عبَر من درس أفغانستان لسوريا

2021.08.25 | 06:17 دمشق

2021681111554076e.jpg
+A
حجم الخط
-A

لا شك في أن مشهد الانهيار السريع لجيش الدولة الأفغانية أمام حركة طالبان كان مشهداً مريعاً بالنسبة للأطراف المؤيدة لتلك الدولة المنهارة، ومشهداً مذهلاً بنفس الوقت لدى مناصري الحركات الإسلامية في العالم، وبناءً عليه يجب على الكثير مِن الأطراف الفاعلة سواء كانت من القوى العظمى أم من القوى المحلية الوقوف ملياً على موضوع أفغانستان وسقوط حكومتها الشرعية بالرغم من الدعم الأميركي الكبير لتلك الدولة منذ عقدين، وبالرغم من أن تعداد جيش الدولة هو أضعاف مقاتلي طالبان، بل هو أكثرهم عتاداً ويمتلك سلاحاً نوعياً وثقيلاً لا يرتقي إليه سلاح حركة طلبان، ومع ذلك لم يصمد الجيش أياماً قليلة وكادت مقاومته أن تكون عدماً، والسبب أن مقاتلي طالبان كانوا مؤمنين بقضيتهم، بينما الجيش الأفغاني لم يكن مؤمناً ببلده وقضيته.

وإننا هاهنا لا ندافع عن حركة طالبان، بل نعتبرها من أسوأ نماذج الحكم في العصر الحالي، ومع أننا على النقيض مع ذلك التنظيم ورغم موقفنا السلبي جداً من تلك الحركة المتشددة، إلاّ أن هذا لا يمنع حركة طالبان من إمكانية بناء سلطة وتشيكل حكومة، ولكن بتصورنا أنه لن يكون بمقدورها بناء دولة حقيقية، بل على الأرجح ستعيد أفغانستان عقوداً للوراء وتجعل تلك الدولة تعيش خارج التاريخ.

روسيا يجب أن تدرك بأن نظام الأسد مستمر باستمرار دعمها فقط، وعندما تتخلى عنه سيسقط كما سقطت حكومة أفغانستان بعد انسحاب أميركا

وأمام هول ما جرى ويجري ثمّة درس ينبغي أن نتعلمه كسوريين من تجربة أفغانستان، وربما على الدول الفاعلة في سوريا وخاصةً روسيا وأميركا الاستفادة كذلك مما جرى، ومنها:

ـ أن روسيا يجب أن تدرك بأن نظام الأسد مستمر باستمرار دعمها فقط، وعندما تتخلى عنه سيسقط كما سقطت حكومة أفغانستان بعد انسحاب أميركا، لأنه وبكل بساطة نظام مرفوض من قِبل غالبية الشعب السوري، والمقاتلون الذين يدافعون عنه معظمهم غير مؤمنين به وبسلوكه المدمر للبلد، لذلك نرى بأن روسيا أمام خيارين: أحدهما الاستمرار في دعم النظام الذي يخوض حرباً لا نهاية لها مع الشعب السوري إلاّ برحيل هذا النظام وتطبيق العدالة الانتقالية؛ والخيار الآخر هو الاتعاظ من التجربة الأفغانية وإدراك أنه لا يمكن إعادة تأهيل هذا النظام، لذلك فإن قررت روسيا التخلص منه بالتنسيق مع القوى الثورية فقد يحفظ ذلك بعض المصالح الروسية في سوريا، وإلاّ فإن روسيا قد تخسر مستقبلاً كل شيء في سوريا.

ـ أن القوى العسكرية التي تعتمد عليها أميركا في محاربة داعش ومن ثم في استمرار نفوذها في سوريا عموماً وشرق الفرات على وجه الخصوص هي قوى عسكرية طارئة مرفوضة شعبياً ووطنياً ربما أكثر مِن رفض الشعب الأفغاني لحكومة بلده، لذلك الرهان على تأهيلها وتوظيفها من أجل استمرار النفوذ الأميركي هو رهان شبه خاسر، ولا بد من الاعتماد على قوى عسكرية وطنية سورية كردية وعربية مقبولة وطنياً وشعبياً لاستمرار النفوذ الأميركي، أو أن سيناريو أفغانستان قد يتكرر أيضاً في شرقي الفرات.

ـ وطنياً رغم تطرف طالبان الشديد واعتباره من النماذج السيئة جداً، ولكن مع ذلك فلم يسمع أحد إلى الآن بحصول انتهاكات تذكر ضد خصومها وأعدائها فما بالك بالموقف من مؤيديها، وهذا يدل على أن حركة طالبان استفادت من تجاربها السابقة في ارتكاب الانتهاكات والتي كانت سبباً في أن ينفض الشعب الأفغاني من حولها، لأن كل انتهاك يعني المزيد من العزلة والمزيد من خلق الخصوم، فيا ترى هل ستصل هذه الرسالة إلى قوى المعارضة السياسية والمدنية والعسكرية والإدارية لدينا؟ وهل ستتوقف الانتهاكات والتجاوزات بمختلف أشكالها في المناطق المحررة بحق أبناء الثورة وليس خصومها وبالتالي سيمهد لبناء حوكمة رشيدة؟

الرهان الكردي يجب أن يكون وطنياً سورياً من خلال بناء أفضل العلاقات مع القوى الوطنية، والتفاعل مع جميع القضايا الوطنية وتحويل القضية الكردية إلى قضية وطنية فعلية تهم كل السوريين

ـ يجب أن يدرك الكرد أن المصالح هي المحرك الرئيسي لسياسات الدول، وأن بناء العلاقات مع القوى العظمى أمر ضروري، ولكن الرهان الكردي يجب أن يكون وطنياً سورياً من خلال بناء أفضل العلاقات مع القوى الوطنية، والتفاعل مع جميع القضايا الوطنية وتحويل القضية الكردية إلى قضية وطنية فعلية تهم كل السوريين من خلال الاِنخراط بشكل فعلي في جميع القضايا الوطنية السورية.

ختاماً لا شك في أن الدرس الأفغاني هو درس بليغ لكل الأطراف الداخلية والخارجية، لذا على كل تلك الجهات المعنية بسوريا وبقضية الشعب السوري وجوب قراءة مشهد الانهيار السريع في أفغانستان بشكل صحيح.