عشر سنين ثورة.. أسئلة ملحة على طريق الحرية

2021.01.19 | 00:08 دمشق

2019386366-na2fqo.jpg
+A
حجم الخط
-A

تدخل الثورة السورية عامها العاشر ويعود بنا الرقم "واحد" الذي يتصدر العام 2021 إلى بدايات العام 2011 حيث كانت الأنظار تتجه إلى سوريا، وتحبس الأنفاس ترقباً لما سيحدث، الجميع يعلم أن سوريا ولأسباب كثيرة حالة مختلفة، وأن مسار الأحداث فيها معروف ومجهول في نفس الوقت، المعروف أن هذا النظام ليس ثمة ما يردعه عن التصدي لإرادة الشعب، ولا من يمنعه عن استخدام أي وسيلة في مواجهته، فتاريخه وتركيبته تؤكدان على أن القمع والعنف هو رد  فعل متوقع يتناسب مع طبيعته، أما المجهول فهو حجم انفجار الشعب السوري وكم سيصمد وما هو الثمن الذي سيقدمه ليحصل على حريته، وكيف سيكون حال الاصطفاف حول الانفجار في سوريا إقليمياً ودولياً؟

رفع السوريون شعار الشعب الواحد ومطلب الحرية  منذ البداية، وجابههم النظام بشعار (الأسد أو نحرق البلد)، وبدأ بإحراق البلد فعلاً، ومع  إصرار السوريين على الحرية استشرس النظام وصعّد في إجرامه من إطلاق النار مباشرة على المظاهرات التي عمت أرجاء الوطن، إلى تدمير  المدن وتهجير نصف الشعب، مستخدماً جميع أنواع الأسلحة وصولاً للأسلحة الكيميائية، وعندما وقفت آلته العسكرية عاجزة أمام تضحيات السوريين استدعى سلاح الطائفية الذي عمل عليه لسنوات طويلة استدعاه شكلاً ومضموناً، فدخلت إيران بميليشياتها الإرهابية الطائفية العراقية واللبنانية وبحرسها الثوري، وراح يثير النعرات الطائفية في الداخل ويرتكب المجازر الطائفية أملاً بتحويل الثورة إلى حرب أهلية، وأطلق يد الإرهاب وسلّحه وموّله ليستخدمه في طعن ظهر الثورة، ووصمها بالإرهاب ثم ادعاء محاربة الإرهاب، ثم سلّم ميليشيات PKK  مساحات من البلاد التي قسّمها إلى مفيدة وغير مفيدة وقسّم شعبها إلى متجانس وغير متجانس، وعندما  فشل ذلك كله في كبح جموح ثورة الشعب وتوقه للحرية، وبعد أن استوعبت الثورة كل محاولات بقائه البائسة، توسل إلى روسيا لابتلاعه، وقدّم لها البلاد ليصبح بقاؤه وذهابه ورقة في مفاوضاتها وحساباتها الدولية والإقليمية وسلّمها مقدرات الدولة حتى لم يبق له فيها وزن ولا قرار.

وجدنا أنفسنا أمام داعمين للنظام على حساب الشعب، غير معنيين إطلاقاً لا بالبعد الأخلاقي ولا الإنساني، فزادت فاتورة الدم حتى  عجزت الأمم المتحدة عن إحصاء  ضحايانا

فرضت الظروف والاستحقاقات بأشكالها السياسية والعسكرية والمدنية والإنسانية، على صف  الثورة السورية في هذه السنوات العشر أن تؤطر نفسها تحت عناوين ومسميات؛ توسعت بشكل أفقي كبير في السنوات الأولى ثم راحت تلملم نفسها وتجمع طاقاتها وإمكاناتها وتراكم في خبراتها وتستفيد من أخطائها في هذا الفضاء المعقد من العلاقات والمصالح والتحديات الجديدة علينا بالكامل، والذي تتداخل فيه المصالح لتغلف المبادئ والصداقات، كما أننا وجدنا أنفسنا أمام داعمين للنظام على حساب الشعب، غير معنيين إطلاقاً لا بالبعد الأخلاقي ولا الإنساني، فزادت فاتورة الدم حتى  عجزت الأمم المتحدة عن إحصاء  ضحايانا، وركن الأصدقاء إلى حالة مرغوبة من العجز عن إيقاف المذبحة.

وبعد عقد من التدمير والإجرام قابلته التضحية والإصرار، وبعد أن لم يبق بيت في سوريا إلا ودفع ويدفع كل يوم ثمن بقاء الأسد، وبعد أن أجبرنا هذا العالم المتخاذل على أن يستمع لصوت مليون شهيد وملايين المهجّرين والمعتقلين، وأننا لن نقبل بهذا النظام، وأن منحه المزيد من الوقت والفرصة لا يعني أنه سينتصر، بل يعني فقط مزيداً من الدماء والمعاناة.

