عقدة المنشار السورية

2020.11.13 | 08:20 دمشق

ajtma_alljnt_aldstwryt.jpg
+A
حجم الخط
-A

مرة أخرى تصل الأوضاع في سوريا إلى انسداد سياسي كامل، بعد أن باتت أعمال اللجنة الدستورية شبه متوقفة دون أن يُعلن ذلك ودون أن يُعلن أيضاً عن موعد جديد لدورة جديدة من مسلسل مماطلة نظام الأسد.

ومرة أخرى يكون السبب هو محاولة النظام التحايل والالتفاف على كل استحقاق أو مسار للحل وتفريغه من مضمونه.

وهذا ما حصل مع مهام المبعوثين الدوليين الواحد تلو الآخر، ثم ما حدث في مسار جنيف وجولاته المتعاقبة، وأخير اً في مسار اللجنة الدستورية.

وقد سبق وقلنا إن هدف النظام الواضح من هذا التعطيل المتعمد هو إلى الوصول إلى الانتخابات الرئاسية في العام 2021، وفرض أمر واقع على الجميع مرة أخرى، وهو الهدف الذي يعمل عليه بينما يشتت جهود الآخرين في أماكن أخرى، وهذه الرغبة تلتقي مع ما يحرص عليه المجتمع الدولي من الظهور بمظهر الاهتمام بما يجري في سوريا وعدم التخلي عن الشعب السوري والسعي للحل وتقديم المبادرات حتى مع اليقين أنها مع هكذا نظام مضيعة للوقت والجهد، والسوريون وحدهم من يشعرون كيف يمر هذا الوقت.

وبمجرد بلوغ النظام هدف إجراء الانتخابات في العام القادم وإعلان بشار الأسد رئيساً لفترة رئاسية رابعة، نعود إلى نقطة الصفر من جديد ويصبح أي كلام عن الدستور وما يترتب عليه من استحقاقات من الماضي.

ومع هذا الانسداد السياسي بدأ النظام بالتصعيد باتجاه إدلب ذات الثلاث ملايين مهجَّر، والتي وإن كان لم يوقف اعتداءاته عليها يوماً، لكنه يصعد الآن بشكل واضح، ويأتي القصف على مدينة أريحا مقدمة كما يبدو لهذا التصعيد.

وهو بهذا إنما يهدف إلى لفت الانتباه عن المسار السياسي والتركيز على تطورات الميدان، ولعبة التناوب هذه بين الاعتداءات على المدنيين وابتزاز العالم بالعواقب الإنسانية، وبين المماطلة والتعطيل في الحل السياسي، هي إستراتيجيته الأساسية في البقاء لأطول فترة ممكنة.

وقد دفعت سوريا ولا زالت تدفع ثمناً غالياً من أرواح ودماء أبنائها وعذابات شعبها المشرد والمحاصر، وكل يوم يُمد فيه من عمر هذا النظام يعني المزيد من الضحايا والآلام، وبالطبع ما كان لهذه السياسة التي يمارسها النظام أن تستمر لولا غياب الرادع الحقيقي واكتفاء الدول بالتصريحات والمواقف الباهتة وانكفاء الولايات المتحدة وراء شعارات محاربة الإرهاب وتطبيق قانون قيصر.

كل ذلك إنما حمل في طياته ومنذ الأعوام 2014 و2015 الضوء الأخضر لحلفاء النظام الروس والإيرانيين للتدخل في الميدان العسكري لمنع سقوطه، وفي الميدان الاقتصادي لابتزازه ومنع انهياره وصولاً إلى محاولات إعادة تأهيله سياسياً التي يدفعون بها اليوم.

 ومع أن المهمة شبه مستحيلة على حلفائه وغير ممكنة بالنسبة للآخرين لأسباب عديدة خاصة الذين يدركون أن هذا النظام قد اهترأ إلى درجة يصعب معها إعادة تدويره.

وحقيقة المشكلة أن الذين لديهم الرغبة أو المصلحة في إخراج سوريا الدولة من محنتها هم قلة، بينما المستفيدون من استمرار مأساتها كثر، هذا فقط سبب إطالة عمر النظام حتى اليوم، فاستمرار هذا النظام ولو على أجهزة الإنعاش الروسية الإيرانية يعني للمستفيدين استمرار وضمان لضعف سوريا الدولة، وغيابها عن مسرح الأحداث والتأثير في المنطقة التي يجري العمل على تمرير الأجندات فيها وفي مقدمة المشاريع تصفية القضية الفلسطينية وتعويم "إسرائيل".

عقدة المنشار السورية هي تأمين مصالح رعاة النظام والمستفيدين من بقائه قبل اتخاذ قرار رفع أجهزة الإنعاش عنه وإعلان موته المؤجل.

 وها هو المشهد يُرتب بحيث يظهر للعلن التخادم السياسي الإيراني الإسرائيلي من بوابة ترسيم الحدود الإسرائيلية اللبنانية تارة ومن دفع العراق لركوب قافلة التطبيع تارة أخرى.

وهنا تبقى للنظام مهمة أخيرة هي أن يبيع شعارات المقاومة والممانعة علناً هذه المرة بعد أن باع واشترى في الأرض والمواقف على مدى العقود السابقة.

عملية البيع وركوب قافلة التطبيع هذه أو بالأحرى الجري للحاق بها لن يكفي بالطبع لإعادة تدويره لكنه كفيل بمنحه ومنح المستفيدين من استمراره المزيد من الوقت.

عقدة المنشار السورية هي تأمين مصالح رعاة النظام والمستفيدين من بقائه قبل اتخاذ قرار رفع أجهزة الإنعاش عنه وإعلان موته المؤجل، فهؤلاء يدركون جيداً أن هذه المصالح تتنافى، بل وتتناقض، مع تطلعات السوريين وثورتهم وحلمهم بسوريا حرة ديمقراطية مستقلة، تقف في مكانها الطبيعي إلى جانب الحق الفلسطيني لا تبيع ولا تشتري فيه ولا تتخلى عنه.