طويل العمر والعنق والعماد

2023.04.08 | 06:10 دمشق

طويل العمر والعنق والعماد
+A
حجم الخط
-A

يقول المثل المترجم: "الخائف في المقبرة يصيح بصوت عال"، وهو ما نفعله في مقابر وسائل التواصل الزرقاء، أو يفعله بعضنا، فيعمد إلى البحث عن شتائم الأسد التي شتمها ملوك الخليج "البداة" والوهابيين في مخازن الصور والتسجيلات، قبل عقد ويعيد بثّها، ظنًا من نابشي الماضي أنَّ ملوك الخليج سيرونها فيمتعضون ويمتنعون عن مصالحة الأسد الذي سابَّهم وهجاهم، ويفعلون كما فعل أبو العباس السفاح بالأمراء الأمويين. ولا يدركون أنَّ وراء الأكمة ما وراءها.

ثمت مثل آخر وهو أيضًا مترجم، يقول: جرت مياه كثيرة من تحت الجسر، كناية عن تعاور الأزمان، وقد طرأت تحولات كثيرة على سوريا، من غير مياه تحت الجسر، فقد سقط الجسر إما بسبب الغش في الحديد والتسليح، وإما بسبب القصف والنيران.

يزعم أصحاب الخبرة والنظر أنَّ تعويم الأسد بعد سقوط الجسر لن ينجح، وإن نجح تعويمه سياسيًا، فلن ينجح اقتصاديًا. والتعويم يعني نسيان اثنتي عشرة سنة من القتل والتهجير والتدمير من غير توبة أو اعتذار.

سمعت تحليلين لخبيرين سوريين في علوم النظر السياسي يقولان باستحالة تعويم الأسد، وهو الأمر الذي تسعى له دول عربية كثيرة

وكنا سمعنا ورأينا عشرات التحليلات الذكية المسلحة بالعقل والمنطق والأسباب من لدن محللين سياسيين وخبراء مشاهير ومغاوير تبشّر بسقوط الأسد، لكنه لم يسقط، وإن كنا تعزينا أو تسلينا بتلك الأقوال فما أضيق العيش لولا فسحة الأمل، بل إن كثيرًا من هؤلاء المحللين ماتوا أو ملّوا أو خجلوا من نبوءاتهم أو أنَّ الشاشات زهدت فيهم.

وسمعت تحليلين لخبيرين سوريين في علوم النظر السياسي يقولان باستحالة تعويم الأسد، وهو الأمر الذي تسعى له دول عربية كثيرة، وتتسابق إليه شوقا، لإنقاذ بشار الأسد من الغرق والوحشة والعزلة والنبذ، مثل سلطنة عمان والإمارات المتحدة اللتين زارهما المذكور ومشى على السجادة الحمراء من غير عثرة أو لعثمة، والمشي عليها علامة سؤدد، ومن ورائهما إيران وروسيا ورئيسها بوتين، الذي يريد أن يرى الأسد بطلًا مزفوفًا في نادي الزعماء العرب المسمى بالجامعة العربية.

يقول المحللان السياسيان بفساد التعويم، وإنَّ السعودية لم تعد غنيّة، فهي تعاني من ضيق ذات اليد والصدر، أو أنها تدّخر المال لعمارة مدينة نيوم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد، وقد صادر ولي العهد أموال الأمراء أبناء عمومته بعد حبسهم في فندق الريتز، بل إنه طمع بأموال الشيوخ والأئمة فصادر أموال إمام الحرم السديس، فالآخرة خير له وأبقى، والزهد به أليق وأوجب، وتكاليف حرب اليمن باهظة، وعلى الملك السعودي مؤازرة أوكرانيا أيضًا ببعض الصدقات، والتوطئة لنفسه في العواصم العالمية بالعطايا والهبات وشراء الصحف والفرق والأندية الرياضية، فالشرعية السياسية ترد من تلك العواصم البعيدة.

