عشية القبض على سجل بوتين

2021.06.14 | 06:31 دمشق

20201122_1606064444-135.jpg
+A
حجم الخط
-A

معروفٌ ما يحدث لِمَن يتعاطى "الفودكا". تقع/السَكْرَة/؛ فيتصوّر نفسه أقوى مخلوق في العالم، يستطيع أن يُطعِم ويُحرِم، يرفع ويُخفِض، يجعل الأسود أبيض والأبيض أسود، يحمي القيم ويخرقها، يحرر ويحتل. ثم تأتي /الفكرة/؛ فيدرك حجمه الضئيل، وقوته المحدودة، وتناقضاته المفضوحة، وآماله المتكسرة، وانفصامه عن الواقع. وهذا فعلياً ما يحدث للقائمين على السياسة الخارجية الروسية وعلى رأسهم السيد "لافروف" الذي يعاقر الفودكا كما يتنفس؛ ويعمل في الوقت ذاته مع ربيب الانفصام، تربية "الكي جي بي"، والذي عاش في كنف إمبراطورية كان هو ذاته مِن بين الأدوات التي أجهزت عليها؛ وبمفارقة عجيبة يسعى الآن إلى إعادة تركيبها كما تشتهي تناقضاته، فيجد نفسه يغوص مع "هُدْهُدِه" في بهلوانيات يدفع مَن يحتك بها دماً ودماراً وكوارث.

عشية قمة "بوتين – بايدن"، تجدنا نتمعن بالعقدين الماضيين من السلوك الروسي، واللذين لا بد أن بايدن قد لخصهما بنقاط موجعة يتعذر على البهلوانيات البوتينية الخروج منها أو مواجهتها. وهذا ما يفسر تصريح المتحدث باسم الكرملن "ديميتري بيسكوف" حول التوقعات المنخفضة لهذه القمة. فماذا في ذهن بايدن وملفاته عن بوتين وبهلوانياته، والتي استبقها بيسكوف بالتبشير بعدم حدوث أي اختراق في اللقاء؟

يحث "مينيندز" بايدن على مواجهة الجانب الروسي، وفضح مسلكه، وتحميله جرائم موثقة لا تزال تقع خلال العقدين الماضيين

في ملف بايدن عن بوتين ما قدّمه رئيس لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس الأميركي Menendez "مينينديز" مؤخراً خلال إحاطة مطوّلة تجعل المتابع يعتقد أن إحاطته للجنة عن "هتلر" وليس عن بوتين. يحث "مينيندز" بايدن على مواجهة الجانب الروسي، وفضح مسلكه، وتحميله جرائم موثقة لا تزال تقع خلال العقدين الماضيين من ضم "القرم" إلى غزو "أوكرانيا" وسحق سيادتها، إلى المحاولات الروسية الدؤوبة لتخريب الانتخابات الأميركية، واستهداف قطاعات صحية وعلمية واقتصادية من قبل عصابات تعمل برعاية روسية رسمية، وصولاً إلى الاستمرار بدعم نظام الأسد الإجرامي، وارتكاب قوات بوتين لجرائم حرب وثّقتها الأمم المتحدة.

يقدّر "مينيندز" رغبة بايدن بترسيخ سياسة دولية مستقرة واضحة، إلا أن بوتين وسلوكه التصعيدي العدواني واللامُتَوَقَّع يجعل ذلك مستحيلا. وبخصوص الوضع في سوريا، يقول "مينيندز" إنه حتى لو تعاون بايدن مع بوتين لخلق شيء من الاستقرار وتيسير المساعدات الإنسانية في سوريا، عليه ألا ينسى سجل بوتين الأسود، ويحمّله مسؤولية كل تلك الجرائم، وفضح دوائر الفساد حوله وبرعايته؛ وعلى بايدن أن يتذكّر بأنه وصف بوتين بالقاتل. ويضيف واصفاً النظام الذي يدعمه بوتين: "نحن أمام نظام مافيوي تديره سلطة إجرامية مارقة يدعمها القاتل ذاته".

