عبد الحليم خدام.. ملاحظات سياسية لا بد منها

2020.04.04 | 00:05 دمشق

2020-03-31t100930z_1016604291_rc2yuf9cdhof_rtrmadp_3_syria-khaddam.jpg
+A
حجم الخط
-A

توفي الثلاثاء الماضي في باريس وزير الخارجية ونائب الرئيس السابق وأحد أركان نظام الأسد الأب عبد الحليم خدام. الذى كان قد انشق مبكراً عن نظام الأسد الابن - حتى قبل اندلاع الثورة - لخلاف حول إدارة الملف اللبناني تحديداً، إضافة إلى تحفظه أو رفضه لتولي بشار رئاسة الجمهورية بعد وفاة أبيه حافظ صيف العام 2000.

بعيداً عن الجانب الشخصي والخلاف حول التعزية به أو حتى الترحم عليه. ثمة ملاحظات فكرية سياسية لا بد من طرحها عند مقاربة مسيرة خدام السياسية الطويلة.

كان لخدام وعائلته حضور مهم في نهب المال العام وخيرات البلاد من خلال الهيمنة على قطاعات مختلفة مثل الإنتاج الفني، والاستيراد والتوكيلات الأجنبية

أول ما يجب قوله إن عبد الحليم خدام كان ركناً أساسياً ولعقود في نظام حافظ الأسد كوزير للخارجية، ثم نائباً للرئيس، وممسكاً بعدة ملفات سياسية وإقليمية للنظام الاستبدادي المتوحش الذي قتل وقهر وأفقر وجوع السوريين لإحكام قبضته على السلطة، وهو أي خدام المتشدق بالوطنية والقومية كان مسؤولاً رفيعاً بنظام فشل في امتحانات الخبز، الحرية والكرامة، وطبعاً امتحان فلسطين.

عبد الحليم خدام كان ركناً أساسياً في نظام فشل في بناء دولة حديثة بالمعنى الجدي للكلمة، ليس فقط ديمقراطياً ومؤسساتياً، وإنما على صعيد الخدمات الأساسية المتمثلة بالتعليم، الصحة والمواصلات والاتصالات، والبنى التحتية المتطورة من مياه وكهرباء وغاز وخلافه، في زمن خدام كان حصول المواطن على خط هاتف إنجاز كبير يتحقق بعد عقود، نعم عقود من الانتظار في دولة غنية بثرواتها الهائلة والمتنوعة، وشعبها المجتهد الجدي المعطاء والمبدع، وصانع الحضارات دولة حلم ذات يوم مهاتير محمد صانع نهضة ماليزيا بجعل بلاده مثلها.

عند الانتقال إلى الخصخصة الاقتصادية في منتصف التسعينيات من القرن الماضي، وكما حصل في أنظمة مشابهة بمصر وليبيا والجزائر واليمن، هيمنت عائلات المسؤولين على القطاعات الاقتصادية التي أمّمها نظام الحزب الواحد الاستبدادي. كان لخدام وعائلته حضور مهم في نهب المال العام وخيرات البلاد من خلال الهيمنة على قطاعات مختلفة مثل الإنتاج الفني، والاستيراد والتوكيلات الأجنبية. هذا حصل طبعاً قبل أن تهيمن عائلة الأسد مباشرة على القطاعات الحديثة والاستثمارات في الاتصالات والسوق الحرة، والسياحة وصناعة واستيراد السيارات، وهو ما مثل أحد أسباب الخلاف مع خدام لكون الأسد الابن لم يفهم ما فهمه الأسد الأب داخلياً وخارحياً - رغم أنه ورث الإجرام عنه طبعاً - فيما يتعلق بعدم الاستئثار بالسلطة بكافة مراكزها، وعدم القطيعة مع العواصم العربية المهمة تحديداً الرياض والقاهرة في ظل القطيعة الدائمة مع العاصمة الكبرى الثالثة بغداد.

أما في الملفات الإقليمية المهمة التي تولاها خدام، ولو كمنفذ للسياسات التي رسمها حافظ الأسد فيمكن الحديث باختصار وتركيز عن ملفين أساسيين فلسطين ولبنان.

فلسطينياً؛ كان خدام ركناً أساسياً في النظام الذي قتل من الفلسطينيين أكثر مما قتلت إسرائيل حسب التعبير البليغ والشهير لجورج حبش، حكيم الثورة الفلسطينية وضميرها.

النظام الذي ارتكب مباشرة وعبر أدواته وأذرعه اللبنانية والفلسطينية مجازر بحق الشعب الفلسطيني - والسوري  واللبناني طبعاً - وخاض معارك قاسية ودموية ضد منظمة التحرير لإضعافها والهيمنة على قرارها، وبالتالي المتاجرة بالقضية الفلسطينية. وفي هذا الصدد فقد اعتاد خدام القول ساخراً من المنظمة والشهيد ياسر عرفات "هو ليس الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني، بل ممثل فقط "وبالتأكيد فقد كان أكثر دبلوماسية من زميله ورفيقه في النظام الفظ مصطفى طلاس الذي كان قد وصف الشهيد عرفات بالقط الأسود.

