقية دهوك في 22/10/2014، حيث اشترطت أميركا الوصول إلى اتفاق للحصول على الدعم الدولي، وفعلاً ما أن تم تذليل بعض العقبات من الاستعصاء أثناء الحوار حتى ألقيت أول شحنة من الأسلحة جواً إلى مقاتلي الحماية الشعبية قادمة من مطار أربيل الدولي، وبدأت قوات البشمركة بالدخول إلى تركيا في 29/10/2014 ودخولها إلى المدينة. في تلك الأثناء تم الاتفاق في دهوك على تشكيل مرجعية سياسية لرسم الاستراتيجيات العامة وتجسيد الموقف الموحد وتوحيد القوة العسكرية وتحديد آلية انضمام المجلس إلى الإدارة الذاتية بعد تغييرات في العقد الاجتماعي ووثائق الإدارة وتحقيق شراكة فعلية حقيقية. ومن جديد حصلت المشكلات والقطيعة بين الطرفين بعد بروز مؤشرات النصر ضد داعش في كوباني، واستمرت حركة المجتمع الديمقراطي بفرض سياساتها دون توقف أو مراعاة الطرف الأخر وتم فرض التجنيد الإلزامي الذي تسبب بلجوء آلاف الشباب إلى الإقليم، وانتخابات البلديات وهو ما اعتبره الإقليم مخالفا لبنود اتفاقية دهوك، وبذلك توقف العمل بتلك الاتفاقية أيضاً، إضافة إلى بعض المشكلات التنظيمية الخاصة بالمجلس، منها إبعاد 3 أحزاب من صفوفه بعد اتهامهم بالتصويت لصالح قائمة مستقلي الإدارة الذاتية.

فشل في خلق كيان قوي

بالمحصلة أرادت الإدارة الذاتية استغلال ضعف الحكومة المركزية في دمشق وفرض سيطرتها وسطوتها الأحادية دون قبول أي شراكة مع غيرها، في الوقت الذي كان ينبغي أن تكون هناك علاقات قوية ومتينة مع الإقليم الكردستاني، الذي مدّهم بكل ما يحتاجونه، وشراكة حقيقية بين الأطراف الكردية الفاعلة في سوريا، خاصة في ظل التحول الجيوستراتيجي الكبير على طرفي الحدود وتقلص نفوذ السلطتين في دمشق وبغداد وكان من شأن التوافق الكردي الكردي قيام كيان كردي قوي ومتين في سوريا دون إغفال أهمية العلاقات مع المعارضة والشعب السوري، وبدلاً من توطيد الإدارة الذاتية لعلاقتها الاجتماعية والسياسية والقومية مع كردستان العراق في ظل الحصار الذي تفرضه القوات الحكومية والمعارضة وتركيا عليها، وهو كان كفيلا بالتطور التدريجي للعلاقة بينهما وتذليل العقبات، عمقت الإدارة الذاتية من مشكلاتها مع الإقليم بالرغم من اعتماد الإدارة على مطارات ومعابر الإقليم والتسهيلات التي قدمت لهم، ومساعدة كردستان لمناطق سيطرة الإدارة الذاتية لوجستياً وأمنيا وماديا وإغاثياً وعسكريا، منها معركة تل كوجر التي تمكنت فيها جبهة النصرة من حصار المعبر بعد السيطرة على المدينة، قبل تدخل البشمركة من الطرف الكردستاني وفك الحصار.

القومية والمصير الواحد لم يشفع

وعلى الرغم من الوحدة القومية والاثنية تاريخيا بين الكرد في سوريا والعراق وباقي الأجزاء، لكن يبدو أنها لم تكن كفيلة للتوافق على العيش المشترك والشراكة السياسية للكرد في سوريا، وعدم إزعاج الإقليم. وحالياً فإن الاقتصاد عبر الحدود يشكل أحد الديناميكات الجديدة والمهمة في العلاقة بين الطرفين، لكن مع بقاء جذر المشكلة كما هو "لا يجوز لطرف واحد التحكم بحركة المعابر كلها واقتصار الاستفادة المادية على طرف واحد فقط" وتاليا فإن هذا الاقتصاد الناشئ والمتنامي لمعبر سيمالكا يمكن أن يساهم في الكسب السياسي للإدارة الذاتية في حالة وجود شراكة حقيقية وطبيعية بينها وبين الأطراف السياسية المقربة من إقليم كردستان، الذي وبالرغم من الكم الهائل من الضغوط والصعوبات التي واجهت الإقليم في فتح المعبر، والتي اعتبرت كخطوة انتهكت القوانين الدولية؛ لأن دمشق وبغداد لا تعترفان بالمعبر، لكن إدراك النخب السياسية في الإقليم وخاصة قيادة الحزب الديمقراطي الكردستاني لأهمية المعبر رمزيا للتضامن مع كرد سوريا في محنتهم ولكسر الحدود المصطنعة، وسياسيا كأداة ضغط لتوحيد الأطراف الكردية في سوريا، دفعهم لتحمل كل تلك الضغوط.

دور المعابر مع إقليم كردستان في منح الاعتراف السياسي للإدارة الذاتية

لا تقتصر علاقة المعابر بنيل الاعتراف السياسي على معبر سيمالكا - فيشخابور وحده، بل يوجد ما يُشكل عُمقاً سياسيا مع ذلك المعبر، متجسداً بمعبر ربيعة –اليعربية، الوليد، والفاو وتبدأ هذه المعابر الأربعة من المثلث الحدودي بين العراق وسوريا وتركيا وتمتد جنوبا إلى قضاء البعاج في محافظة نينوى على الجانب العراقي وإلى الشدادي على الجانب السوري، ومن شأنها لو فتحت في حالة التوافق السياسي الكري - الكردي، ودور حكومة الإقليم في التوافق مع بغداد التي لم تسمح بفتح المعبر منذ 2013، من شأن هذه المعابر إن فُتحت أن يكون للكرد في سوريا شأن سياسي واقتصادي وازن في المعادلة السياسية المحلية السورية والإقليمية أيضاً، دون إغفال أن روسيا تمنع حتّى اليوم فتح معبر تل كوجر للمساعدات الإنسانية، ومواجهة جائحة كوفيد19، لكن تضافر الجهود الكردية –الكردية في سوريا، مع دعم دبلوماسي من كوردستان العراق، ودعم أميركي في حال نجاح مخرجات الحوار الكردي السوري، فإن قضية المعابر ستتحول إلى أداة جامعة بين كرد سوريا وكرد العراق، عدا تحولهم إلى قوة اقتصادية دافعة وصاعدة، تحل محل وهم وجود قوة عسكرية بإمكانها تشكيل خطر على حدود دولة أخرى.

 


[1] المظلة الكردي المفقودة في سوريا بين التناحر على السلطة والاتفاقيات الهشة، بدر ملارشيد، مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، https://bit.ly/3DJHVhL