طوابير الخبز والوقود مسؤولية النظام أم العقوبات؟

2020.10.21 | 00:03 دمشق

swrya-azmt-720x405.jpg
+A
حجم الخط
-A

مع كل أزمة طوابير تظهر في مناطق سيطرة النظام يعود الجدل داخل أوساط المعارضة حول الموقف من العقوبات الغربية المفروضة على النظام، والنتائج المتوقعة أو المرجوة منها، سواء في إسقاط النظام كما تأمل المعارضة، أو على الأقل تغيير سلوكه كما تردد الولايات المتحدة باستمرار.

آخر المشاهد المؤلمة القادمة من دمشق وحلب بشكل رئيسي، ومن بقية المناطق أيضاً هي نتيجة نقص حاد في الوقود تسبب في تجدد طوابير الانتظار أمام محطات التعبئة، لكن الأهم هو تعطل عمل قسم كبير من الأفران ما أدى إلى عدم توفر مادة الخبز، الأمر الذي جعل الكثير من قادة وناشطي المعارضة يعيدون طرح السؤال حول انعكاسات العقوبات الأميركية والأوروبية المفروضة ضد النظام على الشعب السوري.

والواقع أن هناك انقساماً حاداً داخل أوساط المعارضة حول هذه العقوبات، وهو انقسام لم

بينما يشكو النظام من نقص الوقود فإنه لا يتردد في التهديد بشن عملية عسكرية جديدة على إدلب، بل ولولا الردع الروسي لما تأخر النظام في شن هذه العملية منذ أشهر مع ما تتطلبه من كميات ضخمة من الوقود

يعد خافياً على اعتبار أنه سبق أن طرح للعلن خلال أزمات الوقود والخبز السابقة، بل ومنذ الإعلان عن التحضير لفرض قانون العقوبات "قيصر"، لكن الانقسام لم يصنعه فقط الخلاف حول جدوى هذه العقوبات في التأثير على النظام فقط، بل والخشية من استغلال النظام ذاته لهذه العقوبات في ممارسة المزيد من النهب والإذلال ضد الشعب.

فبينما يشكو النظام من نقص الوقود فإنه لا يتردد في التهديد بشن عملية عسكرية جديدة على إدلب، بل ولولا الردع الروسي لما تأخر النظام في شن هذه العملية منذ أشهر مع ما تتطلبه من كميات ضخمة من الوقود الذي يمكن توفيره لخدمة المشافي والمخابز والمدارس ووسائل النقل الداخلي.

وبينما يشكو النظام من نقص شديد في مادة الطحين فإن وزراءه لا يتوقفون عن الإعلان عن استيراد كميات شهرية من القمح يفترض أنها تكفي وتزيد عن حاجة سكان المناطق الخاضعة لسيطرة النظام والذي لا يتجاوزون اليوم نصف عدد الشعب السوري، وهنا من المهم التذكير بتصريح وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية محمد سامر الخليل يوم الأحد أن حكومته "تستورد شهرياً ما بين 180 إلى 200 ألف طن من القمح"، فأين تذهب هذه الكميات المستوردة إذاً؟!

أيضاً رئيس مجلس الوزراء حسين عرنوس أكد يوم الاثنين "أن الأزمات التي يعيشها المواطنون في طريقها إلى الحل بعد أن عادت دمشق لتحصل على كميات البنزين ذاتها التي كانت تتزود بها قبل الأزمة الأخيرة، ومع عودة مصفاة بانياس لإنتاجها الكامل، فإن الأزمة في مراحلها الأخيرة جداً".

لكن عرنوس لم ينس التذكير بـ "أن على المواطن أن يعي جيداً حجم الصعوبات والعقوبات وضعف الإمكانات نتيجة الحرب المستمرة والعقوبات المفروضة على سوريا.." وهي الذريعة ذاتها التي تبرر معها حكومة النظام الأزمات والمشكلات التي تواجه المواطنين في مناطق سيطرتها، والتي يتضح غالباً أن النظام هو من يصنعها لتحقيق أهداف تصب في صالحه.

وأهم هذه الأهداف، ليس فقط حسب التقديرات، بل وأيضاً بناء على متابعة ودراسة الأزمات التي تكرر ظهورها في مناطق سيطرة النظام، خاصة منذ بداية الحديث عن قانون قيصر، هي فرض المزيد من رفع الأسعار والتقليل من المخصصات المقررة لكل مواطن من المواد الأساسية التي تباع عبر البطاقة الذكية، ضمن سياسة النظام في الاستيلاء على ما تبقى في أيد المواطنين من أموال، والتملص من واجباته تجاه السكان في مناطق سيطرته لجهة تقديم الخدمات المناطة به كسلطة مسؤولة عن تأمين احتياجات المواطنين.

لقد بات واضحاً أن هذه سياسة ممنهجة يعتمدها النظام وتبدأ في كل مرة باختلاق أزمة ما وخاصة على صعيد الوقود، ومن ثم خفض المخصصات ورفع الأسعار قبل أن يعلن بشكل مفاجئ عن حل المشكلة، وغالباً ما يكون ذلك بالحديث عن وصول شحنات جديدة إلى المصافي الحكومية في حمص وبانياس، الأمر الذي أزعج حتى أكثر حلفائه صلابة وهم الروس، كما يظهر من التغطية الإعلامية الروسية لأزمة الخبز والوقود الأخيرة، حيث انتقدت العديد من الصحف والمحطات في موسكو عجز النظام عن إيجاد حلول مستدامة لقطاعي الوقود والمخابز بعد أن تحدثت قبل ذلك عن استشراء الفساد داخل هذا النظام، ما دفع إعلام الأسد إلى شن هجوم جديد على روسيا إلى حد اتهامها بتوقيف ناقلة نفط كانت متوجهة إلى السواحل السورية !

الغريب أنه ورغم هذا الاتهام الموجه لموسكو إلا أن النظام لم يتردد عن استكمال برنامج خطته الذي بات مكروراً، فأعلن بعد أسبوع من بدء الأزمة الأخيرة عن "عودة مصفاة بانياس للعمل بكامل طاقتها بعد إنجاز العمرة وتوفر كميات إضافية من مادة البنزين بما يتجاوز الحاجة اليومية للقطر" حسب تصريح لوزارة النفط يوم الثلاثاء، كما أكد مدير فرع ريف دمشق للمخابز أن "جميع الأفران تقريباً التابعة للمؤسسة السورية للمخابز بدأت العمل بطاقتها الإنتاجية، حتى أن بعضها يستمر بالعمل خارج أوقات الدوام المحددة.." لكن من دون الكشف عن كيفية تحقق ذلك؟

ما سبق لا يعني إطلاقاً أن العقوبات لا انعكاس سلبياً لها على حياة المواطن العادي في مناطق سيطرة النظام، وأكثر من ذلك فإنها محل إعادة تقييم من قبل المعارضة وخاصة الفريق المسؤول عن ملف قانون قيصر في الائتلاف، لكنه يعني بالضرورة أن هذا النظام مستمر في اختلاق الأزمات أو تضخيمها لاستغلال حاجات السكان والاستيلاء على ما تبقى من مدخرات لديهم أو ما يصلهم من تحويلات مالية من الخارج لتغطية عجزه عن دفع رواتب جيشه وأمنه، وتسديد التزاماته المالية تجاه حلفتيه إيران وروسيا بعد أن قدم لهم معظم ثروات البلاد ومقدراتها من أجل حمايته وتثبيته في السلطة.