لبنانياً؛ كان خدام ممسكاً ومسؤولاً مباشرة عن الإدارة التنفيذية للملف، وبالتالي فهو حكماً شريك في المجازر والجرائم التي ارتكبت ضد الشعب اللبناني بكافة فئاته في بيروت وطرابلس وصيدا والجنوب وزحلة ضد قادة وكوادر الجبهة الوطنية ضد الاحتلال الإسرائيلي لاحتكار المقاومة، وحتى ضد حزب الله نفسه - مجزرة عين المريسة 1985 - لإجباره على الخضوع والانصياع لنظام الأسد الأب قبل أن ينقلب الحال مع الأسد الابن الذي بات تابعاً للحزب ومشغليه في طهران. 

إذاً، خدام كان يدير بنفسه سياسة النظام الذي ارتكب كذلك إبادة سياسية بحق الشعب اللبناني عبر اغتيال مباشر لزعماء قادة ومسؤولين من مختلف الفئات والشرائح السياسية والحزبية والفكرية والاجتماعية.

وبصفته ممثل أو مدير السياسة اللبنانية للنظام كان بالضرورة شريك في الحرب الأهلية، ونهب ثروات البلد وتنفيذ الانقلاب على اتفاق الطائف التاريخي – 1990 - صباح  اليوم التالي لتوقيعه عبر اغتيال الرئيس المنتخب رينيه معوض، ثم العمل المباشر لخلق نخبة طائفية فاسدة متصارعة تابعة في معظمها لنظام الأسد مع تحديث لبناني لنظام الفساد الاستبدادي الأسدي والعربي بشكل عام.

أما انشقاق خدام عن نظام الأسد الابن – 2005 - فيحتاج إلى شرح وتفسير. هو لم ينشق عن نظام حافظ الأسد الذي كان شريكا أو أداة فيه، وإنما انشق عن بشار لأنه اعتقد أنه ينقلب على نظام أبيه، وبما يرتد سلباً على النظام نفسه وإنجازاته لكونه أي بشار لم يفهم ويستوعب جيداً الفلسفة أو القواعد والأسس التي قام عليها نظام أبيه سواء في الداخل أو الخارج.

بتفصيل أكثر بعد الانقلاب على اتفاق الطائف أو بالحد الأدنى توجيه ضربة قوية له سعى النظام للحفاظ على الاتفاق منقوصاً وتحديداً فيما يتعلق بالتوازنات الطائفية، وعدم التدخل فيها طالما أنها تتساوق مع السياسة العامة للنظام. من هنا لم يفهم خدام التمديد لـ إميل لحود ضد رغبة الفرقاء، بل الطبقة السياسية كلها، كما لم يفهم الحرب ضد الزعيمين رفيق الحريرى ووليد جنبلاط وصولاً إلى اغتيال الأول جهاراً نهاراً، ثم عدد من القادة الللبنانين الآخرين في معركة اعتقد خدام أنها ضارة زائدة ولا لزوم لها.

إلى ذلك جرى تضخيم دور حزب الله وتحويله من مقاومة مدعومة وطنياً وسياسياً ومحجّمة جغرافياً بالجنوب فقط، إلى جيش طائفي مدجج بالسلاح ويستخدم في الداخل ضد الفرقاء الآخرين، ما دمر توازنات اتفاق الطائف الدستورية والسياسية والطائفية التي كانت أصلاً تمتلك أو تتمتع بحصانة خارجية وعربية ودولية لها.

تلك التوازنات الداخلية كانت انعكاسا أو ذات بعد خارجي بمعنى الحفاظ على مصالح الدول العربية، وحتى القوى الدولية، والحرص على مراعاتها وبقائها في الصورة للحفاظ على الاستقرار والسلم الأهلي بما في ذلك هيمنة نظام الأسد ونفوذه.

باختصار انشق عبد الحليم خدام عن بشار، لا عن النظام الذي كان هو نفسه أحد أركانه

هذا التعقيد لم يفهمه بشار الغر الحديث العهد بالسياسة، وبعدما كان الملف اللبناني بيد خدام السياسي - على علاّته - مع ذراع أمني تنفيذي له بات الملف أمنياً تماماً، سواء مع غازي كنعان الذي فهم مع الوقت ما فهمه خدام نفسه فجرى انتحاره بخمس رصاصات ثم رستم غزالي المفتقد للكاريزما، وأي قدرات لافتة أخرى من أي نوع باستثناء الإجرام والقتل طبعاً.

في الأخير، وباختصار انشق عبد الحليم خدام عن بشار، لا عن النظام الذي كان هو نفسه أحد أركانه، والفرق بين ما هدف إليه خدام وما فعله بشار هو تقريباً الفرق بين نظامي حسني مبارك وعبد الفتاح السيسي، وببساطة بينما انتمى خدام إلى أنظمة الفلول القدامى الفاشلة الهرمة والمترهلة التي أسقطتها الثورات العربية، انتمى وينتمي بشار إلى الفلول الجدد المنقلبين على الثورات والأكثر فساداً واستبداداً وبما لا يقاس مع أسلافهم.