وأمام هذا كله نحن الآن وعلى اختلاف مواقعنا وأدوارنا في الثورة نحتاج إلى أن نتطلع إلى الأمام، نتلمّس الخطوات ونضع يدنا على مفاتيح الإنجاز والمراجعة والنظرة للمستقبل والدروس المستفادة من السنوات العشر الأولى؛ حتى نعزز صفنا ونرفع قدرتنا ونبقي قضيتنا حية ونقصّر من عمر هذا النظام، وهنا كخلاصة لتجربة العقد الماضي، ثمة أسئلة تفرض نفسها علينا بإلحاح:

كيف ننتقل من فوضى الخلافات والصراعات الداخلية، إلى أطر الحوار المثمر الذي يطور ويقوّم ويعزز صف الثورة وموقفها؟

تركنا اختلاف وجهات النظر يتحول إلى خلافات بلا أفق ولا نهايات ولا غايات وإلى أكثر الأمور التي تستهلك جهدنا ووقتنا، فطالما أن الاختلاف هو من طبيعة الحياة وترجمة لتلاقح الأفكار والمشارب، فإننا نحتاج اليوم إلى النظر كيف أثّر ذلك فيما مضى، وكيف نتعامل معه في قادم الأيام؟  فالخلافات والنزاعات وحتى الصراعات أحياناً، التي تنشب في صف الثورة بسبب وبدون سبب، تبطئ من قدرتها على الوصول لأهدافها، وهي ليست قدراً لا مفر منه إنما نتيجة طبيعية لخمسين سنة من القمع وتكميم الأفواه وانعدام ثقافة الحوار والحياة السياسية، وهي نتيجة أيضاً لتدخلات الدول وتنازع مصالحها التي تنعكس في صفنا تشرذماً وفرقة، علينا أن ننتقل إلى حيز يكون فيه الاختلاف قيمة مضافة وصناعة للفارق ومحرضاً للأفكار الجديدة في هذا الصراع المعقد والتحديات الكبرى.

ونحن أمام تحديات واستحقاقات السياسة وإدارة المناطق المحررة والتعامل مع التبعات الإنسانية لحرب النظام على الشعب، ماذا عن بناء مؤسساتنا على كل المستويات الرسمية والمدنية على أسس الحوكمة؟

لا بد من مراجعة الأدوات والآليات التي استخدمناها في الأعوام العشرة السابقة وأن نقارنها بالنتائج المحققة ونرى الحاجة للتطوير بحيث نستطيع التعامل مع التغيرات والتحديات، ونحن نتحول من الحالة الشعبية العفوية ونضطر لبناء المؤسسات وفقاً لكل تحدٍ واستحقاق جديد، فالحوكمة لم تعد خياراً يمكننا أن نأخذ به أو نؤجله بل هي ضرورة، ولا إنجازا يرتجى دون الأخذ بأسبابها والقبول بالتزاماتها من اعتماد الكفاءات وتقديمها إلى الشفافية والمساءلة وإلى المشاركة المفتوحة الحقيقية.

انطلقنا من شعارات الشعب السوري الواحد والمطالب الوطنية التي يتطلع إليها كل السوريين، الحرية والكرامة والديمقراطية، هل نجح النظام في استدراجنا إلى الخطاب الضيق والعناوين المضللة أم حافظنا على البوصلة؟

إن واجب الثورة هو طرح البديل الأخلاقي والوطني دائماً وأن نبقي البوصلة باتجاه الوطن والديمقراطية والحقوق والحريات والكرامة، وتجاوز الطروحات الضيقة العرقية والمناطقية والطائفية التي تدخلنا في متاهة وكأننا نمضي إلى غايات وأهداف مختلفة، إن قدرتنا على إنتاج وطرح الخطاب الوطني الجامع الذي يعبّر عن السوريين جميعاً هي التي تحدد قدرتنا على طرح البديل.

على كافة المستويات والصعد سياسياً وعسكرياً ومدنياً دخلنا عالم العلاقات الدولية فأصغينا إلى الأصدقاء واستجبنا للمبادرات وبنينا الشراكات وتفاعلنا مع القرارات والمبادرات الدولية أملاً في وقف الدماء وإنقاذ البلاد وتقديم الخدمة لأهلنا، هل نحن على الطريق الصحيح؟

هل وثقنا أكثر من اللازم بنصائح المجتمع الدولي وعوّلنا على أوهام؛ بينما كان علينا أن نسبق التدخلات والنصائح والضغوط بخطوة أحياناً أو دائماً؟!

البعض اتهم من تصدر العمل السياسي والمدني والعسكري والإغاثي بأنه دخل هذا العالم المعقد بعقل وبساطة الثوار وبأحلام الهواة وأن ذلك وإن كان مقبولاً في البدايات كأي ثورة شعبية عارمة، إلا أنه ثمة دائماً دروس مستفادة، هل وثقنا أكثر من اللازم بنصائح المجتمع الدولي وعوّلنا على أوهام؛ بينما كان علينا أن نسبق التدخلات والنصائح والضغوط بخطوة أحياناً أو دائماً؟! علينا أن نجيد قراءة لعبة المصالح والوقت والمتغيرات ونعطيها الأولوية والاهتمام، ونحاول البحث في خيارات غير تلك المفروضة ونحاول الإمساك بأوراقها.

إن وضع كل ما سبق على رأس الأولويات يسهم في رفع قدرتنا على النهوض بمهامنا ومسؤولياتنا، وإن تغليب لغة الحوار واعتماد الحوكمة والتزام الخطاب الوطني كلها تصب في رفع قدرتنا على مخاطبة العالم والإنجاز في الداخل وكلها عناوين سوف تتصدر طروحاتنا المقبلة إن شاء الله، كما أنها تحديات ليس أمامنا سوى النجاح في التصدي لها والنظر والتخطيط للمستقبل، فـ"سوريا الأسد" قد احترقت وانتهت إلى غير رجعة وغادرتها مواكب الحرية ولا بد أن نعدّ العدة لمواصلة طريق الحرية الذي طال حتى تتراءى في نهايته سوريا الحرة التي نريد.