طبيعة العلاقة بين إقليم كردستان والمجلس الوطني الكردي في سوريا

2021.08.26 | 06:23 دمشق

b-a.jpg
+A
حجم الخط
-A

بعد التركيز على الجذر التاريخي بين الكرد الموزعين على طرفي الحدود في كردستان العراق والمنطقة الكردية في سوريا، وبعد سلسلة تاريخية من ديناميكيات التواصل التي خلقت الانسجام ووحدة الهدف والمصير السياسي والمستقبلي. فإن بداية التظاهرات في درعا 2011، وشمول المظاهرات لمعظم المدن الكردية في سوريا، وبروز تكتلات سياسية إقليمية هدفها العمل على مسار واحد، شكل خطراً على العمق الكردستاني في العراق ومكانة ومستقبل الكُرد في العملية السياسية السورية في تلك المرحلة والمستقبلية معاً، ودور الكُرد في الوسط الإقليمي وطبيعة علاقاتهم السياسية مع دول الجوار، دفع الأمر بالنُخب السياسية الحاكمة لإقليم كردستان للعمل على توحيد الأحزاب السياسية الكردية في سوريا، وتشجيعها للعمل معاً تحت مظلة سياسية تهدف لحماية الحقوق القومية للشعب الكردي وتوضيح رؤيتهم السياسية المستقبلية، وعدّم الزج بكرد سوريا في محارق عبثية كنتيجة للتحولات التي ضربت الثورة السورية وحولتها إلى صراع هويّاتي، وللحيلولة أمام غرق الكُرد في سوريا في مستنقع الخلافات والمشكلات الحزبية، فكان تأسيس المجلس الوطني الكردي. خاصة وأن مسافة الـــ/45كم/ طول الحدود بين المنطقة التي تسيطر عليها حالياً الإدارة الذاتية وكردستان العراق، من أصل الــ599 كم الحدود البرية المشتركة بين سوريا والعراق، تشكل تداخلاً جغرافياً تاريخياً بين الطرفين.

تأسيس المجلس الكردي وبرنامجه السياسي

صبغ التفكك والانقسام والانشقاق على عمل الأحزاب الكردية لعقود طويلة، وشكلت بداية الأحداث في درعا فرصة مثالية لتوضيح معالم الخريطة السياسية الكردية، وتشكيل الإطارات التي تضم شمل الأطراف السياسية المتشابهة والمتقاربة في توجهاتها السياسية والفكرية، خاصة وأن الأحزاب الكردية وجدت نفسها عاجزة بمفردها عن مجاراة الحدث السوري بقوته وجبروته، لكنها بقيت متمسكة بفكرتها وإعجابها بفكرة النضال السياسي السلمي الديمقراطي. مهد كل ذلك لتشكيل المجلس الكردي الذي أعلن في قامشلو في تشرين الثاني 2011، ويقول في أدبياته وبرنامجه السياسي وبيان تأسيسه إنه يدعو إلى الاعتراف الدستوري بالهوية القومية الكردية وبـ "الشعب الكردي الذي يعيش على أرضه التاريخية"، مطالباً بإلغاء السياسات والقوانين المطبّقة على الكرد في سوريا بما في ذلك حظر استخدام اللغة الكردية وإنشاء المدارس الكردية، وتعويض المتضررين، إضافة إلى تحقيق اللامركزية السياسية في الحكم في سياق وحدة الأراضي السورية، وعدم التمييز القومي والديني والطائفي، لكنه لم يتمكن من تحقيق برنامجه السياسي لسببين مركبين، أولهما: عدم بلورة الحل والتسوية السياسية لسوريا المستقبل، وكل هذا البرنامج السياسي إنما يبدأ توقيت تنفيذه الفعلي في سوريا الجديدة، والثاني: تحفظ المعارضة السورية في الوثيقة الموقعة بينهما على اللامركزية السياسية، وهو يشكل قلقاً للجانب الكردي*

مؤتمر الجالية الكُردية

ولترسيخ وحدة الصف الكردي، وتعميق عمل المجلس الكردي، دعم الإقليم عقد مؤتمر للجالية الكردية في دول اللجوء، وأقيم في أربيل بتاريخ 28-29/1/2012 بدعوة 245 شخصية كردية حزبية ومستقلة من /25/ دولة، لكنه شهد مقاطعة الاتحاد الديمقراطي له؛ كونه لم يكن مشاركاً في المجلس الكردي من أصله، فلم يشكل إطاراً للاتفاق المباشر بين الطرفين المتخاصمين، وفي مخرجات المؤتمر دان استخدام العنف، والدعوة إلى التسامح والعيش المشترك بين مكونات الشعب السوري، وترسيخ علاقة الكرد مع المعارضة، وتشكيل ممثليات للمجلس الكردي في دول المهجر والجوار.

