عام الجوع وانتظار الفرج

2020.12.28 | 23:03 دمشق

21270065571434378390-1806428655.jpg
+A
حجم الخط
-A

على مستوى الأوضاع في سوريا، لا شك أن العام المنقضي، 2020، كان سيئا، بل ربما الأسوأ خلال السنوات العشر الأخيرة، وحتى حين كانت البلاد تشهد ذروة العمليات العسكرية بين قوات النظام والمعارضة.

ولعل ما جعله الأسوأ هو أنه كان حصاداً لأعوام الحرب التسعة التي سبقته والتي تراكمت فيها عوامل التفسخ الاقتصادي والاجتماعي، وتغول طبقة الفاسدين وأثرياء الحرب، فضلا عن الانسداد السياسي والعسكري، ما جعل البلاد تدور في حلقة مفرغة، لا وجهة لها إلا إلى الأسفل، ليستفيق المواطن كل يوم على وضع أسوأ من اليوم السابق، حيث غلاء الأسعار الفاحش وتدهور قيمة الليرة المتواصل، وانضمام مواد أساسية جديدة إلى قائمة المفقودات أو المتعسر الحصول عليها لغالبية الناس، في ظل قلة وربما انعدام فرص العمل بسبب توقف عجلة معظم فروع الاقتصاد، وحرمان الأجيال الجديدة من فرص العمل ولو برواتب زهيدة تعادل 20 دولارا، ما يجعل سوريا الأقل دخلا في العالم بالنسبة لمعظم سكانها.

وبهذا المعنى، بات البلد غير آمن اقتصاديا واجتماعيا للعيش فيه ولو بمقومات الحد الأدنى، وبات شبح المجاعة يطرق المزيد من الأبواب كل يوم. ووفق تصريحات مسؤولي الأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية، فإن أكثر من 90 بالمئة من سكان سوريا باتوا اليوم تحت خط الفقر البالغ دولارين في اليوم. بل ومن خلال معاينة الواقع، فإن النسبة تظل صحيحة حتى إذا خفضنا الخط إلى دولار واحد في اليوم، على اعتبار أن معدل الرواتب هو 50 ألف ليرة أي أقل من 20 دولارا، وبالتالي فإن حصة الفرد العامل هي أقل من دولار يوميا، لا تكاد تكفي لشراء كيلو واحد من أية مادة غذائية.

جاء فيروس كورونا ليفاقم أوجاع الناس ومعاناتهم، في ظل استهتار سلطات النظام بالوباء وعجزها الفاضح عن مواجهته

وعليه، فإن هناك أكثر من 11 مليون شخص بحاجة للمساعدة والحماية في سوريا وفق الأمم المتحدة، فيما فر نحو 7 ملايين شخص إلى الخارج، وقتل نحو مليون في الحرب، وأكثر من نصف مليون ما زالوا قابعين في أقبية سجون النظام، توفي عشرات الآلاف منهم تحت التعذيب.

وجاء فيروس كورونا ليفاقم أوجاع الناس ومعاناتهم، في ظل استهتار سلطات النظام بالوباء وعجزها الفاضح عن مواجهته، بعد أن حاولت بداية التستر على وجوده، ومن ثم عمدت إلى تخفيض أرقام المصابين الذين زادوا اليوم بحسب ما تعلن تلك السلطات عن 11 ألف شخص في حين سجلت مناطق سيطرة المعارضة شمالي غرب البلاد، ومناطق سيطرة "قسد" في شرق البلاد نحو 27 ألف إصابة، بينما تشير تقديرات محايدة إلى أن الإصابات الحقيقية تبلغ أضعاف المعلنة أو المكتشفة في مجمل مناطق البلاد.

وحسب برنامج الأغذية العالمي فإن التراجع الاقتصادي وإجراءات العزل للحد من انتشار كورونا، دفعت أسعار الغذاء للارتفاع بنسبة تفوق 200% في أقل من عام.