كان لافتاً في إحاطة رئيس العلاقات الخارجية في الكونغرس الأميركي ذكره لتصريح حديث لبوتين يطلب فيه من "أوكرانيا" أن تتعامل /بحسن نية/، مضيفاً أنه يريد من أوكرانيا أن تُستباح وتكون /حسنة النية/ تجاه ذلك؛ وتتركه يسيطر عليها. كنّا نأمل هاهنا أن يضيف "مينيندز" بأن بوتين وجوقته يعتبرون أنفسهم "منقذين لسوريا".

بالمناسبة، بوتين ذاته، يأخذ على الاتحاد السوفييتي أخطاءه السابقة بالهيمنة، وينصح أميركا بألا تفعل ذلك. وهنا حقيقة تتجلى بوضوح تناقضاته وبهلوانياته. إنه يرى القذى بعين الآخرين، ويتناسى الخشبة بعينيه. رغم أنه يحاول أن يتخذ مظهر المصلح الذي يحاول نشر الفضيلة في العالم؛ فإن ذاكرته تخونه في تعداد سوء أعماله التي فاقت ماقامت به القيادة السوفيتية من تدخلات في شؤون الآخرين: فهو- عام 2000 أعطى أوامره بتسوية الشيشان بالأرض. وعام 2008 غزا جيشه جورجيا ليقتطع أبخازيا وأوستيسيا عن الجسد الجورجي الأم. وعام 2014 أعطى الضوء الأخضر للانفصاليين الأوكرانيين للتحرش بأوكرانيا من أجل إجهاض الثورة البرتقالية للشعب الأوكراني الذي يحلم وينشد الحرية.

يكفي بوتين استخدامه لمرتزقة "فاغنر" نيابة عن الجيش الروسي كي يَقتلوا ويُقتلوا دون أن يكترث بهم أحد؛ وهذا فتح جديد ابتكره بوتين ليخفي مسؤوليته القانونية أمام العالم الخارجي والشعب الروسي تحت ذريعة أن هؤلاء المرتزقة قد تصرفوا من تلقاء أنفسهم وبالتالي فإنهم يتحملون نتائج أعمالهم.

وأخيراً وليس آخراً، ماقام به بوتين من تدمير الحجر والبشر في سوريا؛ وخاصة عند التفاخر باستخدام مئات أصناف الأسلحة في سوريا؛ يعطي مثالاً صارخاً على عقلية تجاوزت السوفيت بأشواط. أما آخراً، وانسجاماً مع "الفاغنرية"، هل نستبعد أن الروس قد قصفوا أو استخدموا أدوات لهم في الشمال الشرقي السوري ليرتكبوا مجزرة مشفى عفرين لخلط الأوراق والألغام في وجه بايدن، الذي تدعم بلاده من أُلبِس الجريمة؟؟!

ربما يكون أمل السيد بوتين بمكانه، فبايدن لن يفرض عليه شيئاً؛ ولكنه سيتركه يختنق بأفعاله

تلك هي مفاعيل "السَكْرَة"؛ وستأتي الفكرة في اللقاء مع "بايدن"، الذي لا يستطيع أن يُغْفِلَ حرفاً من الملف الذي يحمله ك "بروفايل" لمَن وصفه "بالقاتل"، إضافة إلى ملف خاص بمنظومة الاستبداد الأسدية من السواطير حتى الكيماوي. وكاستشعار لموقف بايدن منه، يقول بوتين في آخر تصريح له: "آمل ألا يكون بايدن انفعالياً". ربما يكون أمل السيد بوتين بمكانه، فبايدن لن يفرض عليه شيئاً؛ ولكنه سيتركه يختنق بأفعاله. وفي القضية السورية، لا انفراج إلا برحيل منظومة الاستبداد؛ وهذا لن يحدث إلا مع حصول الاختناق إياه. وسيحدث إن غداً لناظره قريب.