ونعلم أنَّ أحزابًا سياسية لبنانية سقطت لتخلي السعودية عن مدّها بالمال، ولعدم جدواها في صراعها مع حزب الله، أو لجريان مياه تحت الجسر الساقط أو فوقه.

وإنَّ قطر معارضة للتطبيع مع الأسد، وإن اضطرت إليه فلن تتصدق عليه بالمال، والكويت معارضة لتعويم الأسد هي الأخرى، ولديها  تقشف سياسي وريجيم اقتصادي، أما مصر فرئيسها يعيش على الماء من غير خبز،  ويريد أن يكون قدوة لشعبه في الزهد، وقد باع  سيناء وتيران وصنافير، وهو يبيع جزرًا أخرى في النيل لبناء مدينته الإدارية والجسور التي لا يجري من تحتها الماء، والأردن يطمح إلى تعويم الأسد طمعًا في الأموال التي ستتدفق على إعادة الإعمار وينال بعضًا منها، وملكها يرجو إقلاع النظام السوري عن دسِّ حبوب الكبتاغون عبر الحدود في بلاده. أما عالميًا، فروسيا مشغولة بحربها في أوكرانيا التي أنهكتها بعد سنة من اشتعالها، وإيران محاصرة وتعاني من شحّ في العملة الصعبة، وأوروبا تشكو من عقابيل الحرب على أوكرانيا، أما أميركا فتعاقب رجال الأسد الصغار، وتحرمهم من زيارة أميركا، وهم جنود لا يطمعون سوى في وجبة طيبة وكأس متة، وغرض أميركا من ذلك الإيحاء بمعارضتها التطبيع معه سياسيًا وإعادته إلى الحضن العربي، وإن شاءت أن تعارضه علنًا لتوعدت وأرعدت وأزبدت، ومنعت الدول العربية من مواصلته. الصمت علامة رضى.

 وأسباب التعويم أو التطبيع الجاري مع الأسد المنبوذ على قدم وساق هو إبعاد القوات الإيرانية عن حدود الأردن وإسرائيل، وإخلاء منطقة القلمون أو تخفيف الوجود الإيراني فيها، كما فعلت تركيا مع قسد في إدلب والشمال السوري، ومنع تصدير المخدرات، التي أمسى لها مدمنون في الدول المجاورة.

إن النظام السوري مصون من جميع الأصدقاء والأعداء، أما الموالون فيمكنهم أن يصبروا على الجوع عشر سنوات أخرى فليس لبشار بديل

وأغلب الظنِّ أنَّ النظام سيعيش على المساعدات الواردة من الأمم المتحدة، في الكوارث والنوازل من زلزال وفيضان وسواها، وهي كثيرة. وسيصدر كميات مخدرات بمقادير أقل من المقادير السابقة من المخدرات تسد جوعه وطمعه، وقد يلجأ إلى تصديرها بحيل جديدة، فهو نظام طوارئ يعيش على المصائب، وقد عاش السوريون تحت القصف والجوع اثنتي عشرة سنة، ويمكنهم أن يعيشوا عقدًا آخر من غير قصف، سعداء بالمسلسلات التلفزيونية وبطولات نجومها أمثال الزند ومفيد الوحش وابن الوهاج، يكون ابن الرئيس حافظ الأسد الثاني في هذه السنوات قد كبر وبلغ سنَّ الرابعة والثلاثين التي يمكن تعديل الدستور مرة ثانية بالإجماع من مجلس الشعب الموقّر، ليناسب عمره. ويكون وقت التغيير قد أزف.

إن النظام السوري مصون من جميع الأصدقاء والأعداء، أما الموالون فيمكنهم أن يصبروا على الجوع عشر سنوات أخرى فليس لبشار بديل، وإن وقع له أذى، فأخوه ينوب عنه، وإن سقط الأخ، فالابن حافظ الذي زار موسكو مع أبيه يتهيأ لتبوؤ منصب أبيه في الجمهورية الثالثة وهو حسب المصادر الإخبارية بارع في الإحصاء وحلِّ المعادلات الرياضية والعوم وطاهر اليد والذيل.