ويصف العاملون في المجال الإنساني في الأمم المتحدة ما يجري في سوريا بأنه أزمة جوع غير مسبوقة، حيث زاد عدد من يعانون من انعدام الأمن الغذائي 1.4 مليون في الأشهر الستة الماضية وحدها. ويحذر هؤلاء من أن الحرب في سوريا التي استمرت حتى الآن ما يعادل فترتي الحرب العالمية الأولى والثانية، تتسبب في خلق جيل من الأطفال لم يعرف سوى القهر والدمار والجوع والحرمان.

 وحسب منظمة "أنقذوا الأطفال"، فإن أكثر من 5.2 ملايين طفل في سوريا باتوا يواجهون الجوع.

وتشير تقارير طبية إلى ارتفاع ظاهرة "التقزم" لدى الأطفال بسبب عدم تلقي الأم للغذاء الكامل خلال فترة الحمل، ما ينتج عنه عدم اكتمال نمو الجنين داخل الرحم، الأمر الذي يؤثر على نموه لاحقاً خلال ما بعد الولادة، ما يعني أن سوريا مهددة بجيل كامل يعاني من تلك المشكلة، على اعتبار أن نسبة الأطفال المصابين بها فقط في مناطق إدلب والشمال الغربي، تصل إلى طفل واحد من بين كل ثلاثة أطفال. يضاف إلى ذلك زواج القاصرات بسبب أساسي هو الفقر، واللواتي لم يكتمل نموهن الجسدي، وهن غير قادرات بالتالي على إنجاب طفل سليم.

يقف العالم متفرجا تقريبا، باستثناء تقديم بعض المساعدات الإنسانية التي تكفي فقط لسد الرمق، وليس لتوفير مقومات العيش الكريم

وبالتوازي مع هذه الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتفاقمة، تأتي حالة الانغلاق على المسارين العسكري حيث توقفت العمليات العسكرية تقريبا منذ الربيع الماضي بعد توصل روسيا وتركيا إلى اتفاق لوقف إطلاق النار إثر حملة النظام العسكرية التي وسع فيها نطاق سيطرته شمالي غرب سوريا، والمسار السياسي بعد أن شهد العام الحالي عدة جولات لاجتماعات اللجنة الدستورية دون إحراز أي تقدم بسبب اعتماد النظام سياسة المراوغة والمماطلة بهدف تمرير الوقت وصولا إلى الانتخابات الرئاسية التي يخطط النظام لإجرائها منتصف العام 2021، بهدف التمديد لرئيس النظام 7 أعوام أخرى.

وإزاء هذا المسار الكارثي للتطورات في سوريا، يقف العالم متفرجا تقريبا، باستثناء تقديم بعض المساعدات الإنسانية التي تكفي فقط لسد الرمق، وليس لتوفير مقومات العيش الكريم. وفي حين يظهر حلف النظام وروسيا وإيران عدم اكتراث بأوضاع الناس الحياتية، بل ربما يتعمدون التضييق عليهم أكثر بهدف دفع من تبقى منهم للهجرة، لإحلال آخرين مكانهم، برغم الحملات الإعلامية المغايرة لذلك، ومنها عقد مؤتمر في دمشق لعودة اللاجئين، تكتفي الدول الغربية، وفي طليعتها الولايات المتحدة بممارسة سياسة العقوبات على النظام، وأبرز ذلك ما عرف بقانون قيصر الذي تدور شكوك عميقة حول مدى فاعليته في إجبار النظام على الرضوخ للحل السياسي وفق القرارات الدولية المعتمدة.

سوريا اليوم بلا بوصلة، تتقاذفها رياح المصالح الدولية، مقابل تشبث النظام وحلفائه بالسلطة، مع معارضة تائهة لا تمل ولا تكل من الهرولة نحو أي مؤتمر أو اجتماع، رغم علمها اليقين بأن كل ذلك مجرد جري وراء سراب. والأمل معقود أن يحمل العام المقبل بشائر لهذا البلد المنكوب، بقيادته المجرمة الرعناء، ومعارضته المتهالكة، والمجتمع الدولي غير المكترث في أحسن الأحول، أو المتواطئ ضمنا لتدمير البلاد، وشطبها من معادلات المنطقة، خدمة لإسرائيل.