العلاقة السياسية بين كردستان والمجلس الكردي

من الطبيعي أن يكون وحدّة المصير والمستقبل لمنطقة/شعب/كتلة سياسية كحال علاقة الكُرد في سوريا والعراق، مرهوناً بالتحالفات السياسية ونتائجها وتداعياتها على الأطراف المعارضة لها في توجهاتها. فالحلف المشترك بين بغداد وطهران والفصائل المسلحة العراقية في الحدث السوري، والخلاف الشيعي –السني، وصل إلى حدٍ لا يمكن للإقليم والكُرد في سوريا الحفاظ على النفس والجغرافية بعيدةً عن الارتدادات والهزات التي ستصيب العمق الكردستاني، وإن كان الكرد ينظرون إلى أنفسهم كمكون ثالث غير منخرطين في ذلك الصراع، لكن الموقف من الحدث السوري، وموقع واصطفاف كرد سوريا ومتاخمة مناطقهم للحدود الكردستانية، وتوفر العديد من الفرص والأوراق أمام إيران في الضغط وحصار الإقليم وكرد سوريا، إضافة إلى وحدة الحال والمصير والموقف والمستقل الكردي على طرفي الجغرافية المصطنعة التي توزعوا بينها، جعل العلاقة بين المجلس الكردي وكردستان العراق قائمة على نسقين متلازمين، أولهما: قومي إنساني أخلاقي، والثاني: سياسي مستقبلي. وما إن تحولت التظاهرات السلمية إلى عسكرة وتسليح، حتّى اضطر الحزب الديمقراطي الكردستاني للوجود في الساحة واللعبة، لكن على مبدأ عدّم التدخل المباشر، وحماية العمق الكردستاني، فكان لزاماً دعم المجلس الوطني الكردي، ودعم انخراطه ضمن المجلس الوطني السوري الذي شكل إطاراً للمعارضة. لذا وجد الإقليم عامة والحزب الديمقراطي الكردستاني خاصة نفسه على طرف نقيض مع كلً من طهران وبغداد التي هيمنت القوى الشيعية على حكومتي العاصمتين، واللتين خشيتا من إرساء نظام حكم جديد في سوريا مقرب إلى الخليج وتركيا أكثر من طهران وبغداد، وتالياً هيمنة القوى السنية على الحكم، كما وجدت أربيل أن من مصلحتها إضعاف محور بغداد طهران، وهو ما يعني حتماً إضعاف حكومة المالكي التي أرهقت الإقليم بالحصار وقطع الرواتب وإيقاف الميزانية وغيرها، كما وقف الإقليم إلى جانب السوريين في محنتهم وتوحد موقف المجلس الكردي وأربيل في الموقف من المعارضة والسوريين المعارضين لدمشق. وتالياً فإن توجه المظاهرات السورية نحو العسكرة وظهور مؤشرات استدامة هذه المواجهات المسلحة، وتكرار مواقف المالكي المعارض لأي حراك إقليمي في الأزمة السورية، ساهم في تعميق موقف النخب السياسية الكردية في العراق، واعتبارهم مواقف المالكي ممهدة لاعتراضه لمرحلة ما بعد النزاع، وخوفه من زعامات سنية تهدد السلطة الشيعية في بغداد، هذه النزعة المركزية في الحكم لدى المالكي شكلت في الذاكرة الكردية مخاوف عميقة لإعادة تكرار التجارب الإجرامية التاريخية السابقة، ووجدت في ضعف المركز في سوريا، والتوترات والتحديات والتهديدات التي تحيق بحكومة المالكي منفذاً جيداً للخلاص من كثير من الضغوطات والمشكلات السياسية والمالية والمستقبلية، وهو ما يصب في خدمة الكُرد على طرفي الحدود.

البشمركة

ضمن هذا السياق تم تشكيل قوات كردية سورية من المنشقين عن الجيش السوري، أو المتطوعين اللاجئين إلى الإقليم، سميت بشمركة روج آفا، لتتحول فيما بعد إلى جناح عسكري للمجلس الكردي، لكنه موجود في كردستان وبهيكلية إدارية وسياسية خاصة، على أمل أن تشارك في مستقبل سوريا ولها موقف معارض من نظام الحكم في دمشق وهذا تحدٍ واضح لسياسة بغداد في عدم التدخل، وحالياً تشكل قضية عودتهم ومشاركتهم في قرار السلم والحرب إحدى عراقيل تتمة الحوار الكردي –الكردي.

خاتمة:

منذ بدايات الحدث السوري، سعى الرئيس مسعود البارزاني لرأب الصدع وترتيب البيت الكردي في سوريا، وأشرف على ثلاث اتفاقيات بين المجلس الكردي والاتحاد الديمقراطي الذي أسس مع بعض الأحزاب الأخرى سلطة سياسية أمنية في المنطقة، وطرح سلسلة من المشاريع والتسميات السياسية، بالرغم من ذلك فإن المجلس وعلى ضعفه الداخلي وعدّم استثماره للفرص التي تتيح له ميدانيا للتعبير عن "قوته" ونسبة جماهيريته لكنه حظي بالقبول السياسي والتمثيل ضمن أروقة هيئة التفاوض العليا، واللجنة الدستورية ومسار الحل السياسي في جنيف والقرار 2254، في ظل غياب تام للإدارة الذاتية وباقي التسميات كلها.

 


*-يمكن القول إن كل الأطراف السورية لم تحقق شيئاً من برامجها السياسية، سواء المجلس الكردي، الإدارة الذاتية، مجلس سوريا الديمقراطية، وأطراف المعارضة السورية، والنظام السوري. طالما الصراع مستمر، سواء العسكري أو السياسي، فإن الثبات على الطرح يعتبر أمرا مهما بحد ذاته.