طوابير داخل صندوق الانتخابات

2021.05.29 | 05:26 دمشق

162201332110423800.jpg
+A
حجم الخط
-A

انتهت الانتخابات في سوريا الأسد دون أية مفاجآت كبيرة سوى أنها منحت المرشح الثاني محمود مرعي نسبة 3.3 من مجموع الأصوات التي كانت عادة تمنح للأسد الذي تنازل عنها لتعزيز مشروع الديمقراطية الجديد الذي يتبناه النظام كتعبير عن تغيير سلوكه كما يقول مناصروه في محور المقاومة، وبعض معارضيه الذين تم تصنيعهم في مكتب وزير الداخلية كأحزاب تعبر عن حال الرافضين لسياساته الاقتصادية في احتكار مشغل الخليوي، أو في أقصى الحالات فساد موظفيه من وزراء ومديرين عامّين ورؤساء بلديات.

كذلك لم يغير الموالون من سلوكهم العنيف كتعبير عن الفرح المتوقع فأطلقوا الرصاص الحي في الهواء فسقط قتلى وجرحى، وأحرقت المفرقعات رأس جبل قاسيون، وتمنى بعض العقلاء عليهم أن يوجهوا البنادق إلى رؤوسهم لكي يرتاح جميع السوريين من وجودهم، وأما دعاة حملة الأسد بالأمل والعمل فعادوا إلى خطابهم القديم حول حرق البلد وكل من لا يريد الرئيس الشرعي الذي انتخبوه بالدم نيابة عن كل الدماء المظلومة والمهدورة.

الهاجس الكبير لدى كل هؤلاء المحتفلين بانتصار الأسد هو ما بعد هذه المهزلة التي اشتركوا بها، وهذه الأدوار الصغيرة التي أعطيت لهم

يطلب أحد العقلاء أيضاً من هؤلاء الفرحين بوابل الرصاص الذي اعتادوا عليه طوال عشر سنوات من قتلهم للسوريين.. يطالبهم بأن يستحوا قليلاً ليس من أجل مئات الآلاف من الشهداء، وليس من أجل الخراب الذي نشروه على مساحة الوطن الذي يدّعون أنهم حماته، وليس من أجل صرخات الأمهات واليتامى بل من أجل حرمة قتلاهم هم، ومن أجل دماء الموالين والمؤيدين لمسار الدم، يطالبهم أن يخجلوا من جوع المعاقين نتيجة الأعمال الحربية، الذين لا يجدون من يعتني بعائلاتهم وأولادهم.

الهاجس الكبير لدى كل هؤلاء المحتفلين بانتصار الأسد هو ما بعد هذه المهزلة التي اشتركوا بها، وهذه الأدوار الصغيرة التي أعطيت لهم في مسرحية تنصيب القتل من جديد كمشروع لسوريا المستقبل، ولهذا تطابقت صور طوابير الناخبين مع الصور التي لم تتوقف عن طوابير الغاز والخبز والمحروقات.

من الواضح من تعليقات هؤلاء التي جاءت بعد هذا الاحتفال أنهم لا يأملون بانفراج كبير لأزمات البلاد، ولذلك لن تأتي رسائل الخبز والغاز كما يشتهون في وقتها، ولن يحصلوا على حقهم الافتراضي في حصة وقود التدفئة في الشتاء القادم، ومن المؤكد أن بذخ الكهرباء في حملة الأسد سيعني مزيداً من العتمة في الأيام المقبلة.

لن تتعافى الليرة السورية، فثمن الأسد أقل بكثير من تحريك الاقتصاد، والبيان الأميركي الأوروبي يعني مزيداً من الحصار على النظام، والتهنئة الروسية بالفوز لا يمكن لها فك الخناق عن المواطن السوري، وحتى الإيراني الذي يحضر في كل شارع لن يتمكن من تغيير واقع الحال حتى لو تم إنجاز اتفاق نووي يستثمره في تحقيق بعض الانفراجات لمحوره الممانع.

رسائل الانتخابات لم تصل إلى العالم كما يشتهي الأسد وحلفاء نظامه، والاستقرار الذي يراد تصديره على أنه إنجاز يستحق المكافأة غير كاف لكي تفتح البنوك أبوابها لمساعدته على الخروج من مصائبه، ولا تعطي الإذن لحلفائه في الخفاء كي يرسلوا سفراءهم ليمنحوه الشرعية العربية والدولية، والأهم أن الراغبين بالاستثمار في مشاريع الإعمار لن يجرؤوا على العمل في بلاد محفوفة بخطر الانفجار في أي وقت.

وأما أصحاب رؤوس الأموال فيعلمون جيداً أنهم إن عادوا فسيتم سرقتهم وحرق مصانعهم وابتزازهم وربما قتلهم إن احتاجت العصابات التي تسيطر على الشوارع الخلفية لذلك

لن يقنع فوز الأسد ملايين الهاربين من البلاد لأسباب غير سياسية بالعودة إلى التصفيق مرة أخرى، والأجيال التي كبرت في الشتات باتت ترى العالم بأعين جديدة ليست على هوى البعث والطلائع واتحاد الشبيبة، وحتى أولئك الانتهازيون الذين صوتوا له لن يعودوا إلى الحظيرة التي يعرفونها جيداً، وأما أصحاب رؤوس الأموال فيعلمون جيداً أنهم إن عادوا فسيتم سرقتهم وحرق مصانعهم وابتزازهم وربما قتلهم إن احتاجت العصابات التي تسيطر على الشوارع الخلفية لذلك.

أما مساكين الداخل من منتفعين ومنافقين ومرتزقة صغار فيدركون جيداً أن داخل صندوق الانتخابات الملعون ثمة طوابير متوالية من الذل والجوع، وهم من قالوا لها